محمد محمد الــسادة*

بعد أكثر من خمس سنوات من العدوان والحصار الأمريكي-السعودي على اليمن،وإرتكابه لأبشع الجرائم الإنسانية،والتسبب بمعاناة إنسانية هي الأسوء في العالم تتوجه إدارة الرئيس المتطرف ترامب وبدعم من النظامان السعودي والإماراتي وكيان العدو الإسرائيلي نحو إلصاق الإرهاب باليمن،و بأكبر المكونات على الساحة الوطنية ،وأكثرها شعبية وهو مُكون “أنصار الله” الذي يقود مرحلة التغيير في اليمن.

ترامب الذي يستعد لحزم حقائب الفشل ومغادرة البيت الأبيض سبق أن صنف مواطنيه الذين لايتفقون معه في سياساته بالإرهاب،لن يتورع عن تصنيف دول أو جماعات بالإرهاب تحت حجج ومبررات واهية،لاسيما بعد مرارة هزيمة إنتخابية تاريخية توجت مسيرة إخفاقه السياسي ،وجعلته و وكلائه في المنطقة في حالة أزمة وإحباط تبحث عن مُتنفس ولو على حساب الأخرين، فكانت سياسة الأرض المحروقة، التي تتضح معالمها من خلال ما يُظهره ترامب من إستماتة في رفض نتائج الفوز الساحق لمنافسه الإنتخابي جو بايدن ، وخارجياً بمزيد من الإستهداف لمحور المقاومة عبر فرض إدارة ترامب مزيد من العقوبات، وممارسة ما تُسميه أقصى الضغوط على إيران من خلال الزج باليمن وتصنيف قيادات في “أنصارالله” أو المكون ككل كجماعة إرهابية،وبالفعل بدأت إدارة ترامب بتنفيذ أولى خطوات هذا التوجة بفرض عقوبات جديدة شملت مسؤولين إيرانيين، رغم مبادرة طهران بإعلان إستعدادها الطوعي لإحترام إلتزاماتها النووية إذا قامت إدارة الرئيس بايدن برفع العقوبات المفروضة عليها.

هذا التوجه الأمريكي غير المبرر ،والمفتقد للوجة القانوني مُدان كونهُ تدخل سافر في شؤون اليمن،ويتعارض مع قرارات مجلس الأمن الدولي حول اليمن التي أعدتها الولايات المتحدة في إطار مجلس الأمن، بل ويتحدى إرادة وتطلعات حكومة صنعاء والشعب اليمني نحو السلام ،كما يُقوض جهود الوساطة الأممية للسلام من خلال خلط الأوراق،ومحاولة خلق وضع بمعطيات جديدة تهدف لإطالة أمد العدوان والحصار، ومفاقمة المعاناة الانسانية، وتبرير التصعيد العسكري. ونظراً لحماقة مثل هذا التوجه قامت بعض الدول كالمانيا والسويد بتقديم النُصح للإدارة الأمريكية وحثها على إعادة تقييم توجُهها ،كما خاطبت العديد من المنظمات الدولية الإنسانية وزارة الخارجية الأمريكية مُحذره من خطورة إتخاذ مثل هذا القرار على مُفاقمة الوضع الإنساني في اليمن وطالبت بالعدول عنه.

ليس وليد اليوم مثل هذا التوجه المكشوف والمدفوع ضد اليمن ،فقد سبق أن حاولت إدارة ترامب في العام 2018 إصدار قرار التصنيف، لكنها فشلت لأسباب عديدة منها عدم إنطباق شروط ومعايير التصنيف للإرهاب على مُكون أنصارالله، كما فشلت الولايات المتحدة في تمرير مقترح يهدف لإضافة مُكون أنصارالله لقائمة الأمم المتحدة للكيانات والأشخاص المعرضين لعقوبات ،رغم أن لجنة العقوبات الأممية سبق أن تجاوبت مع الولايات المتحدة وأدرجت عدد من قيادات أنصارالله فيما تُسمى قائمة الأشخاص الممنوعين من السفر ،وتجميد ما يمتلكون من أموال وأصول في الخارج ، وعليه فإن تكرار ذلك التوجه اليوم يحمل في طياته أهداف مزدوجة، ظاهُرها يُمكن قرأتها بأنها تُقوض توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة التي أعلن عنها الرئيس بايدن الذي أكد على الجهود الدبلوماسية في التعاطي مع إيران،كما أبدى رغبة في الحد من مشاركه بلاده في العدوان على اليمن ،وإنهاء الدعم المقدم للنظام السعودي ، بل أنه تعهد في ذكرى إغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي من قبل أتباع ولي العهد محمد بن سلمان بإعادة تقييم العلاقات مع النظام السعودي ومحاسبته على جرائمه، ومن ناحية أخرى يُمكن قراءة هذا التوجه بأنه يُمهد الطريق لإدارة بايدن لتحقيق مكاسب سياسية مجانية ،مع رفع الحرج عن الرئيس بايدين و وعود الإنتخابية.

ما الذي يُمكن أن يُضيفه التوجه الأمريكي ضد صنعاء ؟

إستندت إدارة ترامب في سياستها تجاه اليمن على رؤية براغماتية قاصرة لاتكترث لإحلال السلام، وإنهاء المعاناة الإنسانية ،بل إختزل الملف اليمني في طرفين، الأول هو إيران كشماعة يجب ممارسة أقصى الضغوط عليها وفق تلك الرؤية،أما الطرف الثاني فهو وكلاء واشنطن الذين يقودون العدوان على اليمن، ويحظون بصكوك الغُفران التي لايستطيع دفع ثمنها سوى محمد بن سلمان، ومحمد بن زايد، اللذان لم تتوقف توسُلاتُهما للإدارة الأمريكية وبدعم إسرائيلي لتصنيف أنصارالله كجماعة إرهابية في محاولة لستر ولو جزء من جرائمهم،و هزائمهم العسكرية والسياسية في اليمن .

لن يُضيف هذا التوجه الأمريكي سوى مزيد من الإرادة والصمود والإنتصارات ،وسيُقابله مزيد من الإنكشاف والإنحسار لتحالف العدوان ،فقد أثبتت سنوات العدوان تمكُن صنعاء وبجدارة من تحويل المخاطر والتحديات إلى فرص وحوافز إضافية لتعميق أُسس الإعتماد على الذات في مختلف مجالات البناء والتطوير،ولذا فتوجه الإدارة الأمريكية ضد صنعاء إن تم فلن يعدو عن كونه تحدي يحمل في طياته فرص جديدة،رغم حقيقة ما سيحملهُ هذا التوجه من تداعيات تستهدف تعطيل المساعي الدولية لإحلال السلام في اليمن، و مفاقمة المعاناة الإنسانية ،كما لاشك أن تلك التداعيات السلبية ستطال الداعمين لهذا التوجه.

التجارب السابقة لإستخدام أساليب التلويح والمساومة والإبتزاز تؤكد أن مثل هذا التوجه الأمريكي لن يُشكل ورقة ضغط سياسية فعالة ،وستكون نتائجه محدودة التأثير على صنعاء ومحور المقاومة ،بل من المتوقع تزايد شعبية حكومة صنعاء والإلتفاف الجماهيري حولها،وتزايد وتيرة الإنتصارات العسكرية لإستكمال إستعادة كل شبر مُحتل من أرض اليمن، مع إمكانية إنتقال إستراتيجية الردع لقوات صنعاء إلى مرحلة متقدمة بخيارات مفتوحة، وتكتيكات وضربات لم تكن في حُسبان تحالف العدوان، بالإضافة إلى ذلك سينعكس التوجه الأمريكي ضد اليمن على إستعداد صنعاء المُعلن لإقامة علاقات طبيعية مع الرياض ،بل وسيتعاظم الهاجس الأمني لدى النظام السعودي كون مطالبهُ بتوفير ضمانات لتأمين حدود المملكة المكشوفة مع اليمن تتناقض مع طبيعة التوجه الأمريكي المدعوم سعودياً ،وبالتالي لن تكون الرياض في مأمن من التداعيات السلبية المباشرة التي ستطالها، ولو كان هناك عدالة دولية ومعايير تُطبق لإدراج الدول والكيانات والجماعات في قوائم الإرهاب، لكان النظام الأمريكي والسعودي والإماراتي، وكيان العدو الإسرائيلي يتصدرون تلك القوائم ،ولكان ترامب ونتنياهو، وبن سلمان، وبن زايد مُلاحقون كمجرمي حرب ،ولكن إزدواجية المعايير، وتسليم الكثير بتفوق منطق القوة على قوة المنطق والحق يُعلي من شأن من يمتلكون القوة أوالمال ولو كانوا مواخير.

ختاماً، إذا كان موقف كوريا التي تعرضت للإحتلال الياباني قبل خمسة وسبعون عام لايزال ثابت تجاه الجرائم الوحشية التي قامت بها اليابان بحق أبناء شبه الجزيرة الكورية، رغم تقديم اليابان للإعتذار، والتعويضات،ولكن المسؤولين الكوريين يعتبرون ذلك غير كافي لسبب بسيط هو أن ما قامت به اليابان “جرائم لا تُغتفر” ، فماذا عن الشعب اليمني الذي أُرتُكب في حقة جرائم فاقت كل جرائم التاريخ ،وهو شعب لايزال الثأر جزء من ثقافته ،وبعض قضايا الثأر عمرها يتجاوز عمر النظام السعودي ،ولذا مُخطئ من يظن أن مثل هذا التوجه الأمريكي ضد اليمن قد يُعفي دول تحالف العدوان من تحمل مسؤولية إنتهاكاتها للقانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنساني ،فعدالة قضية اليمن وشعبه العظيم المظلوم تستدعي العدالة الإلهية،و تستوجب القصاص ممن إرتكبوا جرائم بربرية، سواء كانوا دولاً أو أفراد ،ولن يُسقط هذا الحق تسوية سياسية و تعويضات مالية أو تقادم،وسيتوارثه الأحرار جيلاً بعد جيل.

* كاتب ودبلوماسي يمني
* المصدر : رأي اليوم
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع