بقلم: اوليفييه هان

باريس, 1 اغسطس, 2018 ( موقع” fr.aleteia*”الناطق باللغة الفرنسية- ترجمة: أسماء بجاش-سبا)

ألقت الأزمة الإنسانية بظلالها على الحرب المحتدمة في اليمن وقد تدوم طويلاً, حيث أن التصعيد في المنطقة أمراً حتمي لا مفر منه, إذ قد يؤل الأمر إلى تقسيم وحشي لهذا البلد, في الوقت الذي وصلت فيه القوى المنخرطة في خضم هذه الحرب إلى مرحلة من الجمود.

شهدت العاصمة الفرنسية باريس في 27 من يونيو المنصرم, تحت رعاية الرئيس “إيمانويل مكرون” والمملكة العربية السعودية، عقد مؤتمر لمعالجة الأزمة الإنساني المروعة التي تدور رحاها في اليمن.

فمنذ يناير من العام  2015، أدى الصراع المحتدم في اليمن إلى مقتل ما لا يقل عن  10 آلاف شخص وتشريد 2 مليون آخرين, في حين أطبق وباء الكوليرا خناقه بصورة دراماتيكية على 1 مليون شخص.

كما يحتاج 22 مليون نسمة من أجمالي عدد السكان البالغ عددهم 26 مليون إلى مساعدات إنسانية خارجية من أجل البقاء على قيد الحياة.

ومن جانبها, تُجمع وسائل الإعلام على أن هذه الحرب تحمل طابعاً دينياً بين أنصار المذهب السني والشيعي، في حين يسعى المتمردين الحوثيين إلى فرض مذهبهم الزيدي ذو الغطاء الشيعي المنبثق من قبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تلعب دوراً رئيسي في الصراع المذهبي في منطقة الشرق الأوسط، بيد أن الواقع يبدو أكثر تعقيداً.

اليمنيون ليسوا شيعة, لكنهم زيديون:

انفصلت الطائفة الزيدية عن المذهب الشيعي على اقرب تقدير في العام 740 هجرية, إذ يرى المذهب الشيعي أن سلطة الخلافة أو ما يعرف ايضاً بالإمامة يجب أن تكون من نسل علي وفاطمة – اقرباء نبي الاسلام محمد-  بينما يدافع هذا المذهب عن الحاجة إلى توافق الآراء بشأن تسمية الإمام وهي نظرية قريبة من أهل المذهب السني.

كما إنهم يؤكدون أيضاً قبل كل شيء أن القوة الشرعية يجب أن يتم الدفاع عنها ولو بالقوة حتى وأن تم الاستيلاء عليها بواسطة الأسلحة والتمرد.

طور “يحيى بن الحسين الهادي” مبدأ الطائفة الزيدية وأصبح أميراً على اليمن في الفترة ما بين  911-897 وأنشأ هناك ما يُعرف الآن بالزيدية, وهذا التيار لا يمكن اختزاله في التشيع “الكلاسيكي” أو ما يعرف أيضاً بالإثني عشرية السائدة في إيران.

وبالإضافة إلى ذلك، فان هذه العقيدة ليست فريدة في هذا البلد، حيث أن هذا المذهب لا يمثل سوى ثلث سكان اليمن, في حين يغلب المذهب السني الشافعي على طول امتداد اليمن في المناطق الشرقية والجنوبية, بينما ترتبط المملكة العربية السعودية بشكل رسمياً بالمذهب السني الحنبلي في شكله الوهابي.

اليمن الشمالي واليمن الجنوبي:

لطالما كان اليمن دائما عبارة عن كيانين منفصلين, ففي الشمال سيطرت “دولة الإمامة” التي احتلت في العصر الحديث من قبل الدولة العثمانية التي هُزمت فيما بعد, حيث أهدت تلك الهزيمة التركية اليمن الشمالي استقلاله في العام 1918 ودخل اليمن فترة جديدة تحت حكم الإمام “يحيى” الذي عمل على عزل البلد بشكل كامل.

آلت السلطة بعد عملية الاغتيال التي تعرض لها الأمام يحيى في العام 1948 إلى ابنه الذي لم يحالفه الحظ في فرض سيطرته على صنعاء.

كان العام 1962 شاهداً على مقتل الإمام يحيى وإحكام الثوار قبضتهم على البلد, حيث كان هذا الفصيل متأثرا بالقومية العربية والناصرية, حيث تم إلغاء مبدأ الإمامة.

دخلت اليمن على الفور فترة من الحرب الأهلية، تميزت بتدخلات عسكرية خارجية من قبل مصر والمملكة العربية السعودية.

توالت الأحداث في البلد, وتربع الرئيس “علي عبد الله صالح” على عرش اليمن الشمالي منذ العام 1978 إلى العام 2011/ 2012- الذي تخللته انتفاضة شعبية عارمة عمت أرجاء البلد, نتج عنها تنحي “صالح” عن سدة الحكم.

ولم يكن جنوب اليمن أحسن حالاً من شماله, فقد كان الجنوب الذي يحتضن ميناء عدن عبارة عن مستعمرة إنجليزية ومصدراً يسيل له اللُعاب منذ العام 1839.

تم إجلاء آخر جندي من الحظيرة البريطانية في اليمن الجنوبي في العام 1967, وتحول اليمن الجنوبي بعد ذلك إلى النظام ماركسي القريب من نظام الاتحاد السوفياتي.

ومع ذلك، انطلقت حملات منادية وتعالت الأصوات في كلا شطري اليمن من أجل إعادة توحيد البلدين, وهي عملية زادت فرص تحقيقها بسبب سقوط الاتحاد السوفياتي، حيث لم تعد موسكو قادرة على دعم الماركسية في جنوب اليمن.

وفي مايو 1990، تم الإعلان رسميًا عن إعادة توحيد شطري اليمن، حيث أصبح الرئيس صالح رئيس الدولة الجديدة، وبذلك وضع الأوليغارشية الشمالية بالكامل على رأس اليمن – الأوليغارشية أو حكم الأقلية هي شكل من أشكال الحكم بحيث تكون السلطة السياسية محصورة بيد فئة صغيرة من المجتمع تتميز بالمال أو النسب أو السلطة العسكرية – ومنذ ذلك الحين، استمرت التوترات في التفاقم وأدت إلى اندلاع حرب أهلية جديدة في صيف العام 1994.

انشقاق ديني؟

ميليشيات الحوثي التي قادت تمرداً في اليمن منذ العام  2014، رأت النور لأول مرة على يد مؤسس الحركة “حسين بدر الدين الحوثي” وذلك بعد قيام الثورة التي قام بها أبناء الشطر الشمالي والتي اندلعت في العام 1962، لضمان استمرارية الإمامة والمذهب الزيدي والثقافة القبلية القديمة.

اضطر الرئيس صالح للتعامل مع ميليشيات الحوثي لفترة طويلة، ولكن التأثير الدبلوماسي للولايات المتحدة الأمريكية بعد الأحداث التي شهدها العالم في 11 سبتمبر 2001 و “الحرب على الإرهاب”، التي شارك فيها “صالح” بشكل رسمي، عمل على كسر وحدة الواجهة بين الحكومة والنخب الزيدية, والنتيجة كانت التخلص من “حسين الحوثي” في العام 2004, باتفاق مع الرئيس صالح.

ولكن النفوذ المتنامي للتيار السني في اليمن وجماعة الإخوان المسلمين والسلفيين من تنظيم القاعدة والتيار الوهابي في المملكة العربية السعودية وضعت موضع تساؤل التوازن الديني التقليدي.

احتشدت المناطق الجنوبية والنخب السنية بصورة تدريجية صوب عولمة الإسلام والأيديولوجية الرافضة لأسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة الذي تنحدر أصوله من اليمن.

اليمن بين الحوثيين والقاعدة والمملكة العربية السعودية:

بالرغم من الهيمنة السياسية للتيار الزيدي على اليمن في جزءه الشمالي لما يقرب من ألف عام، إلا أن أتباعه يخشون كسر شوكتهم من قبل مد تنظيم القاعدة والمملكة العربية السعودية المتاخمة لهم.

ومن جانبه، أيقن الرئيس صالح أن نظام حكمه أصبح مهدداً من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، التي أرادت إضفاء الطابع الديمقراطي على أنظمة الدول العربية التي شهدت ثورات الربيع العربي.

تناسى الرئيس “صالح”  الأحداث الأخيرة التي شنها على ميليشيات الحوثي قبل اندلاع ثورات الربيع العربي، حيث قرر دعم الحوثيين وذلك للحفاظ على السلطة في مواجهة تنظيم القاعدة وطموح واشنطن.

بيد أنه تم الإطاحة به في العام 2011 ليحل محله نائبه في ذلك الوقت”عبد ربه منصور هادي” وهو سني مرن مع الأجندات السعودية, وكان هذا بمثابة انتصار سياسي للمشروع الأمريكي – السعودي.

وبعد تنحي الرئيس صالح عن السلطة, استولى التيار السني في المناطق الجنوبية على الحكومة بدلاً من التيار الزيدي.

وعلى الفور أقدمت المليشيات الحوثية على اجتياح العاصمة صنعاء في سبتمبر من العام 2014, واستمروا بالسيطرة على معظم الأراضي اليمنية إلى أن وصلوا إلى ميناء عدن الجنوبي الذي تم السيطرة عليه في مارس من العام  2015 بشكل مؤقت.

عانت البلد من التفكك والتمزق,  حيث أضحى ما عُرف سابقاً بالشطر الشمالي بأكمله تحت سيطرة الحوثيون.

ومن جانبها, توددت الحكومة اليمنية السنية من الجارة السعودية, بيد أن هذا التودد بدأ وكأنه مخزً لأهل السنة من أبناء مدينة عدن. وبالتالي تم تشكيل تيار انفصالي في جنوب اليمن، معلناً العصيان في وجهة الحكومة المركزية.

اغتنم الفرع المحلي لتنظيم القاعدة في اليمن من هذه الأحداث وعمل على الحصول على موطئ قدم له في الجزء الجنوبي للبلد، تحت مسمى تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية .

لطالما آرق وجود تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية مضجع الولايات المتحدة الأمريكية التي عملت من جانبها على تسيير غارات جوية بواسطة طائرات بدون طيار, في الوقت الذي تركت فيه جماعة الحوثي على آمل أن تتمكن الجماعة من كسر شوكة التنظيمات الجهادية.

ولكن العام 2014 شهد عودة طهران إلى الساحة الدولية، مجدداً حيث صنفت الإدارة الأمريكية جماعة الحوثي تحت بند الطابور الخامس التابع للمذهب الشيعي.

وما لبثت الإدارة الأمريكية حتى غيرت موقفها بشكل مفاجأ, حيث أدارت ظهرها للجماعات السلفية وأعطت الرياض الضوء الأخضر لبدء التدخل العسكري في اليمن ضد تلك الجماعة.

الجميع يد واحدة ضد الحوثيون:

أخذت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة منذ العام 2014 على عاتقهما رفع راية الجهاد ضد المد الشيعي في اليمن.

وللقيام بذلك، عملت الرياض وأبو ظبي على حشد المرتزقة من الدول السنية التي يمولونها بما في ذلك المرتزقة من التشاد والسودان.

ومن جانبها, عملت فرنسا على تقديم الدعم العسكري لدول التحالف العربي المنضوية تحت راية الرياض، لذا يجب أن يُنظر إلى المؤتمر الأخير الذي احتضنته العاصمة باريس على أنه عمل جيوسياسي وليس مجرد لقاء يسعى إلى تحقيق أهداف إنسانية.

إن الهدف الضمني الذي خرج به مؤتمر باريس يكمن في وقوع البلد في شرك اكبر أزمة إنسانية كان سببها الرئيسي جماعة الحوثي, بينما كان المؤتمر صريحاً أيضاً في إدانة وحشية القصف السعودي.

ترى دول الخليج في هذا الفصيل خطراً تسعى القوات الإيرانية لاحتوائه في جنوب شبه الجزيرة العربية, كما يعمل الجيش الإيراني أيضاً على توريد الأسلحة والصواريخ بشكل منتظم إلى ميناء الحديدة القابع تحت سيطرة الحوثيون. وهذا هو السبب الذي يسدل الستار عن أن التحالف العربي بقيادة الرياض تعهد بتطهير هذا المنفذ البحري الاستراتيجي في يونيو الماضي من سيطرة المليشيات.

دلائل على أن الدول الخارجية المعنية بحرب اليمن تتدخل وفقا لأجنداتها الخاصة:

المملكة العربية السعودية تؤيد الرئيس “عبد ربه منصور هادي”، في حين أن دولة الإمارات عاكفة على دعم الجماعات الانفصالية في الجنوب، إلا أن الدولتان في نفس الوقت متحالفتان ضد جماعة الحوثي.

استفادت أبو ظبي من الأزمة التي نتجت عن احتلال جزيرة سقطرى اليمنية، وهي الخطوة غير المقبولة بموجب القانون الدولي.

اختار قصر الاليزيه الفرنسي الدفاع عن المصالح السعودية والتي كلفها الكثير منذ مارس 2018، إذ تسعى المنظمات غير الحكومية إلى إجراء تحقيق في انتهاك التزاماتها الدولية، بسبب شحنات بيع الأسلحة إلى الأطراف المناوئة للحوثيين.

وفي حال تم إدانة الرياض بارتكاب جرائم حرب بسبب الغارات الجوية التي تشنها على اليمن، فإن فرنسا ستكون متورطة أيضاً في تلك الجرائم  بحكم الأمر الواقع.

المسيحية المتبقية وحمايتها:

سطع نجم الديانة المسيحية في اليمن في العصور القديمة وفي أوائل العصور الوسطى, حيث تركزت الديانة المسيحية في المرتفعات الجبلية الغنية بالوديان الخصبة وفي المدن الصغيرة، ومنذ القرن الخامس شهدت التجمعات التي عُرفت باسم النسطورية أوج ازدهارها- كنيسة مسيحية وجزء تاريخي من تقليد المسيحية السريانية ضمن المسيحية الشرقية- في مجمع أفسس أعظم المٌدن الإغريقية القديمة في الأناضول سنة 431.

وعلى الرغم من أن الأغلبية المسيحية لم تتمكن من مقاومة الفتح الإسلامي بعد قرنين من الزمان، إلا أن المنطقة ساد فيها وبشكل تدريجي الدين الإسلامي.

عمل انتشار التيار الزيدي في اليمن على تضيق الخناق على الطائفة المسيحية, وبالرغم من ذلك فأن القليل من المسيحيين ظلوا على ديانتهم.

وخلال الفترة التي شهدت وجود الحامية البريطانية وفترة ما بعد الاستقلال في الجنوب تمكن الأجانب- الأفارقة, والهنود والغربيين- المسيحيين أن يستقروا ويمارسون شعائرهم العقائدية بحرية تامة.

تُقدر الديانة الرسولية في جنوب شبه الجزيرة العربية ومقرها في أبو ظبي بحوالي 4000 شخص.

لوحظ وجود حركة تحويل خجولة لمدة عشرون عاما، وخصوصا تحت تأثير الحركات الإنجيلية: البعثة، والتلفزيون والإنترنت، ولكن المعمودية لطالما كانت هي الأخطر.

وبالتالي كان الإخفاء أو الهجرة من البلد هو العُرف السائد, ويكفي أن أقول إن بعض المسيحيين هم الأكثر عرضة للتهديد من بين كل اليمنيين …

النتيجة …

على الرغم من عدد الدول التي اجتمعت ضد جماعة الحوثي، لا يزال هذا الفصيل مستمر في مقاومتهم، في حين أن تلك القوات يخشون من الحرب البرية, مكتفين فقط بالمشاركة الجوية وعمليات القوات الخاصة.

لا أحد يمتلك حل سياسي لهذه الأزمة, في الوقت الذي أصبحت فيه اليمن دولة مفلسة تعاني من الفساد والتطرف الإسلامي والميليشيات.

ومهما كانت الأسباب التي آدت إلى رفع مكانة الحوثيون، فإن السلام الذي سيظهر في اليمن سيكون بالضرورة سلام غير عادل، لأنه سيتم الحصول عليه بطريقة وحشية.

وبالتالي فهذا سوف يدفع بطهران إلى الانخراط في هذا الصراع، أو على الأقل القيام بكل شيء لزعزعة استقرار المتحاربين, لذا فأن التصعيد نتيجة حتمية في المنطقة وأمر لا مفر منه، مثل تقسيم البلد.

كما يبدو أن عودة اليمن إلى سابق عهده يعتبر الأسوأ من بين الحلول, في حين يلوح خياراً ثالث في سماء الأزمة اليمنية والذي يتمحور حول خلق دولة ثالثة في مدينة عدن الجنوبية, وذلك في حال أعلن الانفصاليون السُنة الانفصال عن الرئيس “هادي”.