تراجع مكانة السعودية إقليمياً ودولياً في ظل سياسات ابن سلمان
السياسية :
تنتهج الرياض سياسات تهدف إلى تعزيز المكانة الإقليمية والدولية تزامناً مع زيادة صلاحيات محمد بن سلمان في يونيو 2017 ، بعد تعيينه وليّاً للعهد في السعودية عام 2015.
وعلى الرغم من أن هذه السياسات قد تم طرحها وتنفيذها منذ فترة وتزامناً مع وجود ابن سلمان على رأس أهم الركائز الاقتصادية والعسكرية للسعودية، إلا أن ولي العهد الأمير بن سلمان تسبب في إزاحة جميع المعوقات والعقبات وعناصر المعارضة بالكامل وأصبح تنفيذ هذه السياسات على جدول الأعمال. في الواقع ، منذ ذلك الحين ، أصبح بن سلمان الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية.
ومع ذلك، فإن دراسة نتائج سياسات ابن سلمان على المستويات الثلاثة، المحلية والإقليمية والدولية، تثبت أن سياساته فشلت على جميع المستويات الثلاثة هذه، وأن هذه السياسات، إضافة إلى فشلها في تحقيق النتائج المرجوة ، تسببت في تكاليف وأضرار باهظة للسعودية.
السياسات المحلية ونتائجها
تأتي في مقدمة سياسات ابن سلمان في مجال الشؤون الداخلية قضية الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، ومن خلال طرح وثيقة رؤية اقتصادية طموحة تسمى “رؤية 2030″، تحدث عن نيته لتحويل السعودية إلى اقتصاد قوي غير نفطي. في حين وصف العديد من الخبراء الاقتصاديين ، منذ البداية ، الرؤية بأنها “وهمية وغير قابلة للتطبيق”.
ومع ذلك ، فإن الإنجاز الاقتصادي الذي حققه ابن سلمان للسعودية حتى الآن لم يكن أكثر من عجز غير مسبوق في الميزانية بقيمة 260 مليار دولار ، ما دفع الرياض لمحاولة تغطية هذا العجز الضخم في الميزانية في الوقت الحالي وتجاهل الأهداف الكبرى، كما أن إلقاء القبض على بعض الأمراء ومصادرة ممتلكاتهم بحجة مكافحة الفساد لم تترك انطباعاً إيجابياً كبيراً في الرأي العام السعودي ، وتتعلق معظم هذه القضايا بصراع القوى بين الأمراء السعوديين ومحاولة ابن سلمان القضاء على خصومه.
من ناحية أخرى ، لم يكن للإصلاح الاجتماعي ، الذي كان إصلاحاً دراماتيكياظ في معظم المجالات وبعيداً عن مطالب المجتمع بالحريات السياسية والاجتماعية ، مصيراً أفضل من الإصلاح الاقتصادي، وقد واجهت هذه الإصلاحات مأزقاً خطيراً بسبب عدم توازنها وافتقارها إلى الإصلاح السياسي.
إضافة إلى ذلك ، قوبل انتقاد رجال الدين الوهابيين الحاد للإصلاحات ، بردٍ قاسٍ من ابن سلمان وسُجن عدد كبير منهم. وقد طغى هذا الأمر على برنامج الإصلاح ، وبدلاً من حل بعض القضايا ، أصبحت قضية جديدة في حد ذاتها ، ما تسبب في توترات وانقسامات على مستوى الحكومة السعودية.
كما أدت عملية الاعتقالات والإعدامات الجماعية والاغتيال الوحشي للناقد السعودي المعتدل جمال خاشقجي إلى التشكيك في طبيعة الإصلاحات ، فضلاً عن كونها مسرحية تُقدم للشعب السعودي ، وكذلك لجميع المراقبين الدوليين، لقد مَنع هذا الأمر محمد بن سلمان من تحقيق أهدافه في تنفيذ ما يسمى بسياسات الإصلاح.
السياسات الإقليمية ونتائجها
بشكل عام ، منذ بداية ولايته في وزارة الدفاع السعودية ، سعى محمد بن سلمان إلى تحويل السعودية إلى قوة مهيمنة إقليمية من خلال تبني سياسة عدوانية على المستوى الإقليمي ، ومن خلال إقصاء المنافسين الإقليميين السعوديين، ولم يتماشَ ذلك مع الوقائع الإقليمية وقوة السعودية ، وقوبل بمعارضة داخلية. ومع ذلك ، أدى تعيين ابن سلمان ولياً للعهد إلى القضاء التام على المعارضة وتنفيذ هذه السياسة بصلاحيات كبيرة من قبله.
كانت الخطوة الأولى لتنفيذ هذه السياسة هي غزو السعودية لليمن، هذا الغزو الذي كان من المفترض أن يغلق ملفه في أقل من أسبوع بالنسبة للسعوديين، لكنه الآن على وشك عامه السادس، ولم يحقق ابن سلمان شيئاً سوى أنه كلف الرياض نحو تريليون دولار. لذلك ، يبدو أن ابن سلمان توقف عند المحطة الأولى لسياسته العدوانية وأصبحت اليمن مستنقعاً لطموحاته.
إضافة إلى ملف اليمن ، فإن موقف الرياض المتناقض من القضية الفلسطينية أضر بشكل خطير بمقام السعودية ومكانتها الإقليمية.
وفي غضون ذلك ، تلتزم الرياض بحل السلام العربي، وترى أنه الحل الوحيد للقضية الفلسطينية كما أنها التزمت الصمت تجاه تطبيع العلاقات بين بعض الدول العربية والكيان الصهيوني ودعمت ذلك خفيةً.
الأمر المهم فيما يتعلق بعدم اتخاذ الرياض موقفاً واضحاً حول التطبيع ، هو التأكيد الضمني على عملية المصالحة والتطبيع الراهنة ، الأمر الذي يؤكد حقيقة هذا الادعاء من خلال تطبيع البحرين علاقاتها مع اسرائيل ، وكذلك العلاقات السرية التي حصلت في السنوات الأخيرة بين الرياض وتل أبيب.
كما زادت موجة الضغط والاعتقال التي تعرض لها الفلسطينيون المقيمون في السعودية في السنوات الأخيرة من حدة هذا التشاؤم. وأدى ذلك إلى تشاؤم الفلسطينيين من الرياض ، وتحاول تركيا وقطر الآن أخذ مكانة السعوديين السابقة.
من ناحية أخرى ، تحاول الرياض أن تلعب دوراً في مشروع وضعته واشنطن للمنطقة ، والذي يبدو أن الإمارات تسرق الكرة من الرياض فيما يتعلق بعلاقتها بأمريكا وهذا قد يضعف موقف السعودية في السياسة الإقليمية لأمريكا لمصلحة الإمارات، كل هذه العوامل تشير إلى فشل ابن سلمان في تحقيق أهدافه الإقليمية وفشل سياساته الإقليمية.
النتائج العكسية لسياسات ابن سلمان الدولية
على الصعيد الدولي، بذل ابن سلمان جهوداً كبيرة لتحويل السعودية إلى جهة فاعلة ومؤثرة في مختلف المنظمات والمؤسسات الدولية، ومع ذلك ، فقد تأثر ذلك بسياسات السعودية المحلية والإقليمية ، ومَنع الرياض من تحقيق أهدافها في هذا الصدد. ومن الواضح أن محاولة ابن سلمان اغتيال خصومه، وشن الحرب اليمنية إلى جانب القمع الداخلي الشديد ، شوهت صورة السعودية الدولية ومنعتها من لعب دور فاعل في المنظمات الدولية.
فشلت محاولة السعودية للانضمام إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، حيث انتقد عدد من الدول الأوروبية مؤخراً ترؤس السعودية لمجموعة العشرين.
وفي هذا الصدد ، إضافة إلى البرلمان الأوروبي ، الذي كان قد دعا سابقاً إلى خفض عدد المندوبين الذين يحضرون قمة مجموعة العشرين نظراً لأنشطة السعودية المناهضة لحقوق الإنسان، يسعى أعضاء الكونجرس الأمريكي الآن إلى اتخاذ إجراءات مماثلة لإفشال كل تطلعات الرياض التي تهدف لتعزيز مكانتها الدولية من خلال توليها رئاسة مجموعة العشرين.
وعليه ، يبدو أن مكانة السعودية على المستويين الإقليمي والدولي قد تراجعت بعد أكثر من خمس سنوات من وصول محمد بن سلمان إلى السلطة ، وسبب هذا الأمر أكثر من أي شيء آخر هو السياسات التي انتهجها ابن سلمان على الصعيدين المحلي والإقليمي.
* المصدر : الوقت التحليلي