“المعلومة الذهبية” التي أنقذت إسرائيل في حرب 1973
حماد صبح*
دأب الإسرائيليون في الذكرى السنوية لحربي 1967 و 1973 على الكشف عن معلومات وحقائق تتصل بأحداث هاتين الحربين الأمر الذي لا يفعله الجانب العربي ، وأعني مصر وسوريا ، إلا في القليل المتباعد ، ومن ثم لا يحدث التوازن المطلوب بين الرواية الإسرائيلية والرواية العربية .
في الذكرى السابعة والأربعين ، هذا العام ، لحرب 1973 ، كشف يوسي ميلمان محلل الشئون العسكرية في ” هآرتس ” عما سماه “المعلومة الذهبية ” التي نقلها جاسوس مصري إلى إسرائيل في 13 أكتوبر ، أي بعد أسبوع من بدء الحرب ؛ الأسبوع الذي أخفق فيه الجيش الإسرائيلي في صد هجوم الجيش المصري إخفاقا قذف إسرائيل إلى حافة الهزيمة الماحقة.
ومن أكبر أحداث الإخفاق الإسرائيلي تحطيم الجيش المصري للواء الإسرائيلي المدرع بقيادة عساف ياجوري ، ووقوع عساف في الأسر . بعد إخفاق الهجمات الإسرائيلية المعاكسة طوال أسبوع ضرب اليأس والرعب القيادة السياسية والقيادة العسكرية في إسرائيل، وطلب ديان وزير الدفاع الانسحاب من سيناء يأسا من الصمود فيها ، وللانصراف لمواجهة الجيش السوري الأخطر في الحرب لقربه جغرافيا من إسرائيل.
وفي المعلومات الإسرائيلية ذاتها أن ديان هم بالظهور على التليفزيون الإسرائيلي وإعلان هزيمة إسرائيل وتحطيم الهيكل الثالث (!)، وأوقفه زملاؤه في الوزارة لكارثية إعلانه على كل إسرائيل .
وفي اجتماع تملكه اليأس والغم للقيادة السياسية والعسكرية في 13 أكتوبر تلقى إيلي زعيرا رئيس الاستخبارات العسكرية اتصالا هاتفيا خرج من الاجتماع إلى مصدره، وعاد باسم الثغر مشرق الوجه ، فتفاءلت العيون الفزعة المتطلعة إليه بأن فرجا ما ظهر ، فبشرهم بما سرهم وقشع غمة كربهم: تلقى “المعلومة الذهبية”، ومحوريتها أن الجيش المصري سيطور هجومه ويزحف شرقا باتجاه القوات الإسرائيلية التي تستطيع عندئذ أن تجابهه في مواقعها الدفاعية بفاعلية أكبر، وهذا ما حدث، يضاف إليه انكشافه للهجمات الجوية الإسرائيلية لابتعاده عن نطاق حماية حائط صواريخ سام 2 وسام 3 غربي القناة الذي لا يزيد على 12 كيلومترا .
وهكذا ، حين تحرك الجيش المصري شرقا يوم 14 أكتوبر كانت كل القوات الإسرائيلية برية وجوية في انتظاره في أعلى جاهزية . وبدأت معركة الدبابات ، أكبر معركة من نوعها بعد معركة بروخو روفكا التي استمرت 48 يوما في صيف 1943 بين الدبابات الألمانية والدبابات السوفيتية قرب مدينة كورسك السوفيتية في الحرب العالمية الثانية . وشاركت 3000 آلاف دبابة مصرية وإسرائيلية في المعركة التي حسمت لصالح الجيش الإسرائيلي ، ومن أسباب حسمها سوى ما ذكرناه هنا ؛ تفوق الدبابات الإسرائيلية الأميركية الصنع في جملتها على الدبابات المصرية السوفيتية الصنع . ومن مزايا التفوق التي تمتعت بها بعض الدبابات الأميركية على نظيرتها السوفيتية أن مواسير مدافعها تنخفض أفقيا 10 درجات زيادة على انخفاض مواسير مدفعية الدبابات السوفيتية ، وهذا الفرق قاتل في معارك التلاحم لتمكينه الدبابة التي تتمتع به من إصابة الدبابة المواجهة ذات الانخفاض الأقل التي تتخطى قذائف مدفعيتها الدبابة التي تتمتع به .
ونشرت أسبوعية “روز اليوسف ” في القاهرة في خبر صغير جدا نبأ تغلب الدبابات الإسرائيلية على الدبابات المصرية .
هذا التغلب المشئوم الذي حرم فيه الجيش المصري التكافؤ مع جيش العدو ؛ مكن هذا الجيش من إحداث ثغرة الدفرسوار بالتحرك في المنطقة الفاصلة شرقي القناة بين الجيش الثاني والجيش االثالث المصريين ، وهي منطقة لم تتحدد مسئولية أي منهما عنها تحديدا عملياتيا واضحا ، ولا شك في أن هذا خطأ كبير من قيادة العمليات المصرية .
كان الإسرائيليون ، في تصوراتهم لسيناريوهات أي حرب مع مصر، قد رسموا الخطط لاحتمال عبورهم إلى غربي القناة ، وتدربوا عليه ، وسموا عمليته “الغزالة ” .
ولما حان تنفيذ العملية عبروا بداية بدبابات مصرية تحمل أعلاما عربية تمويها كانوا غنموها من سيناء في حرب 1967 ، وذات التمويه فعلوه في غزة في تلك الحرب .
وسارعت رئيسة وزرائهم جولدا مائير بالذهاب إلى غربي القناة والتقاط الصور لرفع معنويات الإسرائيليين المصعوقين من هزيمة جيشهم في الأسبوع الأول من الحرب .
وهكذا أنقذت خيانة ضابط خسيس النفس معدوم الوطنية إسرائيل من هزيمة ساحقة ماحقة ، وخطفت النصر الذي أوشك أن يكون واضحا حاسما لمصر وشرفاء العرب .
* المصدر : رأي اليوم
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع