علي بومنجل: من هو المناضل الجزائري الذي أقرت فرنسا بقتله بعد 64 سنة؟
السياسية :
بعد حوالي 7 عقود من الإنكار، أقر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن المحامي والزعيم الوطني الجزائري، علي بومنجل “تعرض للتعذيب والقتل” على أيدي الجيش الفرنسي إبان الاستعمار، متراجعا بذلك عن رواية باريس القديمة بأنه انتحر.
ونقلت الإذاعة الجزائرية الخميس عن مصدر رسمي قوله إن “الجزائر سجلت بارتياح إعلان ماكرون وقراره تكريم المجاهد الشهيد علي بومنجل”.
#الجزائر تسجل بارتياح إعلان الرئيس الفرنسي عن تكريم المجاهد الشهيد #علي_بومنجل@TebbouneAmadjid @AlgPresidency https://t.co/irZMfxMA1U pic.twitter.com/X1pAmWCYtn
— الإذاعة الجزائرية (@radioalgerie_ar) March 4, 2021
وقد انقسم الجزائريون عبر مواقع التواصل بين مرحب ومنتقد للاعتراف الفرنسي وما تلاه من تصريحات لسياسيين ومسؤولين في بلادهم.
ماذا تعني هذه الخطوة لفرنسا وللجزائر؟
لم يخف بعض المعلقين الجزائريين ارتياحهم لتصريحات الرئيس الفرنسي، وعدوها “سابقة تاريخية ومبادرة جدية تدخل في إطار النيات الحسنة”.
كما حملت تصريحات ماكرون تفاؤلا لمجموعة من الجزائريين ممن يأملون في أن “ينظر البلدان إلى المستقبل ويفتحا آفاقا جديدة للحوار بخصوص الحقبة الاستعمارية”.
من جهة أخرى، شكك فريق آخر من المعلقين في نية فرنسا دخول مرحلة جديدة مع بلادهم، خاصة أنها ترفض الاعتذار الكامل عن تاريخها الاستعماري.
وتنوعت القراءات في تفسير الخطوة الفرنسية وأسباب تدرجها في الاعتراف بسجل “جرائمها خلال الاستعمار”.
كما تساءل كثيرون عن أهمية هذا الاعتراف وأبعاده وسر إعلانه الآن.
انا لا أفهم كيف تحتفظ دولة مثل فرنسا تدعي انها مركز التنوير في العالم بجماجم المجاهدين الجزائريين وتعرضها في متحف تباهيًا بتاريخها الدموي وفي القرن الواحد والعشرين اعتراف ماكرون باغتيال المجاهد بومنجل جاء متاخرا وبلا اي قيمة رحم الله كل الأبطال الشهداء
— عبد الباري عطوان (@abdelbariatwan) March 4, 2021
ويرى نشطاء جزائريون أن الحكومة الفرنسية لا تزال “تتصرف بفوقية وتتعامل مع سجلها الاستعماري كأنها قضايا فردية أو عائلية بدلا من الإقرار بأنها سياسة ممنهجة قتلت وعذبت الآلاف”.
وعاب جزائريون “صمت حكومتهم على طريقة الاعتراف الفرنسية”.
ويقول محللون جزائريون إن التعامل الرسمي مع تصريحات ماكرون يعطي انطباعا بأن الجزائر “توافق على الاكتفاء بخطوات رمزية”.
كما انتقد آخرون موافقة أحفاد المناضل علي بومنجل على لقاء الرئيس الفرنسي.
ما قام به #صبي_فرنسا مع عائلة المناضل #علي_بومنجل هو ممارسة صبيانية، من رئيس غِرّ ، فإذا أراد الاعتراف فعليه ان يعترف رأسا بكل جرائم بلاده الاستدمارية في حق كل الجزائريين#تاريخ_الجزائر_كلٌ_لا_يتجزّأ
— أبا عبد الله الجزائر (@rahmoun_younes) March 4, 2021
يعترف ماكرون بتعذيب و قتل الجيش الفرنسي للمحامي و المناضل الجزائري علي بومنجل سنة 1957 نافيا الرواية القديمة التي تقول ان الشهيد انتحر بعد فترة وجيزة من اختطافه، و السؤال المطروح الى متى يظل سكوت الساسة عندنا يخيم على الجرائم الكثيرة في حق ?? ؟#مقاطعه_المنتجات_الفرنسيه128
— Aljazairi (@Aljazairi13) March 4, 2021
وكانت الرئاسة الفرنسية قد ذكرت في بيان أن ماكرون استقبل بنفسه أحفاد بومنجل في قصر الإليزيه ليخبرهم أنه “لم ينتحر، بل تعرض للتعذيب ثم القتل”.
وأكد الرئيس الفرنسي أن هذه الخطوة “ليست عملا منعزلا”، مضيفا أنه “لا يمكن التسامح أو التغطية على أي جريمة ارتكبت في تلك الفترة (الاستعمار)”.
لكن كثيرا من الجزائريين ينظرون إلى تلك الخطوة على أنها “مناورة للتحايل على ذاكرتهم ومحاولة منقوصة لا ترجع حق بومنجيل وغيره من المناضلين” وفق تعبيرهم.
في هذا الإطار قالت ابنة أخ بومنجل، الحقوقية فضيلة شيتور: "لقد انتصرنا في الحرب، ولسنا طلاب اعتذار، على الفرنسيين الفخورين والمقتنعين بإنسانية وحضارة وعظمة أمتهم أن يطلبوا من فرنسا الاعتذار للجزائر".
— باشطاق الأزرق (@AhmedEishra) March 4, 2021
من هو علي بومنجل؟
يحظى علي بومنجل بمكانة كبيرة ورمزية خاصة ضمن قيادات ثورة التحرير الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي.
ولا تزال صوره تزين مواكب المتظاهرين الشباب خلال الحراك الشعبي الذي تشهده الجزائر منذ عامين.
فهو مناضل سياسي ومحام عُرف بدفاعه المستميت عن أبناء بلاده.
ويصفه المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا بأنه “رجل ذو شجاعة استثنائية”.
ولد بومنجل عام 1919، في كنف أسرة ثورية ومثقفة، ودرس الحقوق واقتحم عالم السياسة في سن مبكر.
فقد كان عضوا في حزب الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري، الذي أُسسه فرحات عباس، أول رئيس للحكومة الموقتة للجمهورية الجزائرية، سنة 1946.
كما كان من أوائل من التحقوا بـ”جبهة التحرير الوطنية”.
وإضافة لعمله كمحام، عمل بومنجل صحفيا في جريدة المساواة الناطقة بالفرنسية.
كما لعب دورا هاما في التعريف بقضية بلاده في الداخل والخارج.
واعتقل بومنجل خلال “معركة الجزائر” سنة 1957، ليتعرض للتعذيب المتواصل على يد فرقة الجنرال الفرنسي بول أوساريس.
وفي 23 مارس/آذار من نفس العام، أخبرت فرنسا عائلته بأنه “انتحر، إلا أن عائلته ورفاقه أصروا على أنه تعرض للاغتيال بعد رميه من الطابق السادس لإحدى البنايات”.
وبعد مرور 43 عاما، ظهرت الحقيقة من خلال مذكرات أوساريس عام 2000، وأقر بها قصر الإليزيه بعد ما يقارب 64 عاما من الإنكار.
ادعت بأنه انتحر، وبعد 64 عامًا ها هي #فرنسا تعترف باغتيال الزعيم الجزائري #علي_بومنجل… #ماكرون استقبل أحفاد الشهيد ودحض الرواية السابقة مقراً بمسؤولية فرنسا#الجزائر
pic.twitter.com/jgTSJ7B7pH— Wejdene Bouabdallah (@tounsiahourra) March 4, 2021
لماذا الآن؟ وهل تنهي أزمة الذاكرة؟
ويأتي اعتراف ماكرون بما حصل لبومنجل، عقب أيام من تصريحات تلفزيونية لنظيره الجزائري عبدالمجيد تبون.
ووصف تبون العلاقات الجزائرية الفرنسية حاليا بـ”الطيبة”، إلا أنه أكد أنها لن تكون على حساب التاريخ والذاكرة.
ويسعى ماكرون إلى التهدئة والمصالحة لإخراج العلاقات الجزائرية الفرنسية من الحقبة المؤلمة المرتبطة بالاحتلال.
وقد سبق أن كلف قصر الإليزيه المؤرخ الفرنسي بناجمين ستورا بإعداد تقرير لمعالجة ملف استعمار الجزائر.
The west is too obsessed with its colonial guilt France’s Stora report on the country’s occupation of Algeria shows that the colonised also need to face up to their past. In the Financial Times, February 24 2021 https://t.co/K2157Gechs
— benjamin stora (@b_stora) February 28, 2021
هذا موقف #الجزائر من إعتراف #فرنسا بتعديب وقتل المحامي و #الشهيد_علي_بومنجلhttps://t.co/jdMv0BPFsy
— Ennahar Tv النهار (@ennaharonline) March 4, 2021
واستند التقرير، الذي فرغ من إعداده ستورا قبل أكثر من شهر، على عدة توصيات أهمها تشكيل لجنة في فرنسا، والتعاون مع الجزائر لمناقشة قضايا الذاكرة، إضافة لنشر تقرير عن المفقودين خلال الحرب الجزائرية.
ولم يقترح التقرير تقديم اعتذار للجزائر عن “جرائم الاستعمار”، بيد أنه عرض عدة مقترحات أخرى، كإعادة رفات بعض المنضالين الجزائريين إلى بلادهم، وفتح المزيد من ملفات الأرشيف.
وقد استعادت الجزائر قبل عام نحو 24 جمجمة تعود إلى ثوار جزائريين، كان متحف الإنسان في باريس يحتفظ بها.
وبينما يرفض شق من الفرنسيين فكرة اعتذار بلادهم وينتقدون توجهات ماكرون الأخيرة، يرحب آخرون بها ويرونها خطوة جيدة للمضيّ قدما على طريق ترميم العلاقات بين البلدين.
أما الجزائريون فيطالبون فرنسا بالاعتذار الكامل، وبتعويض ضحايا التجارب النووية التي أجرتها فرنسا في صحراء بلادهم.
كما يطالبون باسترجاع أرشيفهم المهرب والآثار التي من بينها مدفع بابا مرزوق، الذي يعتبرونه رمزا للمقاومة والصمود.
وباءت محاولات عديدة لنواب جزائريين لسن قانون لتجريم الاستعمار بالفشل. وكان آخرها محاولة في يناير من سنة 2020.
وفي الوقت الذي يصر فيه البعض على تمرير ذلك القانون، يرى آخرون أن تجريمه “لا يحتاج قانونا لأن الشعب الجزائري جرمه منذ زمن”.
وينادي البعض بإيجاد طرق أخرى “لإجبار فرنسا على الاعتذار”، وبإنهاء الهيمنة الثقافية واللغوية.
كم بومنجل غير علي تمت التغطية على جريمته يا ترى ??#علي_بومنجل #بومنجل https://t.co/dI8qJZyLyE
— Elamin Elsadig (@alameen_911) March 5, 2021
وقد دام الاستعمار الفرنسي للجزائر أكثر من 130 عاما.
ويقول مؤرخون إن تلك الفترة أودت بحياة أكثر من 5 ملايين شخص، بينها مليون ونصف فقط خلال ثورة التحرير بين 1954 و1962، إلى جانب آلاف المفقودين، وضحايا إشعاعات تجارب نووية.
* المصدر : بي بي سي عربي
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع