العلاقات التركية الإسرائيلية بين الثابت والمتحول
السياسية:
واجهت العلاقات بين تركيا وإسرائيل نكسات في العقد الأخير، وتحولت من علاقة استراتيجية متينة إلى عداوة سافرة، ظهرت تجلياتها في إدراج أنقرة ضمن التحديات التي تواجه تل أبيب.
وكانت العلاقات التركية الإسرائيلية التي تأسست في وقت مبكر في عام 1949، قد سارت بشكل طبيعي، بل وتطورت بشكل لافت في السنوات الأولى لوصول حزب العدالة والتمية إلى سدة الحكم في تركيا عام 2002.
وشهد عام 2005 زيارة قام بها رئيس الوزراء التركي حينها رجب طيب أردوغان إلى إسرائيل التقى خلالها برئيس الوزراء أرييل شارون، ووضع إكليل زهور على قبر الزعيم اليهودي الشهير، ثيودور هرتزل.
إلا أن الأمور انقلبت مع الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2008، حيث تأزمت العلاقات بين البلدين بشدة، وتبادل ساسة البلدين التصريحات الغاضبة والحادة.
وخلال منتدى دافوس في عام 2009، انسحب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إثر مشادة حادة مع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، اتهم خلالها أردوغان إسرائيل بقتل الفلسطينيين، ورد بيريز بعنف مدافعا عن عمليات بلاده العسكرية في القطاع.
وازدادت هذه العلاقات توترا في أعقاب اعتراض البحرية الإسرائيلية سفينة “مافي مرمرة” في مايو 2010، وقتل 10 نشطاء أتراك خلال هجوم الكوماندوز الإسرائيلي للسيطرة عليها.
وعقب تسريب تقرير بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق بشأن أحداث أسطول الحرية في عام 2011، وصف الإنزال الإسرائيلي الذي نفذ بأنه كان مفرطا ومبالغا به، أعلنت تركيا طرد السفير الإسرائيلي وتخفيض تمثيلها الدبلوماسي الى مستوى السكرتير الثاني، وتجميد الاتفاقيات العسكرية معها.
وبدا في ربيع عام 2013 كما لو أن الأزمة بين البلدين في طريقها إلى الانفراج، حين اعتذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رسميا خلال مكالمة هاتفية مع أردوغان، وتعهد بدفع تعويضات لأسر ضحايا السفينة التركية واتفق الجانبان على وقف الملاحقة القضائية وإعادة تبادل السفراء وتطبيع العلاقات، إلا أن العلاقات لم تعد إلى سابق عهدها بل وتواصل التوتر بينهما وزاد الشقاق.
تواصلت هذه الحالة إلى مطلع العام الجاري، حين أدرجت شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “أمان”، تركيا لأول مرة في تاريخ علاقات البلدين، في قائمة الأخطار المهددة للدولة العبرية.
واستبعد التقرير الاستخباراتي الإسرائيلي حدوث مواجهة مباشرة مع تركيا في العام 2020، لكنه قال إن “الأعمال العدائية المتزايدة التي تقوم بها تركيا في المنطقة جعلتها واحدة من أكبر المخاطر التي يجب مراقبتها في العام المقبل”.
اللافت أن توتر العلاقات بين البلدين لم يؤثر على التبادل التجاري بينهما، ما دفع خصوم تركيا إلى التشكيك في حقيقة “العداوة” القائمة بين البلدين.
وتقول التقارير أن حجم المبادلات التجارية بين تركيا وإسرائيل في عام 2016 بلغ أكثر من من 4.2 مليار دولار، وأنها ارتفعت في العام التالي 2017 بنسبة 14% .
كما أن مدير الطيران المدني الإسرائيلي كشف في عام 2013 أن شركات الطيران التركية تقوم بأكثر من 60 رحلة جوية أسبوعيا إلى إسرائيل، وأنها تنقل بين البلدين أكثر من مليون مسافر سنويا.
وكانت إسرائيل مصدر السلاح الرئيس لتركيا لفترة طويلة، علاوة على التعاون العسكري في مجال التدريب وتطوير الأسلحة.
وكان التعاون العسكري بين البلدين لعقود في ذروته منذ سيطرة القوات التركية على شمال قبرص في عام 1974.
واعتمدت تركيا حينها على إسرائيل في تطوير جيشها، نظرا لعقوبات أمريكية وأوروبية فرضت على أنقرة على خلفية المشكلة القبرصية.
وهكذا تسير العلاقات بين تركيا وإسرائيل منذ أكثر من عقد متعثرة، أقرب إلى العداوة منها إلى الصداقة، والسبب المحوري رسميا مرده الغضب من سلوك إسرائيل تجاه الفلسطينيين، تقابله ريبة إسرائيلية من علاقات تركيا الوثيقة مع حماس في غزة، لكن في هذه الظروف البينية والإقليمية الشائكة حاليا، لا أحد يستطيع أن يتنبأ بما سيأتي، لصعوبة تحديد الثابت والمتحول في علاقات أنقرة وتل أبيب.
وكالات