السياسية – رصد:

صنعاء – محمد راجح

يعد قطاع التعدين من أهم القطاعات التي عولت عليها اليمن في تنويع مصادر الدخل الوطني وتوفير فرص عمل، إذ لاتزال البلاد حديثة عهد بالصناعة التعدينية سواء كانت استخراجية أو تحويلية.

ولكن في المقابل وضعت الإمارات يدها على معظم الثروات المعدنية لتنهب بعضها وتمنع ضخ اليمنيين استثمارات في البعض الآخر.

وتشير الدراسات الاستكشافية الرسمية إلى أن قطاع التعدين في اليمن من القطاعات الواعدة بالنظر إلى ما تمتلكه من تنوع جيولوجي يسمح لتواجد موارد معدنية متنوعة من شأنها الدفع بعجلة التنمية والتخفيف من الفقر والبطالة.

وتكشف دراسة صادرة عن الهيئة العامة اليمنية للمساحة الجيولوجية والثروات المعدنية اطلعت عليها “العربي الجديد”، عن امتلاك اليمن احتياطيات كبيرة من الخامات الصناعية المكتشفة تتجاوز 900 مليون طن، وبعض الخامات تتجاوز التريليون، وتتميز بمواصفات فنية قياسية تؤهلها لمختلف التطبيقات الصناعية والإنشائية والزراعية وفرص استثمارية واعدة لرؤوس الأموال.

لكن عندما التفت اليمن إلى قطاعاته وثرواته الواعدة لمعالجة آفاته المزمنة، كان قد خرج معظمها عن السيطرة العامة للمؤسسات الرسمية المعنية، إذ كانت شركات إماراتية قد توغلت وهيمنت على أبرز ما كان متاحا من ثروات مستخرجة مثل الذهب والإسمنت والحديد والفضة والنحاس واقتربت كثيراً من الزنك والرصاص.

وفق خبراء جيولوجيا ومسؤولين في قطاع المعادن، فقد ساهم النظام السابق في اليمن في تسهيل مهمة الإمارات منذ وقت مبكر لتنفيذ أهدافها في السيطرة على ثروات ومواقع اليمن والتي بدت جلية بعد حرب 2015. إضافة إلى استغلال ما كان سائدا من فوضى في منح التراخيص للمشاريع الاستثمارية وغياب معايير محددة يتم اشتراطها لنجاح المشاريع بالتزامن مع عراقيل كانت توضع أمام المستثمرين اليمنيين.

وتشير تقارير هيئة المساحة (حكومية) إلى ما شهدته اليمن من نشاط ملحوظ طوال السنوات الماضية في مجال المعادن وأعمال شركات التعدين التي تدفقت بشكل رئيسي قبل اندلاع الحرب في البلاد عام 2015، بحسب بيانات الهيئة فقد وصل عدد الشركات التعدينية العاملة في اليمن إلى نحو 16 شركة يمنية وعربية وعالمية مع بقاء شركات التنقيب عن الذهب في وضعية مجهولة.

ما فرضته الحرب في اليمن من أحداث وتبعات كشفت هذا المخطط الذي دفع بالإمارات للالتحاق بالسعودية في الحرب الدائرة منذ ما يقارب ستة أعوام، حيث اتضح أن معظم الشركات التي تم منحها تراخيص الاستثمار في قطاع المعادن كانت إماراتية خالصة أو شريكة رئيسية للشركات اليمنية والعالمية المستثمرة في هذا القطاع.

في السياق، يؤكد الخبير في مجال المعادن منصور المعلمي، أن الموارد المعدنية في اليمن مثل النفط والغاز والموارد الأخرى كانت ضمن مخطط واسع رسمته الإمارات قبل الدخول في حرب اليمن.

لذا استغلت الحرب بصورة بشعة في عزل وإخفاء ثروات اليمن ومواردها الواعدة، حسب المعلمي، والتي عرقلت وضعية البلاد الاقتصادية والمالية استغلالها واستخراجها لتأتي دولتا التحالف وتستغلا هذه الوضعية التي أدت إلى عزل مواقع جغرافية والسيطرة عليها واستقطاع جزر ومضائق البلاد وإخفاء ثروة ومشاريع تعدينية أصبحت في عالم النسيان وكأنها تتبع دولة أخرى.

ويعتقد المعلمي في حديثه لـ”العربي الجديد”، أن قطاع المعادن في اليمن قد يكون في طليعة المخطط الإماراتي بعد التطبيع مع إسرائيل وما يلوح في الأفق من حديث حول شراكة استثمارية واقتصادية عامة بينهما قد تكون اليمن إحدى ساحاتها الرئيسية والذي يظهر من تصرفات الإمارات التي عمدت إلى بسط نفوذها على أهم الموانئ مثل بلحاف والمخا وعدن لاستخدامها كمرتكزات رئيسية في هذا المخطط الهادف لاستغلال ثروات وموارد اليمن التعدينية والتي تتحكم بها شركات تابعة لحليفة السعودية في تحالف الحرب في اليمن.

وفي الوقت الذي تعمل السعودية على وضع يدها على المحافظات ذات الأهمية الاستراتيجية كمواقع جغرافية بارزة مثل المهرة، يشمل التركيز الإماراتي مناطق ومحافظات غنية بالموارد والثروات التعدينية مثل حضرموت وسقطرى في مسارات متوازية مع جهود أخرى تبذلها للاستحواذ على موانئ حضرموت الاستراتيجية المطلة على البحر العربي.

تحتوي حضرموت وجزء من شبوة والمهرة على مخزون نفطي كبير ومواقع استكشافية واعدة في الثروات المعدنية خصوصاً الذهب والزنك والرصاص والحديد والإسمنت والفضة والنحاس وغيرها من المعادن الفلزية ذات الأهمية الصناعية.

وتؤكد تقارير رسمية اطلعت عليها “العربي الجديد”، احتواء المناطق الجنوبية الشرقية على نحو 40 قطاعاَ نفطياَ إلى جانب مواقع عديدة في المعادن تزيد على 20 موقعاً منها 6 مواقع منتجة للذهب تتحكم بها شركات إماراتية تقوم بتهريب هذا الخام النفيس عبر ميناء الضبة الخاضع لسيطرة قوات عسكرية تابعة لها، وهو ما شكل دافعا للإمارات لتعزيز وجودها في هذه الرقعة الجغرافية من اليمن.

وفي الوقت الذي لا يزال فيه مصير 16 موقعاً لاستكشاف واستخراج الذهب غامضاً في اليمن، يعتقد على نطاق واسع سيطرة شركات إماراتية عليها، تقدر دراسة هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية احتياطي اليمن من هذا الخام النفيس بأكثر من 100 مليون طن منتشرة في 24 موقعا استكشافيا.

في السياق، يشير الخبير في الهيئة اليمنية للمساحة الجيولوجية والثروات المعدنية، محمد صديق، إلى ما تتميز به اليمن من ثروات تعدينية هائلة والتي أدت إلى قيام العديد من الصناعات القائمة على المعادن والصخور الإنشائية والصناعية، إلا أن الصعوبة وفق حديثه لـ”العربي الجديد”، تمثلت في التحول إلى دولة منتجة للمعادن الفلزية، نظراً لتشتت وتبعثر هذه الثروة والمواقع الاستكشافية التي اختطفتها شركات ومؤسسات عملت في معزل عن السلطات الرسمية الحكومية في اليمن.

ويرى أن عملية استغلال واستثمار الثروات التعدينية بشكل عام تحتاج بدرجة رئيسية إلى بعض المشاريع الاستراتيجية كالسكك الحديدية والأهم الموانئ الخاصة بالتصدير، وهو ما لم تجده اليمن خصوصاً بعد الحرب بعدما فقدت كثيرا من المواقع الاقتصادية السيادية والاستراتيجية التي خرجت من يدها عقب مسارعة دولتي التحالف وبالأخص الإمارات، إلى السيطرة عليها بصورة مريبة لأنها كانت من أهم أهدافها لمشاركة السعودية بتحالف الحرب في اليمن.

ويرى خبراء أن ثروات اليمن التعدينية توجد في المناطق الأكثر اضطراباً، مثل منجم جبل صلب بالقرب من منطقة الفرض ما بين صنعاء ومأرب والتي تشهد اضطرابات ومعارك شرسة لم تتوقف منذ بداية الحرب في اليمن.

وفق مصادر محلية، رفضت ذكر أسمائها، فإن أهمية هذا المشروع والثروة ذات الجدوى الاقتصادية التي يحتويها، كان أحد الأسباب التي جعلت الإمارات شريكة السعودية في التحالف تصطدم بمأرب شمال شرق اليمن، وتضعها ضمن قائمة أعدائها في اليمن بعد أن وجدت صعوبة في السيطرة على أبرز مناطق اليمن الشمالية الشرقية الغنية بالنفط والغاز والمعادن.

وتؤكد المصادر التي تحدثت لـ”العربي الجديد”، أنه كان هناك مخطط إماراتي لاستئناف المشروع عبر شركات إماراتية وفق فترة استغلال طويلة الأمد، لكن عدم التجاوب المباشر مع هذا المخطط جعل هذه المنطقة مشتعلة منذ بداية الحرب وغير مستقرة حتى الاَن، إذ ظلت منطقة صراع متواصل بين الحوثيين والقوات الحكومية.

هذا المشروع المتعثر منذ ما قبل الحرب ووصلت تكلفته إلى ما يقارب 200 مليون دولار، ويعد أحد أهم وأكبر مناجم الزنك والرصاص ليس في اليمن فقط في المنطقة العربية، كان مقررا له معالجة 800 ألف طن من الزنك الخام سنوياً وتحويلها إلى 80 ألف طن من الزنك المركز.

في حال تنفيذه كان سيجعل اليمن ضمن أكبر 20 دولة منتجة للزنك على مستوى العالم واستغلال أكبر ثروة يتميز بها البلد والمتمثلة بالمعادن وما يحتويه هذا القطاع من خامات هائلة تدخل في العديد من الصناعات التحويلية وغيرها من الفرص الاقتصادية الواعدة ورفد خزينة الدولة بنحو 160مليون دولار سنوياً.

ويعتبر الباحث الاقتصادي عصام مقبل، مشروع جبل صلب من أهم المواقع والمشاريع الواعدة في اليمن في ظل توفر ثروة مؤكدة مكتشفة ودراسات جدوى اقتصادية جاهزة للمشروع الذي يحتاج فقط للاستقرار ووجود دولة في اليمن وقبل كل شيء توقف الحرب، وبالتالي ستكون هناك شركات ورؤوس أموال وطنية وخارجية ستجد في هذا المشروع ضالتها في الاستثمار.

لكن ما يشهده اليمن كما يؤكد مقبل لـ”العربي الجديد”، منذ بداية الحرب الدائرة في البلاد عبارة عن سياسة ممنهجة لإضعاف قدراتها الاقتصادية رغم محدوديتها والسيطرة على مواقعها وثرواتها ومقدراتها لتسهيل مهمة تنفيذ أجندة التحالف المشبوهة.

* المصدر : العربي الجديد

* المادة الصحفية تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع