البيان واضح ومحدّد ودقيق: لا للتطبيع
ليلى عماشا*
منذ الإعلان عن “التفاوض غير المباشر” مع كيان الاحتلال بشأن ترسيم الحدود، لم يبق ناطقٌ لم يدلِ بدلوه في سبيل تظهير الأمر وكأنّه تطبيعٌ مع العدو. بالغ البعض استنكارًا والبعض الآخر أراد لهذه الصورة الواهمة أن تنطبع في أذهان الناس لغاية في نفس سيّده الأميركي. مع العلم أنّه من البديهي استبيان أنه لا يمكن للتفاوض غير المباشر أن يحتمل أيّ تفسير تطبيعيّ بالصيغة التي تحدّث عنها رئيس مجلس النواب اللبناني الأستاذ نبيه برّي.. لكنّ الأميركي وأدواته أصرّوا على وضع الإعلان في السياق الذي يناسب أوهامهم بالسلام وبالتطبيع مع الاحتلال، وسعوا جهدهم كي يتخذ هذا التفاوض ولو شكليًا صورة يريد منها الصهيوني أن يثبت أنّه لم يزل الأقوى، وأنّ كلّ الدول العربية ستسلك طريق “التطبيع” والتفاهم معه.
في كلّ تلك الفترة، لم يكن من المنطقي أن تخرج المقاومة للردّ على الواهمين أو على من يتهمونها بالسعي للتفاوض مع العدو. فمسألة “وجودية” الصراع مع الصهاينة لا تحتاج إلى شرح وتبرير وإيضاح عدا عن كونها بديهية ومعروفة للعدو قبل الصديق ، وتهمة “التطبيع” معه تحمل كمًّا كبيرًا من التجنّي الواضح والاستغباء والكذب المفضوح بحيث لا يمكن النزول لمستواه والرد عليه.
أمّا الآن، وخضوعًا للضغط الأميركي بجعل هذا التفاوض صورة عمّا تريده “اسرائيل”، تمّ بشكل واضح وصريح الالتفاف حدّ التحايل على كلّ ما أعلن عنه الرئيس برّي في هذا الإطار. من تفاصيل تشكيل الوفد إلى الخروج عن كون هذا التفاوض مسألة تقنية وتحويلها، ولو شكلًا، إلى تفاوض سياسي، دخلت المسألة بوابة الريبة. ولذلك كان من الضروري أن يصدر بيان من حزب الله وحركة أمل يعيد وضع النقاط على الحروف ويحذّر من الرضوخ لرغبات الصهاينة واعطائهم بالسياسة ما عجزت كلّ آلتهم العسكرية وأدواتهم الإعلامية عن تحقيقه. فهذا البلد، الذي فرض على الصهيوني الوقوف عاجزًا على “اجر ونص” بفضل مقاومته، يبدو كمن يتعرّى من كلّ شرف ناله عبر بطولات المقاومة ويمضي إلى المشهد الذي تريده له أميركا ومعها “اسرائيل”.
اللافت في الأمر، أن كلّ من اتهم الثنائي الوطني بتطبيع العلاقات مع الصهاينة بحجة موافقته على التفاوض التقني غير المباشر، وزايد على المقاومة وأهلها بجذرية النظر إلى قضية فلسطين، سيقف الآن في طابور إدانة موقف حزب الله وحركة أمل الرافض تحويل هذا التفاوض إلى مشهد تطبيعيّ، وقد نجد من يدين البيان ويرى فيه تعطيلًا لمسألة حيوية بالنسبة للاقتصاد اللبناني.
لا يهم، فالنقاط قد وضعت على الحروف وهذا ما يعنينا كبيئة مقاومة أولًا، وثانيًا كمنتمين إلى الخط الوطني المدجح بكل أشكال الشرف المقاوم، والعصيّ على التحايل الخبيث في محاولة أخذ البلاد إلى مشروع التطبيع تحت أيّ عذر أو صيغة. الموقف واضح وصريح ومحدّد لمن لم يعرفه، فليقرأ البيان جيّدًا عسى يفهم أن الأرض المحنّاة بدم أهلها كي تحفظ شرف البلاد وعرضها ترفض رفضًا قاطعًا ونهائيًا أي تهاون في مسألة العداء للصهاينة، وأن هذه الأرض لن تطبّع، ولو بالشكل فقط، ولن ترتضي مذلّة أن يربح الصهيوني بالتفاوض غير المباشر ما عجزت عن تحقيقه ألوية نخبته العسكرية، وكلّ الناطقين المحليين باسمه على اختلاف صفاتهم ومناصبهم ومشاربهم.
* المصدر : موقع العهد الإخباري
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع