حمزة أبو شنب*

يعيش الكيان الصهوني منذ عامين أزمةً سياسيةً نتج عنها إجراء انتخاباتٍ برلمانيةٍ ثلاث مرات، والآن؛ الانتخابات الرابعة تطرق أبوابه، وعلى الرغم من ذلك فإنّ الأجهزة الأمنية والاستخبارية الصهيونية تواصل صراعها على جبهات المقاومة المتعددة التي تستنزف قدراتها، وتُلزم القيادات العسكرية بالتفكير الدائم لوضع الرؤى والاستراتيجيات، وتخصيص الموازنات المرتفعة لمجابهتها، مع تصاعد فاعلية العمل المقاوم.

تحدّيات تواجه الكيان في وقتٍ يحقّق فيه زعيمه بنيامين نتنياهو إنجازاتٍ غير مسبوقةٍ على مسرح التطبيع العربي؛ بتوقيع العديد من اتفاقيات السلام. وأمام ما يحققه نتيناهو من اختراقاتٍ في جدار الحماية العربية لقضية فلسطين، يعيش العدو حالةً من الأرق نتيجة توسّع الجبهات التي تشكّل تهديداً حقيقياً له؛ سواءٌ كان وجودياً أو استراتيجياً.

ومع بداية كل عام، تشخّص الأجهزة المختصّة لدى العدو الصهيوني المهدّدات التي تواجهه، ويكثر الحديث الرسمي والتحليلي الإخباري عنها، وفي كلّ مرةٍ تتصدّر فصائل المقاومة والمحور الداعم لها سلّم المخاطر المحدقة به.

قد يختلف الترتيب بين عام وآخر، ولكن بالمجمل تُعتبر حركة المقاومة الإسلامية حماس ومعها فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، الجبهة الأكثر قابلية للاشتعال، كما تمثّل الضفة الغربية جبهةً خامدةً تحت الرماد، عوامل انفجارها حاضرةٌ في أي وقت.

أما الجبهة الشمالية بشقّيها اللبناني والسوري، فتُعتبر الأشد خطورةً، لما تشهده من تطوّراتٍ متلاحقة وتحدياتٍ متعددة، سواءٌ على صعيد حزب الله في لبنان، أو على صعيد العمل المقاوم في جبهة الجولان، كما يُعتبر التواجد الإيراني في سوريا ضمن المخاطر التي تحتّم ضرورة العمل العمليّاتي لقوات جيش العدو الصهيوني.

أما إيران، فتتصدّر أولوية العمل الاستخباري الصهيوني، فهي التهديد الوجودي بالنسبة للعدو على صعيد البرنامج النووي الإيراني أو تطوير منظومات الصواريخ، كما لا يتجاهل العدو نشاطها الداعم للمقاومة اللبنانية والفلسطينية، بالإضافة إلى استغلالها لعلاقاتها مع القوى العراقية واليمنية المؤيدة للمقاومة، عبر إنشاء منصات صواريخ تستهدف الكيان.

في هذا الإطار، نعمل على تسليط الضوء على السياسة الأمنية والعسكرية المتوقع أن يسلكها العدو في التعامل مع التهديدات والمخاطر الناتجة عن البرنامج النووي الإيراني والتواجد الإيراني في سوريا، فحسب رئيس الأركان الصهوني كوخافي فإنه خلال العام 2020 تمّ تنفيذ 500 عملية عسكرية واستخبارية في ست جبهات يعمل عليها جيش العدو.

إيران.. المخاطر المتشعّبة

يصنّف العدو الصهيوني الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالتهديد الحقيقي، وهذا التصنيف ليس بالجديد، بل هو مرتبطٌ بما أعلنته الثورة الإيرانية من مبادئ وأهداف منذ انتصارها في العام 1979، وما نتج عنها من استبدال السفارة الصهيونية بمقرٍّ لمنظمة التحرير، والعلاقات الخاصة بين الإمام الخميني والشهيد ياسر عرفات. ظلّ العدو يعتبر إيران من الداعمين الرئيسيين للمقاومة الفلسطينية حتى يومنا هذا.

لكن التحوّل الأكثر خطورةً بالنسبة للعدو الصهيوني هو ما رصدته وما حصلت عليه من معلوماتٍ وإشاراتٍ عن رغبة طهران العمل على تطوير مفاعل نووي في بداية عام 2003، وقد كلّف رئيس الوزراء الأسبق أرييل شارون جهاز الأمن الخارجي الموساد، بمتابعة الأمر ورصد مراحل بنائه وتطويره.

واليوم يوصّف العدو الصهوني المخاطر الإيرانية بالمتشعّبة على أكثر من جبهة، ويمكن إبرازها في التالي:

1. الملف النووي، فالأجهزة الاستخبارية الصهيونية تقدّر بأنه مع نهاية العام 2021، بإمكان إيران لو أرادت أن تمتلك القنبلة النووية. وبالرغم من العقوبات الأميركية المشدّدة المتّبعة في عهد ترامب، إلاّ أن إيران تجاوزت بعض بنود الاتفاق النووي بعد تخلّي الولايات المتحدة عنه، وواصلت التخصيب.

2. الأسلحة البالستية وتطويرها، فالعدو الصهوني يدرك بأن تطوير الصواريخ البالستية – والتي يوصفّها بالجوّالة – تمثّل تهديداً لها، وقد تعاظم خطرها بعد استهداف المنشآت النفطية السعودية وإصابتها بدقة.

3. التموضع الإيراني في سوريا، وهو التهديد الأكثر خطورةً بالنسبة للعدو الصهيوني على صعيد إيران، لما يمنح ذلك إيران من امتيازاتٍ من خلال تواجدها على الحدود الشمالية، وما يمثّله من بناء جبهةٍ موزايةٍ لجبهة حماس في غزة وحزب الله في لبنان.

4. تقديم الدعم المالي والمقدّرات العسكرية لقوى المقاومة الفلسطينية، وإن كان ذلك محدوداً خلال الفترة الماضية، كذلك الدعم الكبير لحزب الله اللبناني.

5. استثمار العلاقات مع القوى الداعمة والمؤيّدة للمقاومة، وتقديم الدعم العسكري خاصةً للحشد الشعبي في العراق، الذي عمل على نصب منصّاتٍ صاروخية تهدّد “إسرائيل”، كذلك الحال مع جماعة أنصار الله في اليمن.

واقع 2021

خلال الأيام المقبلة، سيتولى بايدن قيادة الولايات المتحدة الأميركية بدلاً من ترامب، وقد أعلن خلال برنامجه الانتخابي النيّة للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، ورفع العقوبات المتّخذة سابقاً من قبل سلفه ترامب، وهذا يمثّل إشكاليةً للعدو الصيهوني، وقد يُعتبر كابحاً للعمل ضد المخاطر الإيرانية وخاصةً المشروع النووي، نتيجةً للتفاهمات بين واشنطن وطهران.

فالعدو يدرك بأن الاتفاق قد يمنح طهران مساحةً للتراجع عن برنامجها النووي، خاصةً في ظلّ تحسّن وضعها الاقتصادي، غير أنّ التفاهم لن يشمل التهديدات الأخرى، لذلك ستعمل “إسرائيل” على الاستراتيجية المتّبعة خلال المرحلة الماضية ضد البرنامج النووي وهي:

1. سياسة استهداف العلماء والفاعلين في البرنامج النووي الإيراني بالاغتيال، بهدف تحييدهم وإضعاف القدرات الإيرانية النووية وإبطاء الإنتاجية، على غرار اغتيال 5 علماء كان آخرهم محسن فخري زاده.

2. الاستهداف السايبراني للمنشآت الإيرانية، وما ينتج عنه من تعطيلٍ، وقد نجح العدو سابقاً باستهدافٍ من هذا النوع.

3. الأعمال التخريبية المباشرة، من خلال استهداف المنشآت النووية من الداخل، كالذي جرى قبل أشهر في منشآت نطنز.

الخيار العسكري

تتعامل “إسرائيل” مع التهديدات المحيطة بها عبر مبدأين؛ الأول هو مبدأ بيغن من خلال الاستهداف المباشر والتهديد بالطائرات المقاتلة وتدمير الهدف والقضاء عليه، وهذا ما فعلته “إسرائيل” يوم قصفت مفاعل تموز العراقي عام 1981، كما استهدفت ما زعمت أنه مفاعلاً سورياً في دير الزور عام 2007، أما المبدأ الثاني هو مبدأ داغان، ويعتمد على العمل الاستخباري السري والاستهداف غير المباشر، والذي جرى التعامل فيه مع المشروع النووي الإيراني، فمن المرجح أن يتواصل بنفس المنهجية، خاصةً بأن رئيس الموساد الجديد الذي سيتولى منصبه في منتصف العام الجديد ينحدر من نفس مدرسة داغان.

صحيحٌ بأنّ “إسرائيل” درست سابقاً الخيار العسكري لاستهداف إيران في العام 2012 بصورة جدية، وكان وزير الدفاع الصهيوني إيهود باراك من أشد المتحمّسين له، فقد تحدث سابقاً بأن هذا الخيار وُضِع على الطاولة ثلاث مرات في 2010 و2011 و 2012 والأخيرة كانت الأكثر سخونةً، لكن القيادات العسكرية في الجيش وعلى رأسهم أشكينازي وقائد الموساد داغان ورئيس شعبة الاستخبارات كبحوا حماسة باراك والوزراء؛ وقد علّلت بعض المصادر ذلك بعدم كفاية القدرة العسكرية، رغم نفي العديد من المصادر العسكرية لهذا التبرير، إلا أنّه ثمة قناعة بأنها لا ترغب في اللّجوء إلى الاستهداف العسكري لوحدها، فهي تعي بأن النتائج لن تحقّق المطلوب، بل ستكون عكسيّةً للأسباب التالية:

1. عدم القدرة على توجيه ضربةٍ عسكريةٍ قاضيةٍ بسبب توزيع المنشآت النووية، وصعوبة الجغرافيا الإيرانية الجبلية، مما يعني تعطيل المنشآت وليس تدميرها بصورة كاملة.

2. سيمنح ذلك طهران المبرّر لرفع وتيرة العمل وتسريع المشروع النووي الإيراني.

3. إمكانية اندلاع مواجهةٍ عسكريةٍ طويلة الأجل بين طهران وحلفائها والعدو الصهوني، مما ينعكس بصورةٍ كبيرةٍ على استقرار الجبهة الداخلية الصهيونية، خاصةً إن تلقّت ضرباتٍ عسكريةٍ في عمقها وتعطّلت منشآتها الحيوية.

4. نجاح الاستراتيجية المتّبعة منذ سنوات من دون اللجوء إلى الصّدام المباشر، وتحقيق جزءٍ مهمٍّ من أهدافها في فرملة الطموح الإيراني.

ماذا عن إيران في سوريا؟

منذ اندلاع الأزمة السورية في مارس/آذار من العام 2011، اعتبرتها “إسرائيل” فرصةً لأن تتآكل سوريا، ولكن مع مرور الوقت، وضعت “إسرائيل” مجموعةً من الخطوط الحمر، واستخدمت القوة العسكرية المباشرة في حال تجاوزها، وربما كان أبرزها، ما عدّته نقل السلاح من سوريا إلى حزب الله في لبنان، وهو عنصرٌ يسهم في كسر توازن القوى على أرض المعركة.

إلاّ أنّ الفرصة من وجهة نظر إسرائيلية والمستجدات الميدانية في سوريا تحوّلت إلى تهديدٍ ربما هو الأشد خطورةً على الكيان، عبر التواجد الإيراني على الأراضي السورية وبناء القواعد العسكرية في المناطق القريبة من حدود العدو الصيهوني، مما دفعه إلى إضافة محدّدٍ جديدٍ في التعامل مع الأوضاع في سوريا، وبناءً عليه قامت “إسرائيل” بالخطوات التالية:

1. جهدٌ سياسيٌّ ودبلوماسي لمنع تموضع إيران على الحدود مع “إسرائيل”، وقد حدّدت لنفسها مسافة 80 كليومتر في البداية، إلاّ أنّ هواجس الصواريخ البالستية المتطوّرة دفعها إلى منع تواجدها في جنوب سوريا كلياً.

2. استهداف القواعد العسكرية ومراكز الخبراء الإيرانيين المنتشرة في سوريا، سواءٌ كانت قريبةً من الحدود أو في وسط دمشق.

3. استهداف أية مجموعةٍ عسكريةٍ (سوريّة – إيرانيّة – حزب الله) تعمل بمحاذاة الحدود الفاصلة مع الجولان.

4. ملاحقة نشطاء المقاومة السورية من الجولان عبر الاغتيال المباشر بالطيران الحربي.

5. مواصلة استهداف قوافل السلاح، الكاسر للتوزان، والمنقول لحزب الله في لبنان.

6. مواصلة استهداف مراكز الأبحاث ومراكز الصواريخ النوعية السورية.

تحدّثت العديد من المصادر العسكرية وعلى رأسها وزير الدفاع السابق بينيت بأن عام 2020 هو عام دحر التواجد الإيراني في سوريا، من خلال تكثيف العمليات العسكرية ضد المواقع والمعسكرات الإيرانية، إلا أن هذا لم يتحقق بالصورة المطلوبة، ويرجّح بعض المحلّلين الإسرائيليين بأنّ جائحة كورونا مثّلت عائقاً أمام توسيع حجم الاستهدافات، كما خفّضت “إسرائيل” في بداية العام من ضرباتها العسكرية إلى حين امتصاص إيران لغضبها من اغتيال قائد قوة القدس قاسم سليماني.

المعلومات الصهيونية تتحدّث عن أنّ السياسة الإسرائيلية قد حقّقت نتائج إيجابية، فقد تقلّص نشاط الإيرانيين في المناطق القريبة منها، وأنّ معظم القوات انتقلت من دمشق إلى شمال سوريا وشرقها، وأنّ عملية نقل السلاح من إيران إلى سوريا قد انخفضت بصورةٍ كبيرةٍ خلال الأشهر الأخيرة، لذا فمن المتوقّع أن يشهد عام 2021 مواصلة “إسرائيل” هجماتها في سوريا، ولن تتوقف عن هذا السلوك؛ بل من المرجّح أن يتصاعد بصورةٍ كبيرة.

وهنا تطفو إمكانية أن تحدث مناوشاتٌ بين “إسرائيل” وإيران، نظراً لأنّ “إسرائيل” ترغب في انسحاب إيران من سوريا، في حين أنّ طهران لن تفرّط في جبهة قتال مجاورة لـ”إسرائيل” تحت أية ظروف، وربما تتبدّل سياسة الصبر الاستراتيجي إن كثّف العدو غاراته على سوريا خلال العام الجديد، كما ستعمل “إسرائيل” على استهداف أيّ نشاط مناوئ لها في العراق أو اليمن على غرار استهداف الحشد الشعبي سابقاً من قبل الطيران الإسرائيلي.

الخلاصة:

ثمة قناعة إسرائيلية بأن التعامل الأميركي مع إيران سيكون مختلفاً عما كان عليه الأمر في عهد ترامب، لذا ستواصل اتّباع مبدأ داغان بتعطيل البرنامج النووي الإيراني عبر الاستهداف الصامت، دون اللّجوء إلى العمل العسكري.

أمّا على صعيد سوريا، فإنّ الخيار الأوّل لـ”إسرائيل” هو تكثيف العمل العسكري إلى حين إنهاء التواجد الإيراني في سوريا، حتى وإن دخلت في معركةٍ عسكريةٍ واسعة من خلال حربٍ شاملة يشارك فيها حزب الله.

* المصدر : الميادين نت
* المادة التحليلية تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع