كيف تخلَّت الإمارات عن الفلسطينيين ودعمت إسرائيل للنيل من المقاومة؟
السياسية: متابعات
عاد الجهد الأمني الإماراتي ضد المقاومة الفلسطينية بصورة خاصة إلى فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006، وازداد مع فرض الحصار على قطاع غزة، وتمثلت هذه الجهود في تجفيف منابع حماس المالية داخل الإمارات، بإيقاف عمليات تحويل الأموال، ومصادرة أموال كانت في طريقها إلى غزة، بعد معلومات قدمتها سلطات الاحتلال عن تلك العمليات.المستشرقة الإسرائيلية موران زيغا، الباحثة في المعهد الإسرائيلي للسياسة الخارجية-ميتافيم، والباحثة في مركز تشايكين للاستراتيجية الجغرافية بجامعة حيفا، ذكرت أن صناع القرار في تل أبيب وأبوظبي “يتوافقون على أنهما يقاتلان ضد القوى “الراديكالية” في العالم العربي، ومنها المقاومة الفلسطينية، مما يزيد من جودة التنسيق الأمني بينهما”.وأشار جاكي خوجي، الخبير الإسرائيلي في الشؤون العربية، إلى أن “هناك قواسم مشتركة عديدة بين الدولتين، فالإمارات كما إسرائيل، لهما علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة ومصر، وهذه الدول الأربع تشترك في تحالف ضد إيران والمنظمات الجهادية المسلحة”.من هنا، ظهر بوضوح استهداف الإمارات للمقاومة الفلسطينية وحركة حماس في عدة مواقف:
وفي الوقت الذي واصلت فيه السلطات المصرية إغلاق معبر رفح مع قطاع غزة خلال العدوان الإسرائيلي 2014، فقد أثار فتحه بصورة استثنائية أمام وفد طبي إماراتي دون غيره من القوافل القادمة للقطاع جدلاً واسعاً فيه، وظهرت شكوك حول نواياه، وأرجعوا تسهيل مهمة دخوله القطاع لأسباب أمنية.
ونشر ناشطون فلسطينيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي صور ضابطٍ إماراتي يرتدي اللباس التقليدي لدولته خلال مرافقته الفريق الطبي مشكّكين بأهدافه، وتساءلوا عن أسباب سماح السلطات المصرية بدخول هذا الوفد، ومنع وفود أخرى، مع شيوع خبر مفاده أن هذا الفريق هرب على وجه السرعة دون أن يبلغ أحداً.ومما تداوله الفلسطينيون آنذاك أن الوفد حمل جملة أهداف أمنية من بينها تعقّب إطلاق الصواريخ الفلسطينية تجاه المستوطنات الإسرائيلية، ومعرفة وضع المقاومة على الأرض، والتفاعل الشعبي معها.مع العلم أن الوفد استمرت زيارته عدة ساعات فقط في غزة، وضع خلالها مستشفى ميدانياً في منطقة دير البلح في المحافظة الوسطى من القطاع.ويمكن الربط بين الاتهامات الفلسطينية للوفد الإماراتي الزائر لغزة، مع ما كشفته الصحافة الإسرائيلية بالتزامن مع زيارته عن وجود وحدات نخبة في غزة تعمل منذ أيام ساهمت في المساعدة بتنفيذ عشرين هجمة عسكرية على بيوت وأهداف تابعة لحماس.في الوقت ذاته، تزامن وصول الوفد الإماراتي إلى غزة مع دعوة رئيس حزب “كاديما” الإسرائيلي وعضو الكنيست الجنرال شاؤول موفاز لتخصيص دور للسعودية والإمارات في تجريد حماس من صواريخها، ونزع سلاح المقاومة في غزة، لأنه يستحيل أن تتمكن إسرائيل من تجريد القطاع من السلاح بالقوة العسكرية، حتى لو قامت بإعادة احتلاله، مما يتطلب طرح خطة دبلوماسية سياسية اقتصادية متكاملة لتحقيق هذا الهدف.
الجنرال شاؤول موفاز
وأكد موفاز، وهو قائد جيش الاحتلال الإسرائيلي الأسبق، أن هناك حاجة ماسة لإقناع سكان غزة بضرورة التعاون لتنفيذ الخطة، وهذا يتطلب عرض “الجزرة”، التي يمثلها دعم مالي سخي يقنعهم بالتعاون مع أي جهد دولي أو إقليمي، وفي ظل الظروف الحالية فإن السعودية والإمارات قد تلعبان دوراً مهماً في توفير الشق المالي من الخطة.فيما كشفت القناة الثانية في التليفزيون الإسرائيلي أن اتصالات سرية جرت بين الإمارات وإسرائيل، من خلال لقاء جمع وزيري خارجيتهما، عبدالله بن زايد وأفيغدور ليبرمان، في العاصمة الفرنسية باريس، عشية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة صيف 2014، لبحث خطط خاصة من أجل القضاء على حركة حماس في القطاع غزة، بتمويل من الإمارات، هذه الأخيرة التي كانت على علم مسبق بالعدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع في شهري يوليو/حزيران وأغسطس/آب 2014.وقالت القناة الإسرائيلية إن الإمارات العربية كانت على علم مسبق بالعملية العسكرية الإسرائيلية ضد غزة، وأبدت استعداداً لتمويلها، شريطة القضاء على حركة حماس نهائياً، بحجة ارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين.
في فبراير/شباط 2011 اعتقلت السلطات الأمنية في الإمارات عبدالعزيز الخالدي رجل الأعمال الفلسطيني من قطاع غزة، المقيم خارج فلسطين منذ 20 عاماً دون الكشف عن أسباب الاعتقال، ثم أفرجت عنه بعد اعتقالٍ استمر 45 يوماً، بناء على تدخل شخصي من أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني.ويأتي هذا الاعتقال استكمالاً لما تقوم به الإمارات من دور في اعتقال قيادات في المقاومة الفلسطينية، ومصادرة أموالهم، وتقديم معلومات استخباراتية لدولة الاحتلال الإسرائيلي عنهم، وقد بذلت على مدى سنوات طويلة جهوداً أمنية واستخبارية ضد حركة حماس تحديداً، ونفذت اعتقالات طالت عناصر وقيادات فيها، إضافة لمصادرة أموال واستثمارات تابعة لها.وفي فبراير/شباط 2012 شنّ جهاز أمن الدولة في الإمارات حملة اعتقالات في أوساط فلسطينيين مقيمين في الدولة، بسبب الاشتباه بجمعهم تبرعات لدعم القضية الفلسطينية، وعلى خلفية الاشتباه بعلاقة بعضهم مع جماعة الإخوان المسلمين وحركة المقاومة الإسلامية حماس، وطالت الاعتقالات رجال أعمال ومستثمرين.لم تكتفِ أبوظبي بذلك، بل اعتقلت العشرات من قيادات حماس وعناصرها المقيمين في الإمارات، وتعرض عدد منهم للتعذيب الشديد على أيدي الأجهزة الأمنية لمعرفة الشركات التي تدعمهم ورؤوس أموالها، حتى إن أحد أقارب رئيس المكتب السياسي الأسبق لحماس موسى أبومرزوق، كان على وشك الموت في السجون الإماراتية، قبل أن يتم إخراجه بعد وساطات عربية.في السياق ذاته، أغلقت الإمارات أربع شركات لشخصيات فلسطينية بزعم أنها مرتبطة بحماس، وصادرت أموالها، وطردت مالكيها، بحجة أنها تدعم الحركة أو لهم أقارب فيها، ثم نقلت إلى السلطات السعودية معلومات عن قيادات وعناصر مقربين من حماس داخل المملكة، وقد مهدت هذه المعلومات التي قدمتها الإمارات لعملية الاعتقالات التي طالت العشرات في السعودية، وإجبارهم على الاعتراف تحت التعذيب بمعلومات يتمّ تزويد إسرائيل بها.
الإمارات وإسرائيل.. دعم وتغطية
لا يرتبط التقارب بين أبوظبي وتل أبيب باستهداف “القوى الراديكالية” كما يصفونها، لكنه يمتد إلى دعم مشترك وتبادل المصالح الاقتصادية، بل ووصل الأمر للتغطية على بعض جرائم إسرائيل. هذه بعض النماذج:
وفي ظل دعم إماراتي مستمر للمستوطنات الإسرائيلية، ومنتجاتها، والترويج لها في دبي في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، نددت فصائل فلسطينية بهذا الدعم الإماراتي، ونظرت بخطورة بالغة للدور الإماراتي المشبوه في دعم المستوطنين في القدس والضفة الغربية المحتلتين، مما يعكس أن العلاقات الإماراتية الإسرائيلية تجاوزت التطبيع إلى دعم الاحتلال، والتواطؤ معه ضد القضية الفلسطينية.وكشف وزير العدل الفلسطيني محمد الشلالدة عن توجه الحكومة لمقاضاة الشركات العاملة في المستوطنات، وحذر بمقاضاة الدول العربية، في إشارة للإمارات، التي أبرمت اتفاقيات مع الاحتلال في حال أقدمت على دعم منتجات المستوطنات.من جهته علق أوفير جندلمان، المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي، على أنباء وصول بضائع المستوطنات إلى الإمارات، بقوله إن “أفضل وأفخر الفواكه والخضراوات الإسرائيلية تباع حالياً في المتاجر والأسواق الإماراتية، بعد أن تم التوقيع على اتفاقية تمكن مزارعين إسرائيليين من تصدير محاصيلهم هناك”.وقد استضاف سوق الخضار والفواكه بدبي (فريش ماركت) الذي تديره بلدية دبي، عرضاً للمنتجات الزراعية الإسرائيلية، للمرة الأولى عربياً، وربما في العالم كله، مما دفع نشطاء فلسطينيين وعرباً إلى مقاطعة ميناء “جبل علي” الإماراتي تحسباً لإعادة تصدير منتجات الاحتلال التي تأتي من المستوطنات على الأراضي الفلسطينية، مع العلم أن المنتجات الإسرائيلية تلقى ملاذاً آمناً في الإمارات بعد سنوات من المقاطعة العربية والأوروبية.
وفي سبتمبر/أيلول 2020، أعلن رئيس تجمع مستوطنات شمال الضفة الغربية المحتلة “يوسي داغان” عن اتفاقية تصدير منتجات المستوطنات إلى الإمارات، بما يعزز من حقيقة عدم دفع أي ضريبة أو يرتبط بتقديم إسرائيل لأي تنازلات تتعلق بتجميد الاستيطان، لأنه يعني اعترافاً إماراتياً بمشروعية المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة.أما صحيفة “جيروزالم بوست” الإسرائيلية فكشفت في أكتوبر/تشرين الأول 2020 عن بدء ترويج خمور تنتجها مصانع في مستوطنات الجولان السوري المحتل في دبي، على أن تروج بعد ذلك بجميع أنحاء الإمارات.
لم يتوقف الاختراق الإسرائيلي للإمارات عند اغتيال جهاز الموساد للقيادي العسكري في حركة حماس محمود المبحوح في إمارة دبي، في يناير/كانون الثاني 2010، بل إن الجهد الإسرائيلي توجه نحو إسكات الإمارات عن استكمال التحقيق في هذا الاغتيال من خلال صفقة سلاح سرية حصلت عليها أبوظبي عقب الاغتيال.وكشفت إسرائيل أنها أرسلت رئيس الموساد تامير باردو إلى الإمارات، واشترطت إعادة بناء العلاقات بموافقة إسرائيلية لبيعها سلسلة من الوسائل القتالية تُصنف على أنها سرية، ومُنذئذ تتمتع الإمارات عملياً بسوق سلاح مفتوحة ومتنوعة في إسرائيل، بعد تعهدها بعدم نقل السلاح إلى جهات معادية لإسرائيل.في وقت لاحق، كشف عبدالرؤوف نجل المبحوح عن خضوع جثمان والده لثلاث عمليات تشريح إماراتية لطمس آثار الجريمة، وأكد تعرضه للاحتجاز والتحقيق معه لدى وصوله دبي لاستلام جثمانه، وأن ما كشف عنه ضاحي خلفان مدير شرطة دبي آنذاك ليس سوى محاولة لتبرئة ساحته، وكل ما جرى كان مجرد “رتوش وتجميل” لصورة شرطة دبي، بعد أن افتضح أمرهم بأن لهم يداً خفية في نجاح عملية الاغتيال.
وكانت المنظمة العربية لحقوق الإنسان قد أكدت أن اثنين من فريق اغتيال القيادي العسكري في حركة حماس محمود المبحوح يعيشان في الإمارات، ولم يقدَّما للمحاكمة، واتهمتهما بتقديم دعم لوجيستي لفريق الاغتيال الإسرائيلي.
تواترت التقارير الإخبارية في السنوات الأخيرة عن تورط الإمارات في شراء منازل الفلسطينيين في القدس المحتلة لصالح تسريبها للجمعيات الاستيطانية اليهودية.نائب رئيس الحركة الإسلامية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 الشيخ كمال الخطيب تحدث عن رجل أعمال إماراتي مقرب جداً من محمد بن زايد يعمل على شراء بيوت وعقارات في البلدة القديمة، خاصة البيوت الملاصقة للمسجد الأقصى المبارك، بمساعدة رجل أعمال مقدسي، الذي عرض على أحد سكان القدس خمسة ملايين دولار لشراء بيت ملاصق للمسجد الأقصى، وعندما رفض العرض رفع المبلغ إلى عشرين مليون دولار لنفس البيت.يتهم المقدسيون عدداً من رجال الأعمال المرتبطين بالإمارات، ممن جلبوا أموالاً إماراتية إلى القدس، بعضهم متورط في تسريب أحد المنازل عام 2014، وقد تم تحويل الأموال من الإمارات إلى بنك عربي في منطقة العيزرية تابع للسلطة الفلسطينية، وتم سحب هذه الأموال، وتصل إحدى دفعاتها إلى نصف مليون دولار، وتم سحبها نقداً من فرع البنك.
تخطت العلاقات الإماراتية – الإسرائيلية مستويات أكبر مما كان يتوقعه المراقبون، فبالتوازي مع دفء العلاقات السياسية ضمن المستوى الرسمي بينهما، تتجه علاقاتهما بشكل متسارع لكسر كل الخطوط الحمراء التي وقفت في وجه إسرائيل لاختراق المنطقة العربية.آخر محطات العلاقات الإسرائيلية الإماراتية تمثلت بزيارة أول وفد من قادة المستوطنات الإسرائيلية لإمارة دبي، وعلى رأسهم يوسي داغان رئيس مجلس مستوطنات “شومرون” شمال الضفة الغربية المحتلة، برفقة عشرات المستثمرين ورجال الأعمال الإسرائيليين من مستوطني الضفة.وضم الوفد عتاة المستوطنين الذين يشرفون على عمليات مصادرة أراضي الفلسطينيين وهدم منازلهم والسطو على ممتلكاتهم ومنهم: بوعاز شيتزر، الرئيس التنفيذي لشركة “AST”، وهي شركة تقدم حلولاً تكنولوجية، وموشيه ليف ران نائب رئيس شركة “Tuito Plast” من منطقة “بركان” الصناعية المتخصصة في تصنيع ملحقات أجهزة تكييف الهواء وتوفير الطاقة، ويائير فلوفيتش الذي يمثل 30 شركة زراعية، وممثل شركة “تطوير وسط السامرة” عميتاي رويتمان، ومؤسس الشركة البلدية الاقتصادية في شمال الضفة الغربية.
وتخللت الزيارة التي استمرت عدة أيام، البحث عن آفاق التعاون الإسرائيلي – الإماراتي في قطاعات الاستثمار في مجال الهندسة الزراعية، وتحلية المياه، وتوليد الطاقة.
تبادل الدعم العسكري
ظهر بصورة لافتة عدد من الأسماء الإسرائيلية ذات الخلفية الأمنية والعسكرية التي اضطلعت بدور واضح في اتفاقها مع الإمارات، وكان لها دور إجرامي ضد الفلسطينيين، ومن أبرزهم كبار رجالات الأمن الإسرائيلي بينهم الجنرال عاموس مالكا الرئيس الأسبق لجهاز الاستخبارات العسكرية “أمان”، وقائد سلاح الجو الأسبق الجنرال إيتان بن إلياهو، ورجل الموساد البارز ديفيد ميدان ممثل إسرائيل في صفقة تبادل الأسرى مع حماس في 2011، والعشرات من كبار الضباط الإسرائيليين الذين يسافرون إلى أبوظبي بصورة دورية، حيث يزاولون أعمالهم في إحدى الفيلات بأحد الأحياء الراقية، وعملوا هناك لمدد تتراوح بين أسبوع وأسبوعين.
سلاح الجو الإماراتي
مصلحة أخرى في التعاون الإماراتي الإسرائيلي تتعلق بنشاط سلاح الجو الإماراتي في سيناء لملاحقة الجماعات المسلحة، وتقديم المعلومات الأمنية، إذ تعتبر سيناء أهم المحاور الأساسية لتهريب الأسلحة للمقاومة الفلسطينية، ومع مرور الوقت نشأ تحالف وثيق ربط الإمارات مع إسرائيل التي تجد نفسها في مواجهة مع حماس (الفرع الفلسطيني للإخوان المسلمين)، فيما أعلن مايك بومبيو وزير الخارجيّة الأمريكي أنّ الإمارات وإسرائيل اتّفقتا على بناء تحالف أمني وعسكري لزيادة التعاون الأمني والاستخباري لمواجهة ما سماه “الإرهاب”.وتناولت العلاقات الإماراتية – الإسرائيلية استهداف اليمن، لأنه بوابتها للسيطرة على مضيق باب المندب، وتستهدف إسرائيل منه تضييق الخناق على المقاومة الفلسطينية لتمنع عنها السلاح الذي يصلها من إيران عبر البحر الأحمر وصولاً إلى سيناء، ثم قطاع غزة.
وتتحدث أوساط المقاومة الفلسطينية عن تنسيق واضح بين تل أبيب وأبوظبي لإغلاق كل المنافذ أمامها، بما يقود في نهاية الأمر إلى عزلة شبه تامة للقطاع، ويمهد الطريق نحو سلسلة التنازلات المطلوبة من أجل الرضوخ للإملاءات الإسرائيلية الأمريكية.وفضلاً عن الجهود الأمنية المصرية على الحدود مع غزة لهذا الغرض، تظهر قاعدة برنيس البحرية المصرية الواقعة على ساحل البحر الأحمر شرق مدينة أسوان، التي تم افتتاحها في يناير/كانون الثاني 2019 بحضور الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي، وتم تدشينها بالتنسيق مع إسرائيل، ومن أهدافها المحورية قطع أي إمدادات عسكرية لدعم المقاومة في القطاع.
كما جرت مناورات مشتركة لطياِرين إماراتيين وإسرائيليين في قبرص عام 2019، تحدثت عنها مراسلات بين يوسف العتيبة السفير الإماراتي في واشنطن وعسكريين إسرائيليين، أكدت أن الهدف الرئيسي منها تجريد المقاومة الفلسطينية من سلاحها.محلل الشؤون العربية بالقناة إيهود يعاري في القناة “12” الإسرائيلية، أكد أن قاعدة برنيس، ومساحتها 150 ألف فدان، وتضم قاعدتين بحرية وجوية وعدداً من الوحدات القتالية، ستساهم في حماية أمن إسرائيل.
يعقد معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي التابع لجامعة تل أبيب مؤتمراً سنوياً لمناقشة التهديدات الأمنية على دولة الاحتلال، بحضور وفد أمني عسكري رفيع المستوى، وأوراق بحثية سرية، لكن اللافت في السنوات الأخيرة المشاركة المتكررة لضيوف إماراتيين في هذا المؤتمر، وكان آخرهم في يناير/كانون الثاني 2021، من خلال حضور أنور قرقاش، وزير الشؤون الخارجية الإماراتي، وابتسام الكتبي، رئيسة مركز الإمارات للسياسات، وأستاذة العلوم السياسية المساعد بجامعة الإمارات.
واختتم المؤتمر السنوي الإسرائيلي هذا العام بوثيقة إماراتية إسرائيلية – أمريكية، جاءت على شكل ورقة توصيات مرفوعة للإدارة الأمريكية الجديدة، مؤكدة ضرورة ضمان أمن إسرائيل، وتعظيم قدرات حلفائها العرب، وتوسيع إطار التطبيع العربي الإسرائيلي، و”تجريم” المقاومة الفلسطينية.واشتملت الورقة على تسع توصيات أساسية بشأن القضايا المشتركة، من أهمها البدء ببناء الموارد العسكرية والاستخباراتية والأمنية المدنية اللازمة لإسرائيل والإمارات، بغرض التصدي بشكل تعاوني للتهديدات التي تشكلها إيران ووكلاؤها، منها المنظمات الفلسطينية، وبناء تحالف عسكري عربي إسرائيلي برعاية أمريكية، والتأكيد على ضرورة محاربة المقاومة كأيديولوجية وممارسة، عبر استئناف التعاون الأمني الكامل مع إسرائيل، وإنهاء التهديد الذي تشكله حركة حماس، ومحاربة كافة التوجهات التي تكافئ العنف ضد الإسرائيليين.
استهداف القدس والفلسطينيين
لا يتعلق استهداف الإمارات للمقاومة أو حركة حماس فقط، بل يمتد الأمر إلى محاولة استهداف ركائز القضية الفلسطينية ذاتها وعلى رأسها القدس.
فيما يشكل المسجد الأقصى أحد مؤشرات التوتر بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فقد زاد التطبيع الإماراتي الإسرائيلي من هذا التوتر، لأن الإمارات وضعته ضمن اتفاقها مع إسرائيل، لتزيد أعداد المصلين الإماراتيين في الحرم القدسي للتغطية على تطبيعها مع إسرائيل، مما دفع الفلسطينيين للتحذير من الرد بقوة على أي حراك من هذا النوع، وهو ما تجلى في طرد الزوار الإماراتيين للمسجد الأقصى .
ورغم الضجيج الإعلامي عقب توقيع اتفاق السلام الإماراتي الإسرائيلي، بسبب دوره السلبي في الدفع قُدماً بمسار التطبيع العربي مع دولة الاحتلال، ومنح الأخيرة بطاقة مرور لمختلف العواصم العربية والإسلامية، غير أن قليلين انتبهوا للخطورة التي يكتنفها الاتفاق على صعيد حقوق الفلسطينيين والعرب والمسلمين في المسجد الأقصى.يكمن التوجه الإماراتي وفق ما تم نشره من معطيات شحيحة في الاتفاق مع إسرائيل والولايات المتحدة على إتاحة الحرم القدسي لـ”جميع أصحاب الديانات السماوية”، وليس للمسلمين حصراً، كما هو معمول به منذ فجر التاريخ، هذا المقترح الذي وجد الرفض الفلسطيني عبر الملصقات الضخمة التي انتشرت في الحرم القدسي، وحملت شعار (محمد بن زايد خائن)، وحرقت صوره أمام قبة الصخرة، فيما أعلن الشيخ محمد حسين مفتي القدس أنه “لا يجوز للمسلمين الصلاة بالمسجد الأقصى تحت رعاية اتفاق “الخيانة” بين إسرائيل والإمارات”.
لذلك وجد الفلسطينيون صعوبة في استيعاب التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، وقد زادت صعوبته عند الحديث عن تبعاته الدينية، حيث تحدثت رؤية جاريد كوشنر المعلنة، صهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ومبعوثه للشرق الأوسط، عن توافد جموع المسلمين القادمين من دول الخليج العربي للصلاة في المسجد الأقصى، زاعماً أن هذه الجماهير ستدرك بأعينها أن “الأقصى ليس في خطر” كما يردد الفلسطينيون، وهذه رؤية كوشنر التي أقنعت حكام الإمارات.يتحدث الإماراتيون والإسرائيليون والأمريكيون في مباحثات غير رسمية أن لديهم هدفاً مبدئياً يتمثل بتوافد مليوني سائح مسلم لدولة الاحتلال سنوياً، معظمهم سيزور المسجد الأقصى، تحت اسم “السلام الديني”، مع أنه في 2018 زاره 98 ألف سائح مسلم، ويتحدث نتنياهو مع كوشنر وبن زايد، عن ترتيبات خاصة للمسلمين الذين سيأتون من الإمارات والخليج للصلاة في المسجد الأقصى.وكان مقدسيون قد طردوا أعضاء وفد إماراتي دخل المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال، وعبّروا عن رفضهم أن تكون زيارة العرب والمسلمين للأقصى بحراسة الأمن الإسرائيلي وبالتنسيق معه، وبالتالي فقد بات واضحاً أن كل من سيزور المسجد الأقصى من المسؤولين العرب سيكون تحت رعاية إسرائيل والإمارات لن يكون مرحباً به، لأن الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي أظهر أن زيارة المسجد الأقصى تضفي الشرعية على التطبيع مع إسرائيل، وتتصالح مع “احتلال” الأضرحة الإسلامية.وإلى جانب الخطة الإماراتية لجلب مليوني مسلم إلى المسجد الأقصى، فقد أعلن وزير شؤون القدس الإسرائيلي الحاخام اليهودي رافي بيرتس عن خطة لجلب آلاف السائحين من الإمارات إلى القدس، يقيمون في فنادقها، ويصلون فيها، لتعزيز مكانتها “عاصمة لإسرائيل”.ولم يتوقف مخطط الإمارات بالقدس على إيجاد موطئ قدم بالمسجد الأقصى، بل وصل الأمر للاتفاق مع بلدية القدس المحتلة على إنشاء منطقة صناعية تكنولوجية بحي وادي الجوز شرقي المدينة، على مساحة 250 ألف متر مربع لربط إسرائيل بالإمارات وفلسطينيي شرقي القدس، بكلفة ملياري شيكل (600 مليون دولار).في سياق متصل، تعمل بلدية الاحتلال في مدينة القدس المحتلة على جذب شركات من الإمارات للاستثمار في منطقة صناعية حديثة أطلقت عليها اسم “وادي السيليكون”، وتقع شرق المدينة المحتلة، وبقيت هذه الخطط ومشاركة دولة الإمارات فيها طيَّ الكتمان على غير العادة.
وبالتزامن مع حفاوة الاستقبال التي وجدها المستوطنون الإسرائيليون في أبوظبي، فقد شهد شهر مايو/أيار 2019 حملة غير مسبوقة من استدعاءات وملاحقات واعتقالات واسعة طالت عشرات الفلسطينيين المقيمين في الإمارات، وأدخلت المئات من العائلات الفلسطينية بحالة توتر وقلق على مستقبلهم، ومصير عدد من أبنائهم المعتقلين، الذي استمر مجهولاً شهوراً طويلة، وطالت قرابة أربعين فلسطينياً.
وفي التفاصيل، فإن أي فلسطيني يريد تجديد الإقامة أو جواز السفر،
أو حتى تسجيل الأبناء أو تقديم أي معاملة خاصة، يتم تأخير معاملته، وإدخاله في عدة تحقيقات مع الجهات الأمنية، قبل رفض أو قبول معاملته، التي غالباً ما تُقابَل بالرفض. حتى إن قبول أي معاملة خاصة بالفلسطينيين داخل المؤسسات الرسمية والحكومية الإماراتية دون تعب وتحقيق أصبح مستحيلاً، فهناك المعاناة تتصاعد والأوضاع تتوتر تدريجياً.
وفي تلك المرحلة، فوجئ الفلسطينيون خلال مراجعات الدوائر الحكومية في أبوظبي والشارقة وعجمان، ببعض القرارات على المستوى الحكومي الرسمي، التي تدعو للتحقيق والتدقيق في كل معاملة يكون صاحبها فلسطينياً، حتى إن هذه الإجراءات وصفها بـ”الصارمة” نالت من كل فلسطيني يوجد داخل الإمارات.مع العلم أن بعض من يتم اعتقالهم يُحقَّق معهم، ويعودون لمنازلهم في اليوم نفسه، وبعض آخر يتم اعتقالهم يوماً أو يومين بعد تحقيقات مكثفة، وتركزت الأسئلة الموجَّهة إلى معظم المعتقلين حول قطاع غزة، والانتماءات السياسية، إضافة إلى العلاقات مع السُّلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس، وأي شبهات تتعلق بالارتباط بالمقاومة، أو التواصل مع حركة فتح في رام الله، أو حركة حماس بغزة، ومعارضة خط الإمارات السياسي الداخلي أو الخارجي، سيكون مصيرها تعطيل الإقامة أو المعاملة بشكل فوري، وتحويله للاعتقال حتى يصل لمرحلة الترحيل النهائي من البلاد.
أكدت إدارة موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك إزالة 400 حساب وصفحة تديرها دولة الإمارات تحرض على فلسطين عبر نشطاء يديرونها، وأن التحقيقات التي يجريها الموقع في الحسابات المزيفة والحملات المنظمة في فيسبوك كشفت عن روابط بين الشبكة التي أنشئت في فلسطين ولها امتداد في الإمارات، كما كشف فيسبوك عن شبكة تم تأسيسها حديثاً باسم “أورينتيشن ميديا”، ومقرها بلجيكا للتحريض من الإمارات ضد فلسطين.وتمثَّل الإجراء في إزالة 206 حسابات على فيسبوك، 178 صفحة، 3 مجموعات، و14 حساباً على إنستغرام استهدفت فلسطين، استمراراً لسياسة الإمارات التي تبذل جهوداً في شن هجمات ضد الدول التي تعارض سياساتها عبر التحريض على وسائل التواصل الاجتماعي، وأن تلك الهجمات تستهدف التحريض على الدول والجماعات التي تسعى لتأسيس الثقافة الديمقراطية.
عربي بوست