الدكتور حسن مرهج*

لا يُمكن لأي متابع للتطورات الشرق أوسطية، أن يُنكر دور إيران المركزي والبارز في قضايا المنطقة، خاصة أن الدور الإيراني مؤثرا في توازنات المنطقة. هذا الدور انعكس على اسرائيل والخطط الأمريكية جُملة وتفصيلاً، إذ لم يقتصر الدور الايراني على مقاومة وممانعة الدور الأمريكي والاسرائيلي في المنطقة، بل تعدا ذلك إلى تشكيل جبهات داخلية في دول المحور، لا سيما سوريا ولبنان، فضلًا عن اليمن، فالمتغيرات التي فُرضت من قبل ايران وعموم محور المقاومة، أوجدت معادلات لا يُمكن لأي جهة أو قوة إقليمية أو دولية، تجاهل تأثيراتها وحتى العبث بجزئياتها، والأهم في كل ذلك، بأن إيران نجحت وبشكل كبير في تشكيل جبهة أو حزام مقاوم، في مقابل الحزام الأمريكي ودول التطبيع، وبالتالي باتت ايران قوة اقليمية سياسية وعسكرية، لا يُمكن العبث معها، ولكن في المقابل فقد باتت ايران وبكل المستويات عاملا مؤثرا بل وفاعلا في عديد قضايا المنطقة.

حقيقة الأمر، أنه لا يُمكن لأحد أن ينكر قدرة ايران التكتيكية والاحترافية، بهندسة واقع إقليمي يعتمد على مبادئ الثورة الاسلامية في ايران، الرؤية الإيرانية انطلقت من جُزئيات الوطنية والاستراتيجية واحترام دول الاقليم، ومنع التعدي على سيادة أي دولة في المنطقة، ولعل هذه الثوابت الإيرانية قد حققت لدى الشعوب اكتفاءً لجهة التموضع في الصف الايراني ومحور المقاومة، فما حققته إيران خلال السنوات السابقة، يكاد يكون انتصارا استراتيجيا وتفوقا عسكريا على غالبية دول المنطقة، والمثال القوي الذي يحضر هنا، يأتي عقب اغتيال قاسم سليماني ورفاقه، وما تلاه من رد ايراني، لكنه كان ردًا مؤطر بكافة أركان المحور، فحين قمت ايران باستهداف القاعدة الامريكية في العراق، كان في ذات التوقيت جهوزية عالية لكل أطراف المحور، تحسبا لأي حماقة أمريكية.

يتفق الكثيرين بأن إيران تتعامل مع دول المحور بأخلاقيات وأدبيات الثورة الاسلامية، إذ تؤدي إيران واجباته تجاه دول المحور وتجاه شعبها، بما يتوافق والمصالح الاقليمية للدول المقاومة وشعوبها، ففي الملف العراقي والسوري واللبناني، نجد إيران تساعد وخبرائها في تعزيز الواقع الاقتصادي وكذا السياسي والعسكري، في مقابل محاولات امريكية للضغط على تلك الدول وشعوبها بسلاح الاقتصاد، المؤثر على المضامين السياسية والعسكرية، وعلى الرغم من قدرة إيران ومحور المقاومة على تحقيق انتصارات استراتيجية كبرى، إلا أن المهمة لم تنتهي بعد، فالانتصار شيء وتعزيز مقوماته والمحافظة عليه شيء أخر، وهذا ما تدركه ايران وعموم أركان محور المقاومة.

ولتعزيز هذا الواقع الجديد، الذي ارتكز على جزئيات الحرب الاقتصادية ضد دول المحور، وتحديدا سوريا، فقد اعتمدت ايران على نهج استراتيجي جديد قوامه محاربة الفساد في الداخل، والأذرع الامريكية في الخارج، مع إعداد بدائل تقي الشعوب كوارث الاقتصاد والحصار الأمريكي، وقد نجحت ايران في الكثير من المسائل الاقتصادية، لجهة إيصال النفط إلى سوريا، بل وتعزيز الواقع الاقتصادي عبر إنشاء مشاريع اقتصادية تتعلق بالكهرباء وغيرها من المسائل الاقتصادية التي تعزز الواقع السوري، و بوتيرة أخف دأبت طهران على اتباع هذا الأمر مع العراق ولبنان، مع اختلافات تتعلق بالنمط السياسي في بيروت وبغداد.

تدرك دول المحور وعلى رأسها ايران، أن تحدي واشنطن ومحورها ليس بالأمر السهل، ويتطلب الكثير من الحرفية السياسية والردع العسكري، ومعادلات استراتيجية مؤثرة وفاعلة على مستوى التوازنات الاقليمية، وعليه تعتمد ايران مبدأ المراجعة الشاملة لسياسات المحور كاملا، وقد اعتمدت في هذه الجزئية على تعزيز واقع الصمود لدى شعوب المحور، فالحاجة باتت ضاغطة أكثر مما مضى لإعادة النظر في أداء القوى والأنظمة السياسية في المنطقة، مع التأكيد على تلبية مطالب الشعوب وتحديدا في الجوانب الاقتصادية، لما لهذه الجوانب من أهمية عميقة ومؤثرة في بنيان محور المقاومة.

وعليه فإن ايران ودول المحور يحاولون ابتكار معادلة تُخرج الأمريكي من المنطقة، إذ لا خلاص لدول المحور والشعوب المقاومة، إلا بإخراج الأمريكي وفق استراتيجيات ومحددات ناظمة للعمل المقاوم سياسيا وعسكريا، والشعوب المقاومة جاهزة لمعركة إيلام الامريكي وإجباره على الانسحاب من المنطقة، وبالتالي فإن إيران ومحور المقاومة، لديهم من الرؤى والأهداف المستقبلية، ما سيكون مفاجئا لـ واشنطن ومحورها في المنطقة، فالمعركة لم تنتهي بعد، وإنما سيكون بين المعارك استراحة مقاتل وإعادة تقييم وضبط الأوضاع والمستجدات الجديدة، للانطلاق في رؤية جديدة، ترتكز على المقاومة لكن بنمط استراتيجي جديد، وفق معادلة طهران دمشق والمقاومة في فلسطين واليمن ولبنان.

* المصدر : رأي اليوم
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع