محكمة الجنايات الدولية تنتصر لفلسطين
السياسية – تقرير : محمد الطوقي
متجاوزة عوامل الضغوط الصهيونية والأمريكية المختلفة، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي الجمعة قرارا ينص بأن لها ولاية قضائية على الأراضي الفلسطينية ليزيح بذلك أخر العوائق أمام ملاحقة دولية لقادة الكيان الصهيوني جنائيا وقضائيا وربما إصدار أوامر اعتقال سرية لهم وتحويلهم إلى المحاكمة لارتكابهم جرائم حرب بحق الشعب الفلسطيني.
وقررت الدائرة التمهيدية الأولى في المحكمة الجنائية الدولية، وقوع الأراضي الفلسطينية ضمن اختصاصها القضائي، ما يمهّد الطريق لمدعيتها العامة أن تفتح تحقيقات بشأن ارتكاب جرائم حرب في تلك المناطق.
وأفاد بيان صادر عن المحكمة بأن قرارها الصادر بالأغلبية، يؤكد أن اختصاصها القضائي الإقليمي في ما يتعلق بالوضع في فلسطين، الدولة المنضوية في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، يمتد إلى الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967، وهي غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية.
ويشكل قرار محكمة الجنايات الدولية إقراراً للخلاصات التي توصلت إليها المدعية العامة للمحكمة، فاتو بنسودا، ومفادها المركزي توفر الأساس القانوني لإجراء التحقيق في جرائم حرب إسرائيلية ارتُكبت في الأراضي الفلسطينية.
ويسمح هذا القرار للمحكمة الجنائية بالبحث في كافة القضايا المرفوعة لها من قبل أبناء الشعب الفلسطيني ضد كل جرائم الحرب، التي ارتكبتها القيادات السياسية والعسكرية والأمنية الصهيونية خلال الأعوام المنصرمة والقادمة.
وأبرز القضايا المطروحة على جدول أعمال الجنائية الدولية القتل العمد وبدم بارد للمواطنين الفلسطينيين العزل، وقضايا أسرى الحرية في باستيلات العدو الصهيوني، والاستيطان الاستعماري في العاصمة الفلسطينية، القدس وكافة محافظات ومدن الضفة الغربية وكلها موثقة لدى الفلسطينيين ولدى المحكمة.
محللون سياسيون أكدوا أن قرار المحكمة الأخير يعتبر نقطة تحول على مستوى القضاء الدولي في التعامل مع جرائم الكيان الصهيوني التي تصر الولايات المتحدة الأمريكية على توفير الحماية له بصرف النظر عن طبيعة الجرائم، التي يمارسها على الأرض ضد المواطنين الفلسطينيين.
ويعتقد المحللون باحتمال أن يباشر الكيان الصهيوني بالتنسيق مع الولايات المتحدة إلى شن حرب شعواء شرسة ضد المحكمة الجنائية الدولية، في مركزها تشويه صورة المحكمة ونزع شرعيتها ومن غير المستبعد أن تذهب نحو فرض عقوبات على المسؤولين فيها.
وهو ما كشفه موقع “أكسيوس” الأمريكي من أن الكيان الصهيوني طلب من عشرات الدول الحليفة له الضغط على المحكمة الجنائية الدولية ومدعيتها العامة فاتو بنسودا، لحثها على عدم المضي قدماً بفتح التحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبتها تل أبيب في الأراضي الفلسطينية التي تحتلها منذ عام 1967.
ونقل الموقع عن مسؤولين إسرائيليين أن وزارة خارجية الكيان الصهيوني بعثت، “برقية سرية” إلى سفرائها في عشرات الدول، تتضمن تعليمات للبدء بجهود دبلوماسية للضغط ضد التحقيق في جرائم الحرب داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقال أحد المسؤولين لـ”أكسيوس” إن البرقية، التي كانت موسومة بـ”عاجل جداً”، تم إرفاقها أيضاً بتعليمات الحفاظ على سريتها.
وطُلب في البرقية من سفراء الكيان الصهيوني التواصل مع وزراء خارجية ورؤساء حكومات البلدان التي يوجدون فيها، ومطالبتهم بإصدار تصريحات رسمية تعارض رغبة المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية في فتح التحقيق.
يشار الى أن صلاحيات المحكمة الجنائية الدولية مختصة بملاحقة الأشخاص المتهمين بارتكاب إبادات أو جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب ارتكبت بعد 1 يوليو 2002، تاريخ دخول معاهدة تأسيسها حيز التنفيذ. فيما تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي رفض قرار المحكمة الجنائية الدولية اعتبار الأراضي الفلسطينية ضمن صلاحيات المحكمة.
وفي السياق، ذكرت صحيفة “هاآرتس” الإسرائيلية أن سلطات الاحتلال الإسرائيلية تقوم بتجهيز لائحة سرية تضم بين 200 و300 مسؤول سياسي وعسكري يمكن أن تشملهم ملاحقات المحكمة الجنائية.
ومن بين هؤلاء بنيامين نتانياهو، ووزراء سابقين مثل موشيه يعالون وأفيغدور ليبرمان ونفتالي بينيت. كما أن اسم بيني غانتس الخصم السياسي الأبرز لنتانياهو وارد على هذه القائمة.
إلى ذلك، قالت وزارة الخارجية الفلسطينية في بيان إن قرار قضاة المحكمة الجنائية الدولية بأن لهم ولاية قضائية على الأراضي الفلسطينية “يوم تاريخي لمبدأ المساءلة”. وأكدت الوزارة أنها مستعدة للتعاون مع المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية في حال فتح تحقيق.
ووصف منظمة هيومن رايتس ووتش القرار بأنه “بالغ الأهمية”، وقالت بلقيس جراح مستشارة برنامج العدالة الدولية بالمنظمة إن القرار “يقدم أخيرا بعض الأمل الحقيقي في العدالة لضحايا جرائم خطيرة بعد نصف قرن من الإفلات من العقاب”.