بسام أبو شريف*

الذهول الذي أصاب عددا كبيرا من العرب طال مفكرين وكتابا وأدباء يشهد لهم بالصلابة والمواقف الباسلة ، ولمسنا أن قرار حكام بعض الدول العربية بتطبيع العلاقات مع اسرائيل قد أثر سلبا في معنويات عدد كبير من الوطنيين والقوميين والثوريين .

وأكاد أقول حتى بعض المناضلين نالهم قسط من التأثير السلبي من حملات الامبرياليين والصهاينة وعملائهم ، لكن رغم فداحة الخطوات الاستسلامية التي اتخذتها بعض الأنظمة العربية ، وسوف يلي هذه الخطوات خطوات اخرى مشابهة تتخذها أنظمة عربية ، فان هذه المواقف كشفت وبشكل لايقبل الشك بأن علاقات هذه الأنظمة مع اسرائيل وتعاونها مع العدو الصهيوني التي كانت سرية على مدى ثلاثة عقود أوأكثر أصبحت الآن مكشوفة كليا ، ولم يعد هنالك أي مجال لهامش نجاة لأي من هذه الأنظمة من التصنيف الواضح وهو : الاستسلام للعدو الصهيوني ، وطعن الفلسطينيين والجماهير العربية بالخناجر السامة في الخاصرة ، لذلك يجب أن تسرع القوى الثورية في استنهاض الجماهير العربية لتتصدى لهؤلاء الذين هانوا وهان الهوان عليهم ، فالذي قاله غاتس حول هذه الأنظمة صحيح مئة بالمئة .

فقد رفض غاتس شريك نتنياهو في الحكم بشكل قاطع الموافقة على تزويد الامارات بطائرات ف 35 ( حتى لو نزع منها أجهزة دقيقة وحساسة ) ، ” لأن هذه الأنظمة معرضة للانهيار أو التغيير ، وقد تقع هذه الأسلحة بيد أعداء لاسرائيل ، وعلى الاسرائيليين أن يحافظوا على تفوقهم العسكري على كافة دول الشرق الأوسط بما فيها ايران ” .

هذا ما يقوله الاسرائيليون الذين أكدوا على لسان نتنياهو : ” انه سلام مقابل السلام ، ولن نغير من برنامج ضم الضفة انما طلب منا ترامب تأجيله ، وسنضم الضفة فهذا الاتفاق ، هو اتفاق سياسي واقتصادي وحلف للتصدي لايران ” .

هذه الاتفاقات جعلت الحركة الصهيونية تفتح خزائنها على مخلفاتها القديمة التي احتفظت فيها طوال هذه السنوات حتى تحين لحظة مناسبة لتنفيذها ، ومنها أن تصبح حيفا ميناء رئيسيا للدول الخليجية ، ونقطة أساسية لتصدير النفط العربي عبر أنابيب تمتد من الخليج الى حيفا وهذا ضمن المخطط يتطلب تركيع سوريا ، واستخدام الاردن ، وتدمير مرفأ بيروت لتحل حيفا مكانه ، ومنها جر مياه النيل لاسرائيل ومياه الفرات ، وبشكل عام خطط الصهاينة تستهدف التحكم بالشرق الأوسط كامبريالية صهيونية ، ومن خلال تحكمها بنفط العرب تتحكم بالعالم كما تفعل واشنطن الآن ، لكن المخطط الصهيوني يستهدف أيضا السيطرة على واشنطن كليا لأنها تعتبر سيطرتها الراهنة جزئية ، وهنا يمكننا القول أن لدى الحركة الصهيونية عدة سيناريوهات منها السيناريوالابراهيمي لضرب الاسلام والمسيحية ، وتحويل أتباع الدين المسيحي ، وأتباع الدين الاسلامي الى عبيد عند اليهود لأنهم ابراهيميون ، وابراهيم يهودي وسيناريو يركز على حرف المسيحيين عن دينهم واقناعهم بانهم يهود كما يجري الآن في اميركا ” المسيحيون الجدد ” ، لا أريد أن أتوغل في هذه السيناريوهات لكن ذكرها وتسجيلها يعطي فكرة عن المخاطر الجسيمة التي تنطوي عليها مواقف فتح أبواب الخليج ومكة للصهاينة.

لاشك أن ردود فعل الجماهير العربية في البلدان التي ستوقع الاتفاقات مع اسرائيل شبه معدومة ميدانيا الآن ، ولاشك كذلك أن البيانات التي صدرت عن مجموعات وطنية وقومية وثورية ( معظمها في المنفى ) ، لها معنى كبير لكنها لا تؤثر ميدانيا ، ولاشك أن البيانات التي صدرت عن كافة التنظيمات المقاتلة الفلسطينية والعربية لها تأثير ، لكنها لن تمكن المنظمات المقاتلة والمقاومة من تثوير الوضع العربي بالبيانات ، فقد نمت شرائح اجتماعية واسعة من خلال أموال الدول النفطية تخشى على لقمة عيشها ان هي تحركت ميدانيا ، لذلك فانه من الضروري أن يبدأ الاستنهاض في وسط جماهير كل دولة من الدول التي ارتكب نظامها الخيانة العظمى ، وعلى سبيل المثال : هنالك عدد كبير من أبناء الامة العربية يعملون في دولة الامارات ( لبنانيون وفلسطينيون ومصريون وعراقيون وسوريون … الخ ) ، الذين يخشون ان هم تحركوا أن يعاقبوا بقطع رزقهم ورزق أطفالهم ، لكنهم حتما سيتحركون عندما تكون الطلائع الجماهيرية من مواطني الدولة في طريق التحرك . من ناحية اخرى نرى أن الأهمية الكبرى يجب أن تنصب على جبهة التصدي للعدو .

في ظل الهجمات المتواصلة لواشنطن وتل ابيب ، وفي ظل الركوع المذل لحكام يعبثون بمصير ومقدرات الامة نرى أن التصدي الميداني ، هو الذي سيعقد عمليات السيطرة الامبريالية ، والركوع المخزي لبعض الدول العربية يبرز التصدي الميداني كوسيلة مثلى ليس لضرب العدو فقط ، بل للتثوير واستنهاض الجماهير العربية في كل مكان ، وتزداد أهمية ذلك مع ما ينشر ويبث من أخبار حول وقوف عدة أنظمة انتظارا لدورها في الاستسلام وخيانة قضية فلسطين ، وتجدر الاشارة هنا الى أن الانظمة التي تسير في هذا الطريق الاستسلامي تحاول أن تغطي نفسها بمقولة موحدة على شفاه المسؤولين فيها : مع حفظ حقوق الفلسطينيين وذلك في محاولة للفصل بين اقامة العلاقات مع اسرائيل التي تحتل كل الأراضي الفلسطينية ، وترفض تطبيق قرارات الشرعية الدولية ، وتبطش يوميا بالنساء والأطفال ، وتعتدي على اولى القبلتين ، وتهود القدس والأغوار ونابلس والخليل وبين تأييد الحقوق الفلسطينية .

ان ما تقصده هذه الأنظمة هي الحقوق (!!!!) ، التي تتحدث عنها صفقة القرن أي تصفية قضية فلسطين تحت عنوان الدولة التي حسب مخطط ترامب لن تكون الا معسكر اعتقال صغير يحشر فيه من لم يطرد من وطنه بالقوة …. هذه الأنظمة تستخف بعقول الامة والشعوب انها تدار من قبل تافهين أغبياء يعبثون بمقدرات ومصير امة بأكملها ويقادون كعملاء من قبل الصهاينة .

لن نتحدث عما سيحصل لهذه الدول ” اذا ما زلنا نسميها دول ” ، على يد الصهاينة فهم لايستوعبون ولايفهمون ويظنون أنهم ” عباقرة ” … الطريق الوحيد للاستنهاض ، هو التصدي الميداني والأولويات هنا تشمل كل الساحات : –
1- فلسطين – ترجمة قرارات المقاومة الشعبية يجب أن تبدأ بسرعة ، ومتلازمة مع الخطوات الخيانية ، واحتفالات المستسلمين بخيانتهم للمقدسات وللامة .

2- اليمن ستكون هدفا مركزا للصهاينة لذلك ، فان اشعال الثورة في الجنوب ضد عملاء السعودية وعملاء الامارات أساسي للتصدي للخيانة ، وهنا تكتسب عدن وسوقطرة وحضرموت أهمية كبرى لافشال مخطط سيطرة اسرائيل على باب المندب ، واقامة قاعدة تجسس وعدوان في سوقطرة ، وكذلك الأمر في سوريا فالمقاومة الشعبية يجب أن تستهدف مواقع الجيوش الغازية ، ووضع قسد في مكانها المناسب فهي تلعب دورا خيانيا لصالح اسرائيل واميركا ، ومن حق الشعب العربي السوري أن يحرر نفطه وآبار الغاز وأن يكسر الحصار ، وان كان الثمن غاليا لكننا على يقين أن الاميركان سينسحبون كما انسحبوا من لبنان بعد أن وجهت المقاومة لهم ضربة قوية ، وكذلك العراق الذي تحاول واشنطن اخراجه من جبهة المواجهة ، والكاظمي مطالب بالالتزام بموقف الشعب العراقي ودعمه لقضايا الامة ، وقضيتها المركزية فلسطين .

ولا مكان لموقف حيادي هنا ، فالحياد يعني تأييد الخيانة ، أما مصر فهي حجر الرحى
لقد قام السيسي باخراج مصر العظيمة وجيشها البطل من جبهة المواجهة مع العدو ، وتقوم مخابراته بالتعاون مع المخابرات الاسرائيلية لتشديد الحصار على شعبنا في غزة ، وسمح بسيطرة اسرائيل على مضائق تيران ، وخضع لمشروع اسرائيلي باقامة سد النهضة باثيوبيا ، ولدى اسرائيل في الجعبة مشاريع اخرى لتعطيش مصر وتدمير زراعتها ، فقد وقعت عقودا مع بلدان افريقية لبناء سدود ستدمر شبكة الري الزراعي في مصر .

السيسي يلعب دورا من أخطر الأدوار تحت حجج وكلام لا ينطلي الا على البلهاء ، فهو أحد أعمدة التحالف الاميركي الصهيوني في المنطقة ، وهو الذي أخرج مصر ونفوذها ووزنها من معادلات سمحت للأقزام بالتحكم بالجامعة العربية ، ولذلك فان جماهير مصر مطالبة بالتحرك ضد من يطعن شعب فلسطين والامة العربية .

وبعد …. فان توجيه المقاومة الشعبية لرأس الثعبان يبقى هو الأساس في تحطيم مخططات العدو، ورأس الثعبان هو اسرائيل ، والتصدي لها سوف لايبقي أوراقها سهلة الترتيب ، بل سيستنهض الامة التي ستصحو على قرع طبول التصدي للعدو .

* المصدر : رأي اليوم
* المقال تم نقله حرفيا من المصدر ولا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع