السياسية – رصد :

إيهاب شوقي*

تحول حديث التطبيع السعودي – الاسرائيلي من سؤال عن التحقق والامكانية، الى سؤال عن التوقيت، فبدلًا من سؤال “هل ستطبع السعودية العلاقات مع العدو الاسرائيلي؟”، أصبح السؤال “متى ستطبع السعودية؟” بل وربما “لماذا تأخر اعلان التطبيع بين السعودية والعدو؟”.

لا شك أن تصريح جاريد كوشنر عراب “صفقة القرن” في مطار ابو ظبي والذي قال خلاله إن محمد بن زايد، يقود الشرق الاوسط الجديد، هو تصريح كاشف لمرحلة يراد تدشينها رسميًا بعد سنوات من العمل في الكواليس، ولا شك أنه تصريح فاضح لنوايا الصفقة التي لا تخرج عن اطار وجوهر مشروع شيمون بيريز.

الا أن انتقاء الامارات وشخص محمد بن زايد هو اشارة الى أوضاع معقدة وملفات متداخلة، وهو ما أجل الاعلان السعودي.

نحن هنا بصدد نوعين من الأسباب، منها ما هو خاص بالفارق بين الامارات والسعودية، ومنها ما هو ضروري لاتمام الصفقة وضمان نجاحها من وجهة نظر مخططيها.

أولُا: الفارق بين الامارات والسعودية

رغم التشابه في الدور الوظيفي الذي تؤديه كل من الدولتين لخدمة المشروع الامريكي، وتشابه الأدوات الاعلامية وشراء الذمم والنفوذ، ورغم الاعتماد على الثروات الطائلة بعد الطفرة النفطية، ورغم أن روح اتفاق كوينسي القائمة على الحماية مقابل الثروة هي الحاكمة للخليج عمومًا، الا ان هناك فوارق جوهرية بين النموذجين يمكن رصدها كما يلي:

هناك فوارق من حيث الحجم والعمق التاريخي، وعدد السكان والقوة الناعمة، وكذلك الدور الوظيفي في خدمة الاستعمار.

السعودية دولة كبيرة حجمًا، واستطاع ال سعود ضم نجد والحجاز بما لها من مكانة تاريخية ومقدسة وهناك عدد سكاني هو الأكبر في الخليج، ناهيك عن الاحتياطي النفطي الأكبر في العالم وكذلك حجم الانتاج والذي بدأت أمريكا حديثًا جدًا منازعة السعودية في صدارته. وكان الدور المنوط بالسعودية هو محاولة انتزاع قيادة العمل العربي والاسلامي وتوجيهه لخدمة الاستعمار ومحاربة قوى المقاومة وأنظمتها استغلالًا لخدمة الحرمين الشريفين، ناهيك عن الدور الاقتصادي الذي لخصه ترامب تلخيصًا كاشفًا بوصفه “البقرة الحلوب”.

على الجانب الآخر، نجد الامارات دويلة صغيرة استطاعت تطوير نموذج مغاير لا يعتمد على الثروات النفطية فقط، بل شقت لنفسها طريقًا على النموذج البريطاني بالسيطرة على طرق المواصلات، حيث استثمرت في قطاع النقل والخدمات اللوجستية لتصبح مركزًا عالميًا لحركة الشحن الجوي وعقدة اتصال تربط أوروبا والأمريكتين مع آسيا وأفريقيا وبدأ حضورها في مجال شركات الطيران منذ ثمانينيات القرن العشرين، والذي تطور ليصبح مطار دبي الدولي عقدة مواصلات حيث تخطى مطار هيثرو البريطاني كأكثر المطارات ازدحامًا في العالم.

وفي قطاع الخدمات اللوجستية، تبرز شركة موانئ دبي العالمية التي تشغل 65 ميناء من أبرزها ميناء جبل علي الذي يحتل المركز التاسع كأكثر ميناء ازدحامًا في العالم، بينما تُعد إمارة الفجيرة ثاني أكبر مركز لتزويد السفن بالوقود في العالم بعد سنغافورة.

كذلك عملت الإمارات على بناء قواعد عسكرية، وإدارة شبكة من الموانئ البحرية في أماكن استراتيجية على ساحل البحر الأحمر وغرب المحيط الهندي، والساحل الشرقي لأفريقيا، مثل عدن وسقطرى في اليمن وميناء عصب بأريتريا الذي يُعد أول قاعدة عسكرية إماراتية دائمة في دولة أجنبية، كما شهدت جيبوتي والصومال أنشطة إماراتية تتعلق بإدارة الموانئ البحرية قبل أن تُطرد الإمارات من الدولتين.

كان هذا النموذج مطلوبًا بشدة للاستعمار، ليصبح قاعدة متقدمة بعد الانسحاب الامبراطوري التقليدي والاعتماد على الوكلاء المحليين.

من هنا نجد أن الامارات في حل من المقدسات والتذرع بحمايتها ومحاولة القيادة المعنوية للعرب والمسلمين، وانما تقوم بدور تنفيذي على الأرض لمصالح الاستعمار، وتطمح لنوع آخر من القيادة يتناسب مع تحديثات المشروع الصهيو – امريكي، وقد لخصه كوشنير، بكلامه حول قيادة (الشرق الاوسط الجديد)!

ثانيًا: ضرورات اتمام الصفقة أمريكيًا وصهيونيًا

لسنا هنا في حاجة لاستدعاء التاريخ ودلائله على خدمة السعودية للمشروع الصهيوني، وذكر امثلة صارخة مثل مذكرات المُستشار الخاص والرجل المُقرَّب من عبد العزيز آل سعود وهو (جون فيلبي) وهو الصهيوني البريطاني، والذي ذَكَرَ في مذكَّراته (إنه في مؤتمر العقير الذي انعقد عام 1922 قام عبد العزيز آل سعود بكتابة تعهّد كتابي لـ “برسي كوكس” المُقيم السياسي البريطاني في الخليج العربي يُقرّ فيه بأنه لا يُمانِع من إعطاء فلسطين للمساكين اليهود المظلومين!

ولسنا بحاجة لاستدعاء ما قاله مُستشار الأمن القومي الأميركي السابق زبغنيو بربجنسكي في كتابه خارج السيطرة “أنه في اتفاق كوينسي كان المُعلَن عنه أنه بين روزفلت وعبد العزيز ولكنه في السرّ حضر فيه كل من رئيس المنظمة الصهيونية العالمية آنذاك حاييم وايزمان ودافيد بن غوريون وفيها تعهَّد عبد العزيز لكلٍ من بن غوريون ووايزمان أن يدعم إقامة دولة إسرائيل بمقابل حمايته وحماية أسرته”.

لسنا في حاجة لذلك كله بلحاظ ممارسات السعودية تجاه أنظمة وحركات المقاومة، بداية من جمال عبد الناصر وصولا الى ايران والمقاومة الاسلامية.

ولكننا هنا بحاجة لتأمل الممارسة السعودية المنافقة، والتي انضمت وأسست للأحلاف “الاسلامية” بغرض حصار المقاومات العربية، والتي حاولت التواجد في المشهد المقاوم زورًا، ولعل أبرز مثال كاشف لهذا النفاق والعمل الخبيث، هو أن السقف العربي الرسمي للقضية الفلسطينية، هو المبادرة السعودية التي تعترف بالعدو وتبشره بالتطبيع الكامل اذا ما تنازل عن حدوده التي انتزعها بعد العام 67 فقد اصبح هذا التنازل هو الحلم العربي واقصى سقف للمطالب بعد أن كانت اللاءات الثلاث هي الميثاق العربي.

لعل ما يعطل إعلان التطبيع السعودي هو فقط اجراءات احترازية خارجية وداخلية.

هنا تغامر السعودية بفقدانها القيادة وتفقد كل أوراق مناورتها مع أعدائها المقاومين، وهي مغامرة كبيرة تحتاج لتمهل واستكشاف ما ستؤول اليه مغامرة الامارات الأقل كلفة والتي ليس لديها ما تخسره!

أما الاعتبارات الداخلية، فهي متعلقة بترتيبات العرش والخوف من تقديم الخطوة كهدية مجانية لترامب دون مباركة لانتزاع العرش لصالح ولي العهد، والذي يعاني صعوبات تتعلق بالعائبة وبالفشل الذريع في جميع الملفات وعلى رأسها الملف اليمني.

والمحصلة سواء أعلنت السعودية أم لم تعلن هي واحدة عمليًا، ما دام هناك رفض فلسطيني، وما دامت هناك ولو بندقية واحدة مقاومة.

* المصدر : موقع العهد الإخباري