صبري سميرة*

إن نقاش هذا الموضوع يتطلب مساحات واسعة من الكتابة، فهو يتناول قضايا ومجالات ومستويات وأبعاد واسعة وعميقة، ولكن يمكننا تقديم إطلالات عامة سريعة.

ابتداء وعموما فإنه من المتوقع أن يكون الرئيس المنتخب جو بايدن أفضل بكثير للمسلمين والعرب داخل أميركا، وفي نظرته للآخر عالميا. وكمعلومة تمهيدية فإن بايدن هو قائد مخضرم، ورجل سياسة وتشريع وشؤون خارجية ودولة، وحزبي ديمقراطي تقليدي متزن، ودبلوماسي، ويفضل القوة الناعمة، وبناء الأحلاف والتعاون الدولي، وهو ليس من أنصار الحروب عامة.

وعليه، فمن المتوقع أن يشابه بايدن في سياساته الخارجية -تحديدا- كثيرا ما كانت عليه في زمن أوباما، وكان له شخصيا دور في صناعتها، مع إضافات متوقعة بسبب اختلاف الزمان والمستشرف مستقبلا، وجزء من انحيازه المتوقع قليلا نحو مزيد من العدالة والديمقراطية في العالم ومنطقتنا؛ بسبب تزايد قوة نفوذ التقدميين والنسويين واليساريين والأقليات والمهاجرين والشباب داخل الحزب الديمقراطي المتغير سريعا، وكون نائبته امرأة أصغر منه وتقدمية وملونة، الذي يعطي بعض المؤشرات على ذلك، وتحقق تكاملا معه فيما ينقصه من ذلك.

وهكذا فإن العناوين العامة لسياسات بايدن الخارجية المتوقعة تجاه العرب وفلسطين قد تكون وفق التالي:

سيؤكد بايدن بأن دول الشرق الأوسط والعرب هم المسؤولون عن حل مشاكلهم، وألا ينتظروا حلا سحريا من أميركا، ولن يقوم بأية تدخلات عسكرية كبرى في المنطقة، وإذا استمرت الصراعات والحروب، فسيتابعها وفق حروب بالوكالة، وتوازنات القوى الدولية والإقليمية في المنطقة، وأساليب القوة الناعمة والجراحية المحددة.

وبالطبع فقد انسحبت أميركا كثيرا منذ أوباما من الشرق الأوسط كأولوية قصوى لها، مع الحفاظ على مصالحها الكبرى من طاقة وأسواق وتحالف إستراتيجي مع إسرائيل وقواعد عسكرية وأساطيل ودعم الأنظمة الحليفة. فأولوية أميركا منذ أوباما هي كبح جماح ومنافسة نفوذ الصين الاقتصادي والتكنولوجي العالمي المتصاعد.

وبالنسبة لقضية فلسطين، فيتوقع أن يعود بايدن إلى تأكيد أهمية حل الدولتين والالتزام بالمواقف السابقة للإدارات الأميركية عامة، وأهمية التفاوض بين جانبي “الصراع” والتواصل مع السلطة الفلسطينية، وسيتراجع عن بعض سياسات ترامب الشرسة في كل ذلك؛ ولكن لا يتوقع منه مثلا أن يلغي نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وقد يكتفي بأن يعلن بأن السفارة ستكون في القدس الغربية، وأما الشرقية فحلها وفق مفاوضات نهائية، ومن المتوقع منه تشجيع التطبيع العربي الإسرائيلي، وقد يستخدمه لمحاجاة إسرائيل وأنصارها بأهمية إيجاد حل “مقبول” للفلسطينيين بعدما زال الخطر العربي.

وليس متوقعا من بايدن أن يكون منفذا -كما كان ترامب- لطلبات نتنياهو اليميني ومن على يمينه الإسرائيلي؛ بل قد نشهد توترات له معهم كما حدث دائما مع كلينتون وأوباما، وسيكون بايدن أقرب إلى أطروحات اليسار الإسرائيلي المنهار، ولا يتوقع منه الموافقة على مشاريع إسرائيل بضم الضفة الغربية، ولن يتابع ما يسمى بصفقة القرن الفاضحة، وبالطبع سيبقى بايدن ونائبته أكثر منه كما أعلنوا دائما وتصرفوا من أشد الداعمين لإسرائيل؛ ولكن بطريقة إنقاذها من بعض شرور طمعها وأعمالها أيضا، وبما يتماشى مع السياسة الأميركية العامة في الشرق الأوسط، ومن ذلك مخالفة إسرائيل بخصوص إيران، فقد يعاود بايدن إحياء الاتفاق النووي معها، وقد كانت نائبة الرئيس الجديدة كامالا هاريس ممن انتقدوا ترامب بقوة لإلغائه الاتفاق مع ايران، وتعريضه لأمن ومصالح أميركا للخطر.

وبالطبع فإن السلطة الفلسطينية تتنفس الصعداء وستتوقف عن أي تنفيذ للتنسيق مع حماس، وإنهاء الانقسام وتبني المقاومة السلمية الشعبية، وستنتظر كرم البيت الأبيض، وسندخل في سنوات عديدة قادمة في الحلقة المفرغة من مسار التسوية السلمية، في المقابل فإن حماس ستتنفس الصعداء أيضا متوقعة أن تخفف أميركا من سياساتها الخانقة لها والمؤيدة لإسرائيل، ومتأملة أن تفتح لها طاقة للتواصل مع الإدارة الإميركية الجديدة، بعد أن قامت حماس بإطلاق وثيقتها السياسية التي تقبل واقعيا بحل الدولتين، والخلاصة كما في غيرها من قضايا العرب، فلن تستفيد فلسطين كثيرا إستراتيجيا من فوز بايدن ما لم يحدث التغيير الفلسطينيون والعرب أنفسهم، ويغيروا موازين القوى في المنطقة، وبايدن لن يحاول أن يغيرها ضد اسرائيل؛ لأن أميركا أيضا لها حساباتها ومصالحها وليست دائما وفق ما ترى إسرائيل.

ولكن يتوقع من بايدن أنه سيخفف جدا الضغط على الفلسطينيين والأردنيين والعرب بخصوص حلول القضية الفلسطينية، وسيقول لهم “دبروا حالكم، وحلوا مشاكلكم الكثيرة المعقدة الداخلية فيما بينكم وفي المنطقة”، وللأسف فهي كثيرة. فمواجهة أطماع الاحتلال الإسرائيلي وهيمنته في المنطقة هي مشكلة واحدة؛ ولكن مشاكل كوارث العرب وحروبهم الأهلية والدكتاتوريات والتدهور الاقتصادي وكورونا والفساد ومطالب الناس بالحرية والعدالة والعيش الكريم والكثير من القضايا والمشاكل.

ومن المتوقع أن يتابع بايدن مواقف وسياسات أوباما النظرية والعملية مثل التأكيد على أهمية الحريات وحقوق الإنسان والعدالة والسلام والانتقال إلى الديمقراطية، وسينتقد بايدن وتحت ضغط بعض قطاعات حزبه التقدمية بعض تجاوزات الأنظمة العربية الحاكمة؛ ولكنه لن يصل مبلغ الترويج للديمقراطية في المنطقة أو دعم أي جهة لإحداث ربيع عربي جديد.

بالطبع فإن الأنظمة القمعية الحليفة لترامب ستنزعج، ولن تكون مرتاحة من فوز بايدن؛ ولكنها ستحاول إرضاءه ومصالحته بطرقها المعتادة. وفِي المقابل فليس من المتوقع أن يتابع بايدن حرب ترامب على الإسلام السياسي والإخوان المسلمين مباشرة أو غير مباشرة؛ بل قد يفتح خطوطا خلفية معهم، وسيرفض الإسلاموفوبيا والشعبويات والعنصريات، وسيدعو ولو نظريا لاستيعاب الجميع في ديمقراطيات منشودة ترضي الشعوب، وهذا قد يدفع بعض الأنظمة إلى تهدئة هجمتها الشرسة جدا ضد الإخوان؛ إلا الأنظمة التي تعتبرهم خطرا وجوديا، ولكنها لن تستطيع الولوغ كثيرا في شعوبها، حيث ستتعرض لانتقادات حادة من الديمقراطيين التقدميين، ومن ثم من الرئيس بايدن وإدارته.

وبسبب بايدن وسياساته فمن المتوقع أن نشهد مصالحة خليجية، ومحاولات أميركية لإيجاد حلول للحروب في اليمن وليبيا وسوريا والصراعات الأخرى، ومحاولة إيجاد أنظمة حكم شرعية مستقرة فيها، والضغط باتجاه تراجع للاندفاعات والتدخلات الخليجية في هكذا ملفات حساسة، التي سببت نفوذا متزايدا لروسيا وتركيا وإيران. وبايدن لا يحبذ ذلك وله مواقف قوية معاكسة لكل هؤلاء، وهناك مواقف عدة لكامالا هاريس وهي في مجلس الشيوخ ترفض الحرب العبثية في اليمن.

وخلاصة ذلك قد يرى الكثيرون أن لا فرق بين ترامب وبايدن تجاه العرب وفلسطين؛ إلا أنه منهجيا وواقعيا وبدون أن نحمل أميركا وحدها مسؤولية كوارثنا، فإن بايدن سيختلف في كثير من الجوانب المهمة لنا عما كان عليه ترامب. فالحقيقة أن ترامب كان جاثوما شرسا مستفزا للكثيرين من الشعوب العربية والمسلمة والملونين في أميركا وحول العالم، ومسعرا لصراعات الأديان والأعراق والشعوب والهويات والحضارات، وفق أطروحات عنصرية مستعلية. وأما بايدن فمن المتوقع له أن يعود بأمريكا والعالم والشرق الأوسط إلى السياسة التقليدية وحساباتها الواقعية القائمة على المصالح والتوازنات والاستجابة إلى التغييرات في المنطقة، وما قد تحدثه نخبها وشعوبها وأنظمتها وحكوماتها ومعارضتها، والتفصيل في ذلك يحتاج دراسة كل ملف وقضية.

وللحديث بقية..

* المصدر : الجزيرة نت
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع