السياسية – محمد الطويل:———————-

 

في هديته العيدية ارسل لي صديقي الشاعر احمد المعرسي انشودتين رائعتين، الاولى بعنوان ” العيد جنة قلبي”، والثانية ” لبيك مر الذاهبون الى منى” ، وهما من أداء المنشد المبدع يحيى الغرسي وكلمات الشاعر المعرسي.

توقفت وذهبت روحي مع الانشودة الاخيرة .. لبيك مر الذاهبون الى منى..؛ فالشاعر والمنشد في هذه الانشودة  استطاعا نقل مشاعر وأحاسيس الكثير من المسلمين الذين لم يستطيعوا سبيلاً الى الحج وشعائره المقدسة.

 

مفتتح الانشودة ومطلعها يقول:

 

لبيك مر الذاهبون الى منى

               فوقي ومزق سعيهم اعصابي

لبيك لا تحرم محبك وقفة

                عند المقام فأنت تعلم ما بي

 

يصر شاعر الروح المعرسي والمنشد الغرسي في هذه الانشودة التي اُنجزت مع ايام الحج المباركة وهي ابيات مقطوفة من قصيدة طويلة  بعنوان ” سدرة الشوق” ، أن تذهب روحك وأطيافك وشوقك ايضا الى السمراء ( الكعبة) ، تحرم وتطوف وتسعى وترجم وتحلق وتقصر…..، وكأنك من العارفين الكبار الذين شفت روحهم وخفت ، فتذهب اينما هزها الشوق والوجد الذي هو بمثابة بساط  طائر يجتاز كل الحجب والموانع.

لقد جعل المنشد البيتين لازمة وموال متكرر لأنشودته حتى يُظهر لنا شدة شوق الشاعر بالوقوف عند المقام بكل كيانه الروحي والجسدي؛ لأن الروح في الاساس واقفة هناك ، ولم يبق إلا البالي ( الجسد) وهو ما يسعى الشاعر الى تحقيقه.

 

لبيك ياأنس الفقير وذخره

               لبيك يا أهلي و يا أحبابي

لبيك إني محرمٌ من غابة

                   في القلب موحشة بغير ركاب

 

يبدع صوت الغرسي المنشد هنا في نقل الرجاء والدعاء الذي تقدم به الشاعر ويرسم مشهد الحاج والمحرم وهو مشرفاً على اداء المناسك؛ ليعلن نية شعيرته بأن قلبه اصبح غابة موحشة حتى الركاب لا يخطونها لشدة قفرها ووحشتها، فهي آتية للتطهر والانبعاث من جديد.

 

وأنا على عرفات احزاني أرى

                       عرفات يسكن مطعمي وشرابي

شوقي الى السمراء كعبتك التي

                      ملكت قبولي في الهواء وعتابي

شوقٌ بلا جهة يثور كأنه

               طوفان نار في خدود روابي

 

صورتان في غاية الروعة : الاولى والشاعر على قمة جبل احزانه ( عرفات احزاني) يرى الحجاج وهم على جبل عرفات فيزداد حزنه ؛ ليكن عرفات المنسك العظيم هو المطعم والمشرب للإنسان العاجز عن زيارته.

وتتجلى الصورة الثانية والتي يزيدها صوت المنشد توترا لإظهار غمرة الشوق الشديدة، فالشاعر فيها فقد السيطرة على شوقه الذي اصبح بلا جهة ، فيجعله يثور وكأنه طوفان نار، وهذه الصورة لا تتحقق إلا في بطون وأجواف الجبال عندما تصهرها البراكين ؛ لتقذف في الاخير حمماً من النار تحتل الروابي والسهول.