أمهمة مستحيلة هي؟ الوساطة الأممية في ليبيا وسورية واليمن

بقلم: موريل اسيبورج ، فولفرام لاُخر، مارياكه ترانسفيلد (موقع المؤسسة الألمانية للعلوم والسياسة، ترجمة: هاشم حزام-سبأ)-

مازالت الحروب الأهلية في ليبيا وسوريا واليمن عصية أمام محاولات الوساطة للأمم المتحدة لحلها. وفي سبيل إيجاد فرص أكثر لنجاح نقاط التفاوض على ألمانيا أن تسعى لإبقاء الوسيط الأممي محايدا وتوفير محادثات شاملة بما في ذلك تلك المحادثات الهادفة إلى إيجاد توازن في مصالح القوى العظمى والقوى الإقليمية. إن الحلول المتفاوض عليها في الحروب الأهلية ليست فقط صعبة التحقيق ولكنها أيضا هشة. حيث اثبتت أكبر مناطق الصراع في الوقت الراهن في العالم العربي: سوريا ليبيا واليمن مدى الصعوبة التي يواجهها الوسطاء الدوليون في سبيل تحقيق السلام.

في الصراعات الثلاث تلك تحاول الأمم المتحدة التوسط من أجل إبرام اتقاقيات تقاسم السلطه. إلا أن الأمم المتحده لم تفلح في إنهاء الصراعات تلك أو فرض اتفاقيات لحماية المدنيين: ليبيا أصبحت متشظية سياسيا رغم إبرام اتفاقية تقاسم السلطة، وفي اليمن هناك تعثر في إيجاد اتفاقية تنهي الصراع، أما في سورية فالحديث مازال بعيدا جدا في انعقاد مباحثات تقسيم السلطة.  فكيف ياترى يمكن تفسير هذه الصعوبات وما الذي يمكن للحكومة الاتحادية فعله لإعطاء جهود وساطة الأمم المتحدة فرص نجاح أكبر؟

القوى العظمى والإقليمية تغذي الصراعات:

تبين الحالات الثلاث أن التباينات الجيو-سياسية في المنطقة تصعب من حلحلة الصراعات.  فالفوضى المتعددة الأقطاب تعمل على تدويل الحروب الأهلية. وطالما كانت مواقف أطراف الصراع أكثر حدة  فإن اعتمادهم على الحل العسكري هو أقرب من الحل السياسي.  التحالف الخارجي أيضا يلعب دورا في تأجيج الصراع حتى لو أرادوا (مثل الولايات المتحدة في سورية) اللجوء لطاولة المفاوضات فعلياً. إضافة إلى ذلك هناك تدخلات مباشرة من قبل القوى الإقليمية في تلك الصراعات الثلاثة: تدخلات إيرانية، تركية وإسرائيلة في سورية، تدخلات عسكرية سعودية وإماراتية في اليمن؛ تدخلات مصرية وإماراتية في ليبيا.

وهكذا تحولت الصراعات إلى حروب معقدة بالوكالة، صاحب ذلك وجود مكونات وجناحات متشظية مشاركة في الصراع:

ففي جميع الحالات الثلاث، توجد نزاعات متعددة الأقطاب. فالتحالف المتغير باستمرار يعيق من إيجاد حالة جمود للصراع و تتغير أطراف الصراع المحلية بقوة في سياق الصراعات الدامية- على سبيل المثال الانقسام المتعدد للقوى المحلية أو التحول إلى كيان أكثر تطرفا. والنتيجة لذلك فإن أطراف الحرب الأصلية لم تعد آبهة كثيرا بالمحادثات التي تديرها الأمم المتحدة فضلا عن أن تلك المحادثات أصبحت هامشية.

غياب نفوذ الوسطاء الأممين:

هناك سبب آخر لفشل الوسطاء الأمميون والمتمثل في محدودية قدراتهم في اتخاذ اجراءات قهرية، مثل الاعتماد على عقوبات ضد الأطراف المتنازعة وذلك كون مجلس الأمن منقسم فيما بينه أو لأن العقوبات لا تنفذ بشكل صارم.  وهذا ما اتاح لمصر والإمارات تجاهل قرار مجلس الأمن حول حظر بيع الأسلحة الى ليبيا.  دول الاتحاد الأوروبي ايضا تنتهك بشكل متكرر العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وتحديدا ضد ممثلي النظام السوري. على سبيل المثال استقبلت ايطاليا مطلع عام 2018 رئيس الاستخبارات السورية الجنرال علي مملوك رغم حظره من السفر الى دول الاتحاد الأوروبي.

نقاط ضعف في نهج الوساطه:

يتحرك الوسطاء الأمميون في محيط صعب جداً غير أن هناك أيضا نقاط ضعف ساهمت في فشل جهودهم.  في جميع الحالات الثلاث استبعدت المفاوضات أطرافًا فاعلة مهمة في النزاع: ففي سورية، استبعد حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يسيطر الآن على ربع الأرض السورية وفي ليبيا بالكاد تم إشراك الجماعات المسلحة الكثيرة في المحادثات أما في اليمن فقد تم استبعاد الحوثيين والحراك الجنوبي من اتفاقية تقاسم السلطة. بالإضافة إلى ذلك تمسك الوسطاء الأمميون في ليبيا واليمن بحكومات الوحدة الوطنية حتى وإن لم يعد لتلك الحكومات التمثيل الفعلي لوحدة وطنية وأصبحوا طرافاً في الصراع وفقدوا حياديتهم.

في الثلاث الحالات تلك سرعان ما أصبحت الأهداف الشرعية الدولية عتيقة بسبب التطورات العسكرية، غير أنها ما زالت تحمل تفويض للوسطاء الأمميين: في سورية كان الهدف تقاسم السلطة والتحول السياسي رغم خسارة المتمردين الحرب الأهلية منذ فترة. في ليبيا تمسك المبعوث الخاص للأمم المتحدة لفترة طويلة بالأطر العامة للمحادثات على قاعدة البرلمانين الليبيين رغم أن هؤلاء النواب كانوا عاجزين عن القيام بدورهم النيابي ولم يعودوا يمثلون الأطراف الفعلية في الصراع. في اليمن أصرت بعثة الأمم المتحدة على شرعية رئاسة عبد ربه منصور هادي رغم أن هادي لا يتمتع بقاعدة شعبية في اليمن. لذلك فان فرص تسوية الصراعات تتضائل شيئا فشيئا في إطار النهج الذي يتبعه الوسطاء الأمميون.

ثلاثة مفاتيح بيد ألمانيا:

إن خلاصة هذا السرد أعلاه لا يمكن أن يعني أن نتخلى عن محاولات التوسط مستقبلا في الصراعات المعقدة المماثلة تلك. فالمجتمع العالمي ملتزم بالتدخل والقيام بعمل ما. فكيف يمكن إذأ لألمانيا المساهمة في إضفاء فاعلية أكبر للوساطة الدولية حتى لو كانت فرص نجاحها ضئيلة بالنظر الى الظروف المناخية؟

هناك ثلاثة مفاتيح رئيسية يمكن للحكومة الفيدرالية إداراتها من خلال عضويتها في مجلس الأمن:

اولا: على مجلس الأمن أن لا يحصر تفويضه فقط في الوساطة بين أطراف الحروب الأهلية بل على المفوض الأممي أن يتبنى أيضا محادثات تسمح في إيجاد توازن بين القوى المعنية أو أن تهدف على الأقل إلى توفير مناخات للتفاوض حول الأطر والمبادئ الرئيسية في حل الصراعات.

ثانيا: يجب إيجاد اتفاقيات شاملة لتقاسم السلطة: ضم جميع الممثلين المهمين للأطراف المتحاربة وإيجاد محفزات كافية لضمان التزامهم بالاتفاقات المبرمة. وانطلاقا من هذا المفهوم على برلين السعي في إيجاد إجماع في مجلس الأمن يحظى بدعم الدول الدائمة العضوية للتعامل الصارم والثابت تجاه أي قوى اقليمية.

ثالثا: على الوسطاء الأممين تجنب الانجياز إلى جانب حكومات الوحدة الوطنية المخالفة لاتفاقيات تقاسم السلطة في حال تحولها الى طرف في الصراع أو تعمل على تقويض الاتفاقيات وإذكاء الصراعات.

الدعم من خلال الدبلوماسية الثنائية والمتعددة الاطراف:

وعلى صعيد الاتحاد الأوروبي على جمهورية ألمانيا أن تمنع أي عضو في الاتحاد الأوروبي من تقويض مساعي الوساطة–تحديدا من خلال تجاهل العقوبات أو التعاون المباشر مع أطراف الصراع المتعالين على أي تسوية سياسية للصراع. وهذا ينبطق على سبيل المثال على دعم بعض الدول الغربية لزعيم الحرب الليبي خليفه حفتر وكذلك الدعم لشحنات الأسلحة غير المشروطة للمملكة العربية السعودية أو لتركيا. وعلى الحكومة الاتحادية وشركائها الأوروبيين بدلا من ذلك استخدام نفوذهم لدعم مسارات التسوية المتفاوض عليها. فالعقوبات تعتبر أداة مهمة في ذلك. زد على ذلك ينبغي على الحكومة الفيدرالية السعي في مجلس الأمن وخارجه لمنح الوسطاء الأمميين الحرية الضرورية في التصرف ووضع الأطر الزمنية اللازمة للمباحثات. في الوقت الحالي تعرض فرنسا عمل المبعوث الخاص للأمم المتحدة للخطر من خلال مبادرة الوساطة الأحادية الجانب والتي لا تحمل أي معنى إضافي في محتواها.

وطالما لا يسمح للوسطاء الأمميين في إيجاد توازن يشمل مصالح الجميع فعلى الحكومة الاتحادية أن ترمي بكل ثقلها من خلال محادثات ثنائية أو كتلك المحادثات التي يجريها الاتحاد الأوروبي، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا والمملكة المتحدة البريطانية (EU/E4) مع إيران حول اليمن وذلك في سبيل منع أي تصعيد للصراع وإيجاد مبادئ لتسوية الصراعات وحماية القانون الدولي في الحروب والتركيز على حماية المدنيين.