السياسية:

أعلن المغرب، 10 ديسمبر/كانون الأول الجاري، اعتزامه استئناف الاتصالات الرسمية والعلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل “في أقرب الآجال”. إذ جاء هذا الإعلان خلال اتصال هاتفي أجراه ملك المغرب، محمد السادس، مع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وفق بيان للديوان الملكي، وذلك بالتزامن مع إعلان ترامب، عبر “تويتر”، عن اتفاق لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والمغرب. لكن الرباط تعتبره استئنافاً للعلاقات، وليس تطبيعاً.

تلك التطورات المتسارعة أعادت تسليط الضوء على تاريخ العلاقات المغربية الإسرائيلية، التي عرفت مداً وجزراً استمرا لنحو 6 عقود.

كيف بدأت العلاقات بين المغرب وإسرائيل؟

رسمياً، بدأت العلاقات بين المغرب وإسرائيل عام 1994 على مستوى منخفض، ثم جمدتها الرباط، في 2000، إثر اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية (انتفاضة الأقصى).

لكن قبل الاعتراف الرسمي، تمتد العلاقات بين البلدين إلى عقود أطول شهدت هجرات ليهود مغاربة إلى إسرائيل ولقاءات بين مسؤولين من البلدين شملت ملك المغرب ورئيس وزراء إسرائيل.

1- البداية والهجرة

تعود بداية العلاقات بين الرباط وتل أبيب إلى مطلع ستينيات القرن الماضي، وهي فترة يصفها مراقبون بـ”المثيرة للجدل”، في عهد الملك الراحل، الحسن الثاني.

وقال اليهودي الراحل، شيمعون ليفي، وكان يشغل منصب مدير المتحف اليهودي في مدينة الدار البيضاء شمالاً، إن اليهود المغاربة هاجروا إلى إسرائيل على دفعات، بدواعٍ متعددة.

يهود مغاربة على شاطئ جبل طارق عام 1961 أثناء عبورهم إسرائيل، أرشيفية/ ويكيميديا

وأضاف ليفي، لجريدة “المساء” المغربية (خاصة) عام 2009، أن “أول دفعة من اليهود المغاربة الذين هاجروا إلى إسرائيل، كانت سنة 1948، أي مباشرة بعد قيام الكيان الصهيوني. ويقدر عددهم بحوالي 90 ألف فرد كان معظمهم يزاولون حرفاً بسيطة، (وهاجروا) لدافع تحسين ظروفهم الاجتماعية”.

وتابع أن “الدفعة الثانية هاجرت بعد حصول المغرب على الاستقلال (1965)،  ومعظمم لم تكن لديهم رغبة في الهجرة، وتم تهجيرهم ربما بقرار من الدولة، نظراً للصراع السياسي الذي ميز تلك المرحلة من تاريخ المغرب”.

وأفاد ليفي بأن “أكبر محطة في تاريخ هجرة اليهود المغاربة إلى إسرائيل هي تلك التي وقعت سنة 1967، أي بعد انتصار إسرائيل على العرب في ما تُعرف بـ”حرب الستة أيام”.

وفي 22 يوليو/تموز 1986، استقبل العاهل المغربي آنذاك، الحسن الثاني، رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها، شيمون بيريز، في مدينة إفران (شمال)، ثم التقاه في العاصمة الرباط. وأثار استقبال بيريز ردود أفعال مستنكرة، خاصة من طرف قوى سياسية مغربية وجامعة الدول العربية.

تميزت سنة 1994 بتطور كبير، ففي الأول من سبتمبر/أيلول، تم افتتاح مكتب اتصال إسرائيلي في الرباط، ليؤرخ ذلك اليوم لاعتراف مغربي ضمني بإسرائيل. وبعد عامين، فتح المغرب مكتب اتصال له في إسرائيل.

وأرجع المغرب حينها إقامة تلك العلاقات إلى “الرغبة في دعم لغة الحوار والتفاهم، بدل لغة القوة والغطرسة، للتوصل إلى السلام العادل والشامل”.

وأصدرت إسرائيل طابعاً بريداً حمل صورة الملك الحسن الثاني، بعد وفاته سنة 1999. فيما بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين، عام 1999، حوالي 50 مليون دولار، وزار المغرب في ذلك العام نحو 50 ألف إسرائيلي، وفق مكتب الاتصال الإسرائيلي في المملكة.

وفي 12 مايو/أيار 2000، زار وفد عسكري إسرائيلي، يضم 25 خبيراً من سلاح الجو، المناطق الجنوبية للمغرب. وفي 22 سبتمبر/أيلول من العام نفسه، زار المغرب رجال أعمال إسرائيلوين، يمثلون 24 شركة متخصصة في التقنيات الزراعية، بدعوة من غرفة التجارة والصناعة والخدمات (حكومية) في الدار البيضاء.

3- إغلاق المغرب لمكاتب الاتصال مع إسرائيل

في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2000، أعلنت الرباط إغلاق مكتب الاتصال المغربي في إسرائيل، والمكتب الإسرائيلي في الرباط، رداً على القمع الإسرائيلي للانتفاضة الفلسطينية الثانية، وإعلان الحكومة الإسرائيلية وقف عملية السلام مع الجانب الفلسطيني.

وفي 1 و2 سبتمبر/أيلول 2003، زار وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك، سيلفان شالوم، المغرب، والتقى الملك محمد السادس. في 4 يوليو/تموز 2007، التقت وزيرة الخارجية الإسرائيلية حينها، تسيبي ليفني، نظيرها المغربي، محمد بن عيسى، في باريس.

وفي 2008، شملت عملية تبادل للأسرى بين إسرائيل وجماعة “حزب الله” اللبنانية رفات ثلاثة شهداء مغاربة كانوا قد التحقوا بصفوف المقاومة الفلسطينية والعربية في عقدي السبعينيات والثمانينيات.

أما في 4 سبتمبر/أيلول 2009، فبحثَ الملك محمد السادس مع رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها، أرييل شارون، عبر الهاتف، خارطة الطريق للسلام في الشرق الأوسط، ضمن جهود الرباط للتوصل إلى سلام عادل ونهائي، وفق وكالة الأنباء المغربية.

في فبراير/شباط 2019، قالت القناة “13” الإسرائيلية إن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، التقى سراً بوزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، في نيويورك، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. ولم يصدر تعقيب من الرباط.

وفي 28 أبريل/نيسان 2019، نشر حساب “إسرائيل بالعربية” (رسمي يتبع الحكومة)، على “تويتر”، صورة اجتماع الملك الحسن الثاني وبيريز، في الرباط عام 1986.

وفي 24 أغسطس/آب 2020، قال رئيس الوزراء المغربي، سعد الدين العثماني، إن “المغرب يرفض أي تطبيع مع “الكيان الصهيوني، لأن ذلك يعزز موقفه في مواصلة انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني”.

4- استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل

في 10 ديسمبر/كانون الأول الجاري، أعلن المغرب اعتزامه استئناف الاتصالات الرسمية والعلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل “في أقرب الآجال”.

وكشفت الرباط، في بيان الديوان الملكي، اعتزامها “تسهيل الرحلات الجوية المباشرة لنقل اليهود من أصل مغربي والسياح الإسرائيليين من وإلى المغرب”.

وتحدثت عن “تطوير علاقات مبتكرة في المجال الاقتصادي والتكنولوجي”، وأكدت “العمل على إعادة فتح مكاتب للاتصال في البلدين، كما كان عليه الشأن سابقا ولسنوات عديدة إلى غاية 2002”.

وأرجعت المملكة هذه الخطوات المرتقبة إلى “الروابط الخاصة التي تجمع الجالية اليهودية من أصل مغربي، بمن فيهم الموجودون في إسرائيل، بشخص العاهل المغربي”.

وفي اليوم نفسه، أعلن ترامب أن المغرب وإسرائيل اتفقا على تطبيع العلاقات بينهما، بوساطة أمريكية. كما أعلن اعتراف الولايات المتحدة، للمرة الأولى، بسيادة المغرب على أراضي الصحراء الغربية المتنازع عليها مع جبهة “البوليساريو”، وهي مدعومة من الجزائر وتسعى إلى إقامة دولة مستقلة.

وبإعلان المغرب استئناف علاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل، تصبح الدولة المغاربية الوحيدة التي تقيم علاقات مع إسرائيل، بعد أن قطعت موريتانيا علاقاتها مع تل أبيب في 2010. وبجانب المغرب وموريتانيا، تضم المنطقة المغاربية كلاً من الجزائر وتونس وليبيا.

ووقعت الإمارات والبحرين مع إسرائيل، في واشنطن منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، اتفاقيتين لتطبيع العلاقات، في خطوة خليجية غير مسبوقة. وبذلك، انضمت أبوظبي والمنامة إلى الأردن ومصر، اللتين ترتبطان باتفاقيتي سلام مع إسرائيل، منذ 1994 و1979 على الترتيب.

كما أعلن ترامب، في 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، اتفاق السودان وإسرائيل على تطبيع العلاقات بينهما. وأثار استئناف وتطبيع العلاقات مع تل أبيب غضباً شعبياً عربياً واسعاً، في ظل استمرار احتلال إسرائيل لأراضٍ عربية ورفضها قيام دولة فلسطينية مستقلة.

* موقع “عربي بوست”