بقلم : رامي الشاعر
تحت هذا العنوان كتب المحلل السياسي رامي الشاعر في صحيفة “زافترا” “تغوص القدس [وسوريا] في دمها، وأنت صريع شهواتك تنام.. كأنما المأساة ليست بعض مأساتك.

متى تفهم؟
متى يستيقظ الإنسان في ذاتك؟”
بهذه الكلمات ينهي الشاعر السوري الكبير، نزار قباني، قصيدة “الحب والبترول” التي كتبها عام 1958، وأعتقد أن الشاعر الراحل، والدبلوماسي السابق، سيعذرني لإضافة “سوريا” إلى جانب القدس، وهو المعروف عنه حبه الجارف لوطنه سوريا، ولجميع الشعوب العربية، والإنسانية جمعاء.
أوجه تلك الأبيات اليوم إلى جميع أعضاء اللجنة الدستورية، التي سوف تعقد جولتها الثالثة لمناقشة تعديل الدستور السوري غدا الاثنين، 24 اب/أغسطس، في جنيف، تحت رعاية هيئة الأمم المتحدة. أوجه هذا النداء إلى أعضاء اللجنة وجميع مسؤولي القيادة والحكومة في دمشق، وقيادات المعارضة السورية أينما كانوا ، وأيا كانت مواقفهم السياسية، في محاولة لإيقاظ الحس الوطني العام والضمير الإنساني لدى الجميع على حد سواء، من أجل البدء الفوري بتبني مواقف واتخاذ خطوات وإجراءات عملية لإنقاذ سوريا وشعبها من الوضع المأساوي اللاإنساني الذي يمرون به..
دعونا نضع نصب أعيننا المآسي التالية:
– جائحة كورونا التي تزداد انتشارا في سوريا يوما بعد يوم، وتحصد في طريقها المزيد والمزيد من الضحايا، ممن لا يتمكنون من الحصول على الحد الأدنى من الخدمات الطبية.
– سبع ملايين مواطن سوري مهاجر خارج الحدود السورية.
– خمس ملايين مواطن سوري نازح من ديارهم إلى أماكن أخرى داخل سوريا.
– 1800 مواطن سوري، أغلبهم من الشباب، تمت عملية تهريبهم في الساعات الأخيرة من جنوب إلى شمال البلاد تمهيدا لنقلهم إلى دول أخرى عن طريق تركيا.
– مليون مواطن سوري يعانون من العطش في الحسكة نتيجة قطع الماء عنهم منذ ثلاثة أسابيع.
– أغلبية الشعب السوري يعانون من الفقر والجوع والمرض، ونقص حاد في متطلبات الحياة اليومية للإنسان.
كذلك أود تذكير القيادة في دمشق وقيادات المعارضة بواقع الأشياء على أرض سوريا الحبيبة؛؛
أن البلاد اليوم مقسّمة إلى ثلاث مناطق، وتواجه خطر الانقسام مثل يوغوسلافيا، الأمر الذي سيتحمل عواقبه بالدرجة الأولى السوريون وليس الأتراك أو الأمريكيون. لأن اتفاق السوريين في شرق وغرب وشمال سوريا مع السلطات المركزية في دمشق، الممثلة للسيادة السورية، ما كان ليدع الفرصة لتجرؤ أطراف دولية أخرى للعبث بوحدة الأراضي السورية، والتعدي على سيادتها.
أعود إلى اجتماعات اللجنة الدستورية المصغّرة في جنيف يوم غد لتعديل الدستور السوري، حيث صرّح المبعوث الأممي لسوريا، غير بيدرسن، أن اجتماع اللجنة الدستورية سيتم بناء على اتفاق طرفي الأزمة، الحكومة والمعارضة، وهو الأول فيما بينهما لوضع الأسس الدستورية.
مع الأسف، فإن القيادة في دمشق حتى الآن تطلق على وفدها اسم “الوفد الوطني للجنة الدستورية”، لا “وفد الحكومة”، وهو ما يعني أن كل ما يجري من جهود، تقوم بها هيئة الأمم المتحدة للمساعدة في تعديل الدستور السوري بناء على قرار مجلس الأمن رقم 2254، لا يعني الحكومة السورية من قريب أو بعيد، بل هو مجرد جهد ونشاط تشارك به مؤسسات المجتمع المدني داخل المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية. وهو ما يرسل رسائل غير مطمئنة بأن الأوضاع ستبقى على ما هي عليه، ولن يحدث أي تقدم يذكر في سير عملية الانتقال السياسي، الذي يمكن أن ينقذ سوريا وشعبها من مخاطر التقسيم، ومآسي المعيشة.

لذلك يبقى بريق أمل وحيد سمعناه في آخر خطاب للرئيس السوري، بشار الأسد، عندما تعرض للمرة الأولى لموضوع الحل السياسي، حيث نأمل أن يتبنى مبادرات وخطوات عملية سريعة للدفع بعملية البدء في مسار انتقالي سياسي سلمي في سوريا، تشارك فيه المعارضة السورية المعترف بها دوليا، والتي تمثل شريحة كبيرة جدا من الشعب السوري، وهو ما يتطلب أيضا استجابة فورية من قبل المعارضة السورية مع أي مبادرة تصدر عن الرئيس السوري، دون وضع أي شروط مسبّقة، على أن يكون العنصر الأساسي والأهم من قبل القيادة في دمشق وقيادات المعارضة، هو الاعتماد على روح المصالحة الوطنية أساسا للعملية برمتها، سعيا نحو تعديل دستوري ينهي مخاطر التقسيم، ويعيد السيادة السورية على كافة الأراضي بمشاركة الجميع، بما في ذلك الأكراد.
أن تجنب السيناريو اليوغوسلافي، يتطلب من الجميع ضبط النفس والالتزام والتحلي بروح المصالحة الوطنية، وهو ما سيفتح آفاق الحلول التوافقية المتاحة لجميع القضايا الدستورية الشائكة التي سوف تواجه المجتمعين، خاصة ما يخص توزيع الصلاحيات، وقضايا المركزية من عدمها على مستوى المناطق المختلفة في شمال وجنوب وشرق وغرب سوريا، أو على صعيد توزيع الصلاحيات بين السلطات التنفيذية والتشريعية البرلمانية والقضائية وغيرها من القضايا.
أنا متفائل بأن الرئيس السوري، بشار الأسد، سيتخذ خطوات ميدانية سريعة لإنقاذ الوضع، بوصفه الطرف الأكثر تحمّلا للمسؤولية في إنقاذ سوريا وشعبها، كما أنني واثق من أن المجتمع الدولي سيفعل كل ما بوسعه تجاوبا مع خطوات كهذه، احتراما لمبادئ الحفاظ على سيادة سوريا ووحدة أراضيها، والتي تتجسد في السلطة الشرعية للبلاد ممثلة في الحكومة السورية ورئيس الجمهورية العربية السورية.
أرجو أن تصل كلمات الدبلوماسي الراحل، والشاعر السوري الكبير، نزار قباني، إلى أسماع الحكومة والمعارضة، فيستيقظ الإنسان في ذات الجميع، حتى نبدأ رحلة الألف ميل لإعادة إعمار سوريا، بخطوات واثقة نحو المصالحة الوطنية، متمثلة بإقرار دستور جامع شامل يلتف حوله الشعب السوري بجميع أطيافه.

الماده الصحفية تعبر فقط عن رأي الكاتب