السياسية – مركز البحوث والمعلومات: زيد المحبشي

قدم الكيان الصهيوني الغاصب في الأشهر الأخيرة قائمة طويلة من الذرائع لتسويق مشروعه القديم المتجدد المتمثل في إعادة إحياء خط الأنابيب الصحراوي “إيلات – عسقلان”، من أجل انتزاع موافقة أعراب الإمارات على تبني وتمويل هذا المخطط الاستعماري الاستيطاني، وهو لا يقل خطورة عن المستوطنات المُقَطِعَة أوصال القدس وقطاع غزة والضفة الغربية، وكلاهما يهدف الى كتم أنفاس الفلسطينيين وصولاً الى قطع أحلام التحرر وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ودفن القضية الفلسطينية الى الأبد، واستبدالها بما بات يعرف بالسلام الاقتصادي.

وتبقى الخطوة الثانية بعد التوافق الصهيوني الإماراتي، وهي إقناع السعودية للانخراط في المشروع، لأنه بدونها لن يكون له أي معنى، ولا يُستبعد أن تكون الزيارة السرية لرئيس وزراء الكيان الصهيوني للسعودية في 22 نوفمبر 2020، من أجل مناقشة المشروع، لتقارب الأهداف والغايات من هكذا توجه، وتقارب المخاوف والهواجس من مخاطر الفزاعة الإيرانية واليمنية، بعد أن تحولت هذه الفزاعة الى خطر وجودي بالنسبة لأعراب الخليج، وليس إسرائيل العدو التاريخي للعرب والمسلمين.

وسبق لمجلة “كلوبس” الاقتصادية الإسرائيلية وأن كشفت في 16 سبتمبر 2020، عن طلب إسرائيل من الإمارات إقناع السعودية السماح لشركة خط الأنابيب الإسرائيلية بمد خطوط أنابيب من إيلات إلى مصفاة النفط في ينبع السعودية، إما براً عبر الأردن أو بحراً، وذلك لنقل النفط السعودي ومشتقاته عبر أنبوب “إيلات – عسقلان”، بزعم أن هذه الخطوة ستقلص من قدرة إيران وأنصارالله في اليمن على استهداف خطوط تصدير النفط.

وأكدت المجلة أن إسرائيل عقدت عدة لقاءات بين شخصيات رفيعة في وزارتي الخارجية والدفاع مع رئيس الشركة “إرز كلفون” والرئيس التنفيذي “إتسك لفي”، لمناقشة تفاصيل الاقتراح، ويتميز الاقتراح بحسب المجلة بخفض مدة شحن النفط وكُلفته ومتطلبات تأمينه المالية والعسكرية، لأنه يتفادى الشحن عبر مضيق هرمز وباب المندب وقناة السويس.

ويرى الدكتور والأكاديمي المصري “محمد الزواوي” أن السعودية يمكن أن تدخل على الخط ذاته، بإعادة تشغيل خط “التابلاين الأطول عالمياً لنقل النفط، بتقليل تكلفة النقل ولو على حساب مصر.

ويمتد خط “التابلاين” السعودي من ساحل الخليج العربي بالسعودية إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وتوقف تصدير النفط من خلاله بعد احتلال إسرائيل لهضبة الجولان.

ويأمل الكيان الصهيوني في توسيع وتطوير أنبوب “إيلات – عسقلان”، وربط أنابيب البترول والغاز في دول الخليج العربي به، وذلك من خلال استثمارات خليجية في هذا الأنبوب، بحسب موقع “العربي الجديد”.

وفي حال تأمين موافقة الرياض، فإنه سيكون بالإمكان نقل النفط السعودي من منطقة “بقيق”، في أقصى الشرق السعودي، التي تعرضت للهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة اليمنية في 14 سبتمبر 2019، إلى ميناء إيلات عبر خط بري طوله 700 كيلومتر، وربطه بخط “إيلات عسقلان”، ليتم تصديره إلى أوربا وأميركا الشمالية.

الذرائع والمبررات:

يتذرع الكيان الصهيوني في تسويق خط الأنابيب المزمع تدشينه مع الإمارات، بأن الطريق البحري المار من بحر العرب ومضيقي هرمز وباب المندب مروراً بقناة السويس في البحر الأحمر، بات أكثر كلفة مادياً وأمنياً، في ظل الحرب الجائرة على اليمن وانتشار عمليات القرصنة في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، بحسب مجلة “كلوبس” الإسرائيلية في 15 سبتمبر 2020.

وكان عمل الخط على مدار السنوات الماضية، أحد أسرار الكيان الإسرائيلي، ويخضع لحراسة مشددة حتى اليوم.

وأوضحت أن الأبعاد التي يذهب إليها عملاء الخط الصحراوي لإخفاء هوياتهم من خلال عمليات التسجيل المتعددة وأساليب إخفاء الشركات الأخرى تعتبر أسطورية، حيث إن المقاطعة التي فرضتها الإمارات وجيرانها المنتجون للنفط، كانت تعني أن الناقلات التي تعترف بالرسو في إسرائيل سيتم منعها من عمليات التحميل المستقبلية في الخليج، وهو ما يؤدي إلى تدمير أعمالهم.

ويحاول الكيان بهذا التبرير الممجوج إقناع دول الخليج بأنّ مضائق هرمز وبحر العرب وباب المندب وقناة السويس لم تَعُد آمِنَةً، بسبب الوجود الإيراني واليمني في مضيق هرمز وباب المندب، وما يشكله ذلك من خطورة على الدول المسبحة بحمد أميركا وإسرائيل، مستشهدا بالتهديدات الإيرانية لإغلاق مضيق هرمز والهجوم اليمني المتكرر على منابع النفط في السعودية، وما يشكله ذلك من خطورة على الملاحة البحرية حد زعمه.

ومن الذريع عمل الخط الصهيوني على تقصير مسافة نقل النفط، وتقليل تّكاليف النقل، والسماح بنقل النفط في الاتجاهين، والسماح بمرور الناقلات العملاقة، على عكس قناة السويس، والقيود الصارمة التي تفرضها، حيث يقتصر عمل خط “سوميد” المصري في اتجاه واحد فقط، ولا يسمح بمرور الناقلات العملاقة، ويفرض رسوم باهظة، ما يجعله أقل فائدة من منافسه الإسرائيلي.

ومعلوم أن أكثرية نفط الخليج الخام المتجه إلى أوربا وأميركا الشمالية يتم ضخه عبر خط أنابيب “السويس – البحر الأبيض المتوسط”، المعروف بخط “سوميد” في مصر، والذي تمتلك فيه السعودية والإمارات وقطر حصة، ولهذا كان الانتقاء الصهيوني للإمارات والسعودية لدعم وتمويل مشروع خط الأنابيب الصحراوي في غاية الدقة والخطورة.

الانفتاح على إسرائيل ودول الخليج كمصدر لاستيراد النفط وتخزينه، يحمل أهمية استراتيجية بعيدة المدى تجاه إيران، ومن شأن الطريق البري أن يقلل بشكل كبير من ضعف دول الخليج أمام إيران ومحور المقاومة والممانعة، ما ينقذ التجربة المشكوك فيها لعبور مضيق هرمز على طول طريق بحري شديد الخطورة، لأن إنشاء طريق بري سيجعل من الممكن تقليل استخدام الطريق البحري لتصدير النفط إلى الغرب، وما يحفه من مخاطر بسبب الوجود الإيراني واليمني في مضيق هرمز وباب المندب.

مكونات المشروع:

تدير المشروع شركة خط أنابيب إيلات عسقلان “EAPC” الصهيونية، والمعروفة أيضاً باسم شركة خط أنابيب آسيا – أوربا “EAPC” الإسرائيلية، وهذه قامت في الأساس على أنقاض شركة إسرائيلية – إيرانية مشتركة، تم إنشاؤها عام 1956، وأعلن الكيان الصهيوني تأميمها بعد قيام الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979.

طول الخط 158 ميلاً، ويسمح بالعمل في اتجاهين، ويقوم بنقل النفط من ميناء ايلات جنوب فلسطين المحتلة على خليج العقبة في البحر الأحمر الى محطة الناقلات في موانئ عسقلان وأشدود وحيفا وأشكول على البحر الأبيض المتوسط، ومنها الى أوربا ودول الحوض الأبيض المتوسط وأميركا الشمالية.

ومن أهم مميزات ميناء عسقلان وجود خزانات للنفط بسعة 2.3 مليون برميل، واستقبال ناقلات للخام بحجم 300 ألف طن، وهو ما يفوق قدرة قناة السويس على استيعاب هذا النوع من الناقلات، ما يضفي على الممر الجديد أهمية استراتيجية، تعمل إسرائيل على استغلالها، من أجل كسر المقاطعة العربية المفروضة عليها منذ عقود، وجر الدول العربية تِباعاً الى حضيرة التطبيع، وتوظيفها لخدمة الاقتصاد الصهيوني والمشروع الصهيوني البعيد المدى.

ويؤكد الكاتب الفلسطيني “عبدالباري عطوان” أن هناك مشروعان اقتَربت مُناقشتهما، مرحلة التّنفيذ العمليّة حسب آخِر التّقارير الإخباريّة الغربيّة والإسرائيليّة:

1 – بناء خط أنابيب من أبو ظبي إلى ميناء إيلات عبر الأراضي السعوديّة، وخط الجبيل ينبع على البحر الأحمر لنقل النّفط، ووصله بخط أنابيب آخر من إيلات إلى عسقلان، وهذا الأمر قد يتطلّب امتِداد خط أنابيب الجبيل ينبع السعودي 700 كيلومتر شمالاً إلى إيلات وإيصاله بالخطّ المذكور.

2 – إرسال ناقلات نفط إماراتيّة عِملاقة، تبلغ حُمولتها ضعفيّ حُمولة النّاقلات العاديّة الأصغر المسموح لها بالمُرور عبر قناة السويس، إلى ميناء إيلات، عبر خليج العقبة، ليتم تفريغها هُناك ثمّ ضخّها عبر خطّ الأنابيب المذكور، وتجنّب القناة المِصريّة كُلياً، وربّما هذا ما يُفسِّر تنازل الحُكومة المِصريّة عن جزيرتيّ صنافير وتيران في فمِ الخليج المذكور للسّيادة السعوديّة.

وتُفيد المعلومات التقنيّة بأنّ سعة خطّ أنبوب إيلات عسقلان، أو الموانئ الإسرائيليّة الأخرى يَبلُغ 42 بوصة للنّفط الخام وطوله 254 كيلومتراً، ويُوازيه خطّ أنابيب آخَر سعة 16 بوصة لنقل المازوت والديزل والمشتقّات النفطيّة الأخرى المُكرّرة، وهذان الخطّان يُستَخدمان لتصدير النّفط الأذربيجاني والطاجيكستاني إلى الصين وكوريا الجنوبيّة تَجنُّباً لرسوم قناة السويس الباهظة.

ويستفيد المشروع من الموقع الاستراتيجي لفلسطين المحتلة عند تقاطع ثلاث قارات، الواصلة بين طرق التجارة البحرية الدولية لإفريقيا والشرق الأقصى وأوربا.

وتصل الطاقة التصديرية إلى 1.2 – 2 مليون برميل يومياً، وهو قادر على نقل 55 مليون طن من البترول، وإشعال نار المنافسة مع قناة السويس، التي تستحوذ على 51 بالمائة من كميات النفط التي تعبر القناة، وتقدر بـ 107 ملايين طن.

الأبعاد والدلالات

سياسياً:

يُعَبِّر الاتفاق الصهيوني الإماراتي في طابعه العام عن واقع إقليمي جديد لمثلث استراتيجي تشارك فيه إسرائيل والإمارات وأميركا، وسيكون له تبعات خطيرة على الأمن القومي العربي والقضية الفلسطينية.

ويرى أستاذ الاقتصاد بالجامعة العربية الأميركية “نصر عبدالكريم” في حديث له مع موقع “عربي بوست” بتاريخ 8 أكتوبر 2020 أن التوجه الإسرائيلي لإعادة تأهيل خط “عسقلان – إيلات” يفوق الجوانب الاقتصادية ليصبح ذا أبعاد استراتيجية، فإسرائيل تسعى لإعادة التموضع في المنطقة، بما يحقق لها المميزات والمكاسب على المدى الطويل.

إعادة تشغيل خط النقل النفطي “إيلات – عسقلان” سيمنح تل أبيب النفوذ السياسي والسيطرة على موارد الغاز ومياه شرق المتوسط، وخطوط النقل والمواصلات والاتصالات، مما يؤهلها لوضع نفسها في مكان مميز على خريطة المنطقة.

الكيان الصهيوني يظل الأكثر استفادة من الناحية “الجيو – سياسية”، لأن الخط يمنحه موطئ قدم عسكري أمني في المنطقة، ويُعَمِّق مصالحه مع باقي الأطراف، ولأنه يتطلب توفير احتياجات أمنية لتوفير سلامة النقل، وما يشمله من إجراءات الحراسة والحماية، فهو يحقق المزيد من المصالح الأمنية لإسرائيل في المنطقة والعالم.

وهو ما يتيح لإسرائيل أريحية مُطلقة لتغيير قواعد اللعبة في المشرق العربي، وجعل كيانها اللقيط ملجأ آمناً للدول العربية المطبعة، لأنها ستكون أقل ضعفاً أمام إيران، لتراجع اعتمادها الكبير على مضيق هرمز، المتأثر بالتوتر الخليجي الإيراني، واستمرار حرب اليمن، والصراع الأميركي الإيراني في الخليج.

وتوجهٌ كهذا يعتقد الكيان الصهيوني أنه سيعمل على تقليص هامش المناورة أمام إيران، ويحُد من قدرتها على استهداف إمدادات النفط الخليجية.

ويمثل خط النفط الصحراوي الحلقة المركزية في مخطط إسرائيل لإحكام سيطرتها على مسار الطاقة في المنطقة، وإعادة صياغة علاقاتها الاستراتيجية القائمة على الارتباط المصلحي طويل الأمد مع الدول العربية المُطبِّعة معها.

اقتصاديا:

يرى الباحث بمركز القدس للدراسات الإسرائيلية “عواد أبوعواد” أن خط النقل النفطي “إيلات – عسقلان” سيحقق لإسرائيل أرباحاً بقيمة 3 مليارات في العام الأول، و10 مليارات أخرى بعد 7 سنوات على تشغيله.

ويرتبط هذا الخط بما أعلنه سابقاً وزير المواصلات الصهيوني السابق “يسرائيل كاتس” حول تشغيل خط السكة الحديد لربط حيفا والإمارات، لنقل البضائع الخليجية عن طريق البر، بحيث يكون أسرع وأقصر، ويوفر لها سرعة الوصول، مما سيرفع حجم التبادل التجاري الإسرائيلي الخليجي بعد مرور 10 سنوات إلى 30 مليار دولار، أي ثلث قيمة التجارة الخارجية الإسرائيلية.

الكاتبة الإسرائيلية “فازيت رابينا” في قراءتها لأبعاد الاتفاق الإماراتي الصهيوني، ترى أن للاتفاق إمكانات كامنة مهمة وفي المدَيَيْن، المتوسط والبعيد، ومن المتوقع أن يكون له تأثير أيضاً في الاقتصاد الإسرائيلي بداية، وقدّرت حجم المداخيل المتوقعة لكيانها من رسوم العبور بنحو 800 مليون دولار سنوياً، كما أن النشاطات التي ستنمو حول أنبوب النفط وتشعباته إلى مرفأ أشدود وحيفا ومحطات التكرير، من المتوقع أن تُنشىء فرعاً اقتصادياً جديداً في إسرائيل، سيشمل نقل وتخزين وصيانة موانىء تكرير النفط ومشتقاته.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة خط الأنابيب “إيزيك ليفي”، في مقابلة له مع مجلة موقع “فورين بوليسي” الأميركية: أن خط الأنابيب، يُمكن أن يزيل ويسرق حصة كبيرة من شحنات النفط التي تتدفق الآن عبر قناة السويس القريبة، ويفتح الكثير من الأبواب والفرص، فبعدما كسر الإماراتيون الجليد، أصبحت فرص صفقات الطاقة العربية – الإسرائيلية واسعة ومُربحة، بدءاً من الإستثمار في خط الأنابيب الإسرائيلي نفسه، إلى تكييفه لنقل الغاز الطبيعي أو توصيله بخطوط الأنابيب عبر السعودية والشرق الأوسط الأوسع.

عربياً، ستوفر الإمارات، وأي دول أُخرى تستخدم قناة السويس بعد توقيع اتّفاقات التّطبيع المهينة، مِئات الآلاف من الدّولارات كرسوم عبور عبر القناة عن كُلِّ شُحنةٍ نفطيّة، وهو ما يمثل ضربة قاتلة للاقتصاد المصري.

المراجع:

1 – ملفات المعرفة، خط الأنابيب عبر إسرائيل

2 – الجزيرة نت، خط مباشر بين دبي وإيلات.. تطبيع إسرائيلي إماراتي بمجال الشحن والموانئ، 16 سبتمبر 2020

3 – عبد الباري عطوان، مِصر أبرز المُتضرّرين من خطّ أنابيب النّفط الإماراتي الإسرائيلي، الإشراق، أكتوبر 2020

4 – الخليج الجديد، عبر أنبوب إيلات عسقلان.. مخطط إسرائيلي لنقل النفط السعودي إلى أوربا، 3 أكتوبر 2020

5 – مجلة فورين بوليسي الأميركية، كيف يهدد التطبيع الإماراتي الإسرائيلي مكانة قناة السويس؟، ترجمة وتحرير الخليج الجديد، 8 سبتمبر 2020

6 – نون بوست، أنبوب “إيلات – عسقلان” الإماراتي الإسرائيلي.. ضربة مؤلمة لقناة السويس، 1 نوفمبر 2020

7 – جوناثان ش. فيرزيغر، صفقة الإمارات تُعزّز خطّ أنابيب النفط الإسرائيلي الذي تمَّ بناؤه سراً مع إيران، موقع أسواق العرب، 12 سبتمبر 2020.