السياسية:

منذ خروج السوريين في احتجاجات في مارس/ آذار عام 2011، لم تتوقف مآسيهم إذ سرعان ما تحولت أحلامهم إلى كوابيس مستمرة مع سيطرة لغة الرصاص والدم وغياب الهتافات والأناشيد.

لقد راودت السوريين نفس الأحلام التي راودت المصريين والتونسيين قبل عشر سنوات مع صرخة بائع تونسي متجول، أضرم النار في جسده احتجاجاً على الظلم وحالته المعيشية المزرية.

وصلت شرارة جسد البائع التونسي البوعزيزي، تقريباً إلى معظم بلدان الشرق الأوسط. فبعد الإطاحة بحكم زين العابدين بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر، تفاءل السوريون بالنتائج التي حققتها المظاهرات في كلا البلدين، وخرج العشرات في مظاهرات سلمية في مدينة درعا، في مارس/آذار 2011، احتجاجاً على البطالة، وتفشي الفساد، وغياب الحريات السياسية.

لكن سرعان ما تحولت تلك الاحتجاجات إلى أعمال عنف مع اعتقال قوات الأمن السورية عشرات المتظاهرين وتعذيبهم بشكل وحشي في السجون.

واتسعت رقعة المظاهرات لتشمل معظم المدن والبلدات السورية، وتغيرت الشعارات من “الشعب يريد إسقاط النظام” إلى “الشعب يريد رحيل الأسد ونظامه”، وشيئاً فشيئاً برزت الكتائب المسلحة للمعارضة بعد أن انشق كثيرون من أفراد الجيش وأجهزة الأمن، فما الذي تغير منذ ذلك الحين؟

ملايين النازحين واللاجئين

شهدت البلاد موجات نزوح وهجرات لمئات آلاف من السوريين وخاصة بين أعوام 2014 و2017 من مناطقهم باتجاه مناطق أخرى أكثر أماناً في سوريا أو إلى البلدان المجاورة مع احتدام المعارك.

ووصل عدد اللاجئين السوريين حتى يونيو/حزيران 2020، إلى 6.6 مليون شخص بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، عدا عن النازحين داخلياً الذين وصل عددهم إلى 6.1 مليون شخص.

وقالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن أكثر من 12 مليون شخص داخل سوريا بحاجة إلى مساعدات، 5.2 مليون منهم بحاجة ماسة للمساعدات الإنسانية.

مئات الآلاف القتلى

لا تتوفر بيانات دقيقة عن عدد ضحايا الصراع في سوريا حتى الآن، فقد أشارت تقديرات للأمم المتحدة إلى أن عددهم يصل إلى 400 ألف شخص منذ بدء الصراع في عام 2011، لكن المركز السوري للأبحاث السياسية قدر عددهم بحوالي 470 ألف شخص وإصابة 1.9 مليون شخص بجروح (أي أن ما مجموعه 11.5 في المئة من مجموع السكان إما أصيبوا أو قتلوا).

وقالت الأمم المتحدة إن حوالي 12 مليون سوري فقدوا منازلهم وأصبحوا في عداد المشردين، بينهم خمسة ملايين شخص أغلبهم من النساء والأطفال فروا إلى خارج البلاد. وكان عدد سكان سوريا في عام 2010 أكثر من 23 مليون نسمة وفقاً للأمم المتحدة.

وأشار تقرير أممي إلى أن توفير المساعدات الإنسانية لحوالي 13.5 مليون شخص في سوريا يحتاج إلى 3.2 مليار دولار سنوياً.

بداية الحرب

وصف الرئيس بشار الأسد المجموعات المعارضة التي حملت السلاح بـ “الإرهابيين الممولين من قوى خارجية”، وتعهد بـ “سحقهم” في أقرب وقت وعملت قواته على ذلك الأساس.

لكن تهديداته لم تردع المعارضين بل زادت ضراوة الحرب مع تدفق آلاف المقاتلين الأجانب إلى سوريا من جميع أنحاء العالم، وتأسست عشرات الكتائب والألوية والفصائل والجبهات التي كانت تتلقى التمويل من جهات خارجية مختلفة والتي عملت بشكل مستقل عن المعارضة السياسية المعتدلة.

وكانت كبريات هذه الفصائل ذات توجهات إسلامية متشددة أو سلفية أو جهادية.

واستولت الفصائل المعارضة على مناطق ومدن عديدة في سوريا من بينها معظم أجزاء مدينة حلب، العاصمة الاقتصادية لسوريا وثاني أكبر مدن البلاد.

مقابل تقدم المعارضة وسيطرتها على على أكثر من نصف مساحة البلاد، زادت إيران والأطراف التي تدور في فلكلها من دعمها للحكومة السورية، لكنها فشلت في قلب موازين القوى على الأرض.

وبدأ التدخل الروسي العسكري في الصراع السوري في خريف عام 2015 وسرعان ما توقف تقدم المعارضة بسبب الغارات الجوية المدمرة للطيران الروسي على مناطق المعارضة.

وجاء التدخل الروسي في أعقاب تحالف الولايات المتحدة مع المقاتلين الأكراد في شمال سوريا، في مواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية” الذي كان يسيطر على مساحات شاسعة من العراق وسوريا.

فوضى في الأهداف والمطالب

تحول الصراع من المطالبة بالاصلاحات والقضاء على الفساد والبطالة، إلى صراع طائفي مع أسلمة الفصائل المعارضة والتفاف الطائفة العلوية والغالبية العظمى من الطوائف الأخرى حول نظام الأسد.

وتراجعت قوة المعارضة المعتدلة بظهور الجماعات الإسلامية المتشددة مثل جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام حالياً) وتنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية الذي أعلن عن إقامة الخلافة الإسلامية في سوريا والعراق.

وشكل الأكراد قوات سوريا الديمقراطية التي تضم الكرد والعرب والآشوريين التي تسيطر على شمال شرقي سوريا حالياً، بعد أن ألحقت الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية بمساعدة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، واستعادت الأراضي التي كان يسيطر عليها التنظيم في سوريا.

وفي أوائل عام 2018 احتل الجيش التركي بمساعدة عشرات آلاف من مقاتلي المعارضة منطقة عفرين الكردية وتسببت العملية بتهجير ما يزيد عن 200 ألف من أبناء المنطقة واستيلاء جماعات المعارضة المتعددة على ممتلكات وبيوت المهجّرين.

وكانت تركيا قد احتلت قبل ذلك منطقتي الباب وجرابلس وطردت منهما تنظيم الدولة الاسلامية بمساعدة مقاتلي المعارضة.

وفي عام 2019 شنت القوات التركية عملية عسكرية جديدة إلى جانب مقاتلي المعارضة في شمالي سوريا واحتلت مساحات كبيرة من الأراضي السورية التي كانت تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.

وتسببت العملية التي أطلقت عليها تركيا إسم “نبع السلام” بتهجير نحو 200 ألف شخص إضافي، معظمهم من الأكراد والآشوريين.

اتفاقات وانتهاكات وخلافات

وعلى الرغم من عقد عشرات المؤتمرات والاجتماعات والاتفاقات والهدنات، إلا أن ما شهدته سوريا على مدار السنوات العشر الماضية أظهر أن “الفظائع وانتهاكات حقوق الإنسان هي القاعدة وليست الاستثناء” حسب ما جاء في تقرير هيومن رايتس ووتش عام 2019.

وقد فشلت حتى الآن كل المساعي والجهود والمبادرات الدبلوماسية في إنهاء المأساة السورية.

ورغم هدوء جبهات القتال واستقرارها نوعاً ما مؤخراً، إلا أن السوريين اليوم يواجهون عدواً أكثر شراسة وفظاعة وهو الفقر المدقع وانعدام مقومات الحياة اليومية، إذ يعز على السوري اليوم رغيف الخبر مع انحدار مستوى المعيشة وبلوغ نسبة الفقر 90 % . فالمدافع والدبابات لا تسد رمق الجياع ولا تملأ البطون الخاوية.

تدمير التراث والآثار

وأدت الحرب في سوريا إلى تدمير 290 موقع أثري، وحدوث تصدعات في أكثر من 100 موقع آخر، ومحو 24 موقع بالكامل.

وقد تعرضت خمسة من مواقع التراث العالمي الستة في سوريا التي تشرف عليها اليونسكو لأضرار بليغة.

ومن بين هذه المواقع: مدينة حلب القديمة وقلعة الحصن في حمص إضافة إلى نهب عشرات المواقع الأثرية والعبث بها كما حصل في تدمر وموقعي النبي هوري وتلة عين دارا في عفرين .

وأدت الحرب إلى إحداث شروخ عميقة في نسيج المجتمع السوري حتى بين الأقرباء والأصدقاء أو ضمن الأسرة الواحدة، بين موالين أو معارضين للحكومة، وكلما طالت فترة الحرب، زاد عمق الانقسام داخل المجتمع.

متى تنتهي الحرب في سوريا؟

لا تلوح في الأفق بوادر حل للأزمة السورية بسبب تضارب مصالح الدول والأطراف الإقليمية والدولية التي تتمتع بنفوذ عسكري وسياسي كبير في سوريا، بعد أن باتت هذه الأطراف تتصرف نيابة عن السوريين.

بي بي سي