بقلم: ديفيد هيرست

(موقع “ميدل إيست آي”- ترجمة نجاة نور،الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

يمكنك اكتشاف تلاشي ظل دونالد ترامب من الشرق الأوسط من خلال التوتر الظاهر على أقرب حلفائه.

يعمل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على تسريع بناء المستوطنات قبل التجميد الحتمي أو ايقاف البناء في يناير المقبل بتزامن مع تولى الرئيس المنتخب جو بايدن السلطة.

في حين أطلق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي سراح جزء ضئيل فقط من سجناء السياسيين والذين يقدر عددهم بـ 60 ألف سجين كان قد أخفاهم قسراً في سجونه.

يُعطى المذيعون الذين يعملون في القنوات التلفزيونية المؤيد للسيسي، من يوم لآخر نصوصاً مختلفة لقراءتها.

خذ مثلا حالة نشأت الديهي الحزينة, عندما كان بايدن مرشحاً، قام الديهي بذمة واصفاً اياه انه “سيصبح جوزيف بايدن أكبر رئيس أمريكي سناً في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.

وفي 20 نوفمبر سيكون عمره 78 عاماً, وهذا سيؤثر على وضعه العقلي, حيث وأنه يعاني من مرض الزهايمر وبالتالي لا يصلح أن يكون رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية”.

ولكن بمجرد أن أعلنت وسائل الإعلام الأمريكية بان بايدن الرئيس المنتخب، أصبح الديهي محترماً وقال “علمنا للتو أن الرئيس عبدالفتاح السيسي بعث ببرقية تهنئة إلى الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن.

هذا الرجل لديه احترام كبير لمصر ومعروف بالحكمة ومستمع جيد، ولا يتخذ القرارات بشكل متسرع ولا حين يكون غاضباً.

كل هذا كان مفقوداً في حالة دونالد ترامب الذي كان عنيفاً وعنيداً ومتعجرفاً, لقد قام بكل ما سبق.

لفتات صغيرة:

السفير السعودي في لندن في اضطراب مماثل. وذات يوم لمّح لصحيفة الغارديان أن الناشطات المعتقلات قد يتم إطلاق سراحهن خلال قمة مجموعة العشرين الأسبوع المقبل.

وقال خالد بن بندر بن سلطان بن عبد العزيز آل سعود: “هل تقدم مجموعة العشرين فرصة للعفو؟ ربما, هذا حكم لشخص آخر غيري”, “يسأل الناس: هل يستحق الأمر الضرر الذي يسببه لك، مهما فعلوا؟ هذه حجة عادلة لتقديمها وهي مناقشة نجريها في الوطن داخل نظامنا السياسي وداخل وزارتنا”, وفي اليوم التالي، اتصل بشبكة “بي بي سي” لينفي ما قاله للتو.

سفير ضعيف:

الملك نفسه ليس بأي حال محصنا من تقلبات السياسة الجامحة, لقد بدأ يتعامل بلطف مع تركيا.

بعد أسبوع من الزلزال الذي ضرب إزمير، أمر الملك سلمان بإرسال “مساعدات عاجلة” إلى المدينة.

ثم علمنا أن ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة والرئيس التركي رجب طيب أردوغان كانا في محادثات.

وكانت المناسبة لتقديم التعازي في وفاة رئيس الوزراء البحريني الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة.

لكن أجراء الاتصال المباشر بقمر صناعي للرياض كان سيكون مستحيلاً لولا الضوء الأخضر من الديوان الملكي السعودي.

فمنذ أن رفض أردوغان ترك قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في اسطنبول تسقط، أصبح شخصية مكروهة في الرياض.

أعلنت تركيا – مراراً وتكراراً- انها تتعرض لتهديداً إقليمياً من قبل وسائل التواصل الاجتماعي السعودية التي تشن حملات مقاطعة للسلع التركية؛ الآن تغير كل شيء.

هذه إيماءات صغيرة، لكنها تنبئ بكل ما سيأتي، عندما يترك ترامب منصبه.

وكالة المخابرات المركزية تعيد الرد:

يتصدر قائمة الحلفاء المتوترين الرجل الذي استخدم ترامب لتصميم صعوده إلى السلطة.

ولكي يصبح ولياً للعهد، كان على محمد بن سلمان التخلص والإساءة لسمعة ابن عمه الأكبر محمد بن نايف، الذي كان في ذلك الوقت على صلة وثيقة بالوكالة المخابرات المركزية في البلد ومنطقة الخليج.

قبل أن يفعل ذلك، اتصل بن سلمان هاتفيا بجاريد كوشنر، صهر ترامب ومستشار الشرق الأوسط، ليطلب الإذن للبدء في إزاحته عن المسرح السياسي وقالت مصادر مطلعة على المكالمة لموقع ميدل إيست آي، إنه قد تم إعطاؤه الأذن.

يعرف بايدن بن نايف شخصياً. فر رئيس ديوان بن نايف ووزير الداخلية السابق سعد الجابري إلى تورونتو, بعد أيام قليلة من اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول في أكتوبر 2018, أرسل محمد بن سلمان طاقماً آخر من فرقة النمر لقتل الجابري، وفقاً للدعوى المرفوعة بموجب قانون حماية ضحايا التعذيب في مقاطعة كولومبيا الأمريكية.

كان الجابري محظوظا، حيث تم اكتشاف العملية من قبل وكلاء الحدود في مطار تورنتو الدولي وتم أعادتهم إلى الوطن, كل هذا دليل قوي.لم يتم التعامل مع أي من هذا.

ومن جهة اخرى، لم يُنشر أبداً تقييم وكالة المخابرات المركزية بأن محمد بن سلمان أمر بقتل خاشقجي.

إن ولي العهد لا يخشى فقط تولي بايدن للسلطة – على الرغم من أن المرشح الرئاسي احتفظ بكلماته الحادة لمقتل خاشقجي – ولكن من عودة وكالة المخابرات المركزية إلى طاولة صنع القرار في البيت الأبيض.

ينتقل محمد بن سلمان بين عشية وضحاها من وجود رئيس في البيت الأبيض “أنقذ مؤخرته”، على حد تعبير ترامب، إلى خلف غير مهتم ابداً لفعل الشيء نفسه.

لدى بايدن كل الحوافز التي تجعله يقوم بتشجيع أعداء محمد بن سلمان في العائلة المالكة على المضي قدماً لمنع الأمير صاحب الطموح المفرط من أن يصبح ملكاً.

الخروج من بطاقة السجن:

المكتب البيضاوي تحت الإدارة الجديدة يترك لمحمد بن سلمان خيارات قليلة نسبياً.

يمكنه استخدام إسرائيل كبطاقة خروج من السجن، من خلال الضغط من أجل الاعتراف والتطبيع. هناك دعم من الحزبين في الكونغرس لاتفاقيات إبراهيم الموقعة بين الإمارات والبحرين وإسرائيل.

على الرغم من أن إدارة بايدن القادمة ستركز بشكل أكبر على استئناف المفاوضات المباشرة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، إلا أنها لن تمنع دولة عربية كبرى أخرى مثل السعودية من الانضمام إلى الجماعة.

معارضة التطبيع السعودي مع إسرائيل ستكون في الداخل وليس في الخارج.

والاعتراف بإسرائيل سيكون محفوفاً بالمخاطر على المستوى المحلي ومهما كانت وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بسعود القحطاني تتنمر على الرأي العام السعودي، فهي مؤيدة بشدة للفلسطينيين ومعادية للصهيونية.

ليس أكثر من اليوم، تظل فلسطين المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، والصراع الذي يميزها، والصراع الذي يستمر كرمز للاستعمار الأوروبي والإذلال العربي.

خادم الحرمين الشريفين يعترف بإسرائيل؟ ليس على جماجم الكثير من المسلمين.

في كل مرة كان على محمد بن سلمان أن يتراجع عن رغبته في الاعتراف بإسرائيل (وكان قريباً جداً من السفر إلى واشنطن ولعب دور الراعي المبتسم في حفل التوقيع في البيت الأبيض، قبل الإلغاء في اللحظة الأخيرة) من قبل والده الملك ليقول إنه لم يتغير شيء ويعيد التأكيد على سياسة الدولة الرسمية.

هذه هي مبادرة السلام العربية التي أعلنها سلفه الملك عبد الله عام 2002 وهي تسمح فقط بالاعتراف بإسرائيل بعد التوصل إلى حل تفاوضي على أساس حدود عام 1967.

إن فقدان ترامب – أو السقف الواقي – ووصول رئيس معاد له وهو “بايدن” سوف يعني أن محمد بن سلمان سيحتاج إلى منصب والده كملك أكثر مما فعل في الماضي.

نعلم من مصادر سعودية أن محمد بن سلمان كان في مرحلة ما يتلاعب بفكرة إجبار والده على التنازل المبكر للحكم لأسباب صحية والاستيلاء على العرش بنفسه.

في الجولة الأخيرة من التطهير، استهدف محمد بن سلمان أعضاء بارزين في هيئة البيعة الذين يتمثل دورهم في الموافقة على الخلافة الملكية وتعيين ولي العهد الجديد.

كانت الاعتقالات الأخيرة لتطهير هيئة البيعة من معارضية منطقية فقط إذا كان محمد بن سلمان نفسه ينوي أن يصبح ملكاً.

لكن ذلك كان في الأوقات الجيدة بالنسبة له، عندما كان نجم بن سلمان يتصاعد وكان لا يزال بإمكانه زيارة لندن وواشنطن دون خلق هائج من المحتجين على حقوق الإنسان.

في الأوقات العصيبة يظل الملك هو زعيم القبيلة، الذي يحكم ولاء العائلة المالكة والمملكة.

بغض النظر عن حالة سلمان العقلية الفعلية، فهو لا يزال رئيس العائلة المالكة ولن يكون هناك تمرد ضده.

الأمر نفسه لا ينطبق على ابنه الذي دفع والده جانباً واستولى على الحكم, وسيكون انقلاب القصر عليه مسالة عادلة, وربما كان هذا هو السبب الرئيسي وراء بقاء الأب ملكاً.

تحالف إقليمي:

مصير التحالف الإقليمي الذي كان الملك المستقبلي محمد يحاول بناءه حول نفسه معلق أيضاً في كفة الميزان.

القتال الحقيقي الدائر في العالم العربي السني يدور حول من سيتولى منصب القائد والوكيل الغربي.

الهدف من التحالف مع إسرائيل – في عيون الإمارات – ليس زيادة الثروة بل القوة، لتصبح مع السعودية تحت حكم الملك محمد، القوة الإقليمية المهيمنة.

وهذا الطموح لا يزال قائما.

لكن الدور الذي كان من المفترض أن يلعبه “حلف الناتو العربي” لمحاربة إيران وكبح جماحها، سيتضاءل الآن بسبب محاولة بايدن استعادة الاتفاق النووي مع طهران.

حدق حكام إيران في عيون ترامب ولم يرمشوا قطً, لقد صمدوا أكثر من رئيس الولايات المتحدة, كما فعلوا بجيمي كارتر وكل الرؤساء الذين تبعوه.

كانت الاتفاقية النووية (المعروفة باسم (JCPOA تتويجاً لإنجازات باراك أوباما في السياسة الخارجية – على الرغم من أنها كانت ثمرة سنوات من المفاوضات التي شملت العديد من الدول ووزراء الخارجية السابقين – ما يسمى P5 زائد واحد، الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ألمانيا وتركيا والبرازيل.

ومع ذلك، فإن تحركات كل جانب متسلسلة ومهما كانت الصعوبات التي تكمن في هذا المسار، فإن بايدن مرة أخرى سوف يركز على استعادة هذا الاتفاق النووي.

وحتى لو استمرت بعض العقوبات، فإن سياسة استخدامها لممارسة “أقصى قدر من الضغط” ستنتهي, والانفراج سيخلق حتما واقعا جديدا في منطقة الخليج.

كما أنه سيخلق واقعاً جديداً لأعضاء التحالف المعارض، تركيا وقطر.

بايدن ليس من المعجبين بأردوغان الذي أمضى ساعات طويلة يتحدث معه. وقد اعتذر لأردوغان ذات مرة عن تصريحات مفادها أن تركيا ساعدت في تسهيل صعود نجم تنظيم الدولة الإسلامية, ولكنه ليس على وشك القيام بذلك مرة أخرى قريباً.

في اجتماع مع هيئة تحرير نيويورك تايمز تم تصويره في ديسمبر، وصف بايدن أردوغان بأنه مستبد.

وردا على سؤال حول مدى شعوره بالراحة مع استمرار وجود 50 سلاحا نوويا في تركيا، قال بايدن إن مستوى راحته “تضاءل كثيرا” وأنه سيوضح للزعيم التركي أن الولايات المتحدة تدعم المعارضة.

عالم متقلب:

بمجرد وصوله إلى السلطة، قد يجد بايدن صعوبة أكبر في التعبير عن هذا العداء الشخصي.

وسواء شاء أم أبى، فإن تركيا قوة عسكرية إقليمية أكثر ثقة مما كانت عليه في عهد أوباما.

لقد أثبت جيشها نفسه كقوة موازنة للقوة العسكرية الروسية في سوريا وليبيا، وحقق للتو تقدماً كبيراً في ناغورنو كاراباخ، حيث أنشأ لأول مرة طريقاً برياً من الحدود التركية إلى بحر قزوين.

هذا انتصار استراتيجي للدولة التركية.

إذا كان سيرفع العقوبات عن إيران جزئياً، فسيجد بايدن أنه يحتاج إلى تركيا كمقياس إقليمي.

يوجد اليوم الكثير من الساحات، من سوريا والعراق وليبيا، حيث أصبحت تركيا لاعباً استراتيجياً فيها.

وعلى بايدن أن يتعامل مع هذه “الحقائق على الأرض” سواء أعجبه ذلك أم لا.

وبالمثل، سيزداد الضغط الآن على السعودية لإنهاء حصارها على قطر، في حين أن جارتهم المباشرة، الإمارات ستعتبر دائماً سياسة قطر الخارجية الموالية للإسلاميين تهديداً وجودياً.

لكن الشيء نفسه لا ينطبق على الرياض التي أجرت بالفعل مفاوضات هادئة في عمان والكويت.

تصرفات بايدن في الشرق الأوسط سوف تمليها الأحداث, لكن خسارة ترامب تمثل فحصاً جسدياً لطموحات وتطلعات دول الخليج المهيمنة.

إنه عالم غير مستقر ومتقلب.

* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع.