السياسية – تقرير : نجيب هبة

على طريقة “حصان طروادة” منح تحالف عدوان الإثم السعودي الإماراتي الضوء الأخضر لميليشياته لإشعال فتيل التوتر والصراع في محافظة المهرة التي ظلّت بعيدةً عن هذا الصراع طيلة الفترة الماضية.

الأسبوع الماضي أوعزت أبوظبي والرياض لميليشيات المجلس الانتقالي للتحرك لفرض سيطرته على المحافظة التي ظلت لسنوات طويلة بعيدة عن الصراع.. حيث أعلن المجلس الانفصالي عن إقامة مظاهرات أسماها بـ “الزحف إلى الغيضة” تهدف في الحقيقة إلى تسهيل إدخال المسلحين التابعين له للمحافظة وبالتالي إسقاط المحافظة والشروع في تحقيق جزء مهم من المخططات السعو إماراتية للاستيلاء على المحافظة التي تتقاطع فيها أطماع الرياض وأبوظبي.

بالمقابل فإن أبناء المهرة تنبهوا منذ اللحظة الأولى لهذه المخططات وسعوا مبكراً لتجنيب المحافظة الدخول في هذه الدوامة وحينما اشتدت الضغوط السعو إماراتية لجر المحافظة لدوامة الانفلات والصراع أكد أبناء المهرة أنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي ولن يمكنوا أدوات العدوان من تحقيق تلك الاجندات الخبيثة في المحافظة وسيحولوا دون اسقاطها في يد عملاء العدوان كما حصل مؤخرا في سقطرى ومن قبلها مدينة عدن.

رئيس لجنة الاعتصام السلمي بمحافظة المهرة الشرقية عامر سعد كلشات أعلن عن جاهزية اللجنة لـ “التصدي لميليشيات الانتقالي في حال قامت بتفجير الوضع عسكريا بالمحافظة”.

وقال كلشات في تصريح لوكالة “الأناضول” التركية إن “إصرار الانتقالي المدعوم إماراتيا، على التصعيد في المهرة يأتي لمواصلة مسلسل وحلقات قد تمت في محافظات جنوبية أخرى.. مؤكداً أن أن “الانتقالي لا يستطيع الإقدام على التصعيد إلا بدافع من أطراف خارجية”.

وكان القيادي في المجلس الانتقالي ورئيس ما يسمى بمجلس الإدارة الذاتية أحمد بن بريك، قد هدد الأسبوع الماضي بقرب إسقاط محافظة المهرة على غرار ما حدث في سقطرى التي سيطرت عليها قوات الانتقالي في 19 يونيو الماضي.

ميدانياً.. استعد معظم أبناء المهرة تحت قيادة الشيخ علي سالم الحريزي وزملائه في المجلس العام لأبناء محافظتي المهرة وسقطرى ولجنة الاعتصام لمواجهة مفتوحة على كل الاحتمالات مع الاحتلال السعودي الإماراتي، وهو ما صعّب على المجلس الانتقالي وداعميه تمرير فعالية الاحتشاد التي أريد لها أن تكون “حصان طرواده” والتي جرى التحضير لها تحت مسمى مليونية في محافظة لا يتجاوز عدد سكانها 150 ألف نسمة.

على هذا الصعيد أغلق مسلحون قبليون في 24 و25 يوليو، الطرق المؤدية إلى المحافظة، ومنعوا أنصار المجلس الانتقالي من الدخول إليها، وسيطروا على الساحات التي قال المجلس الانتقالي إنه سيقيم فيها فعالية تدعو إلى فرض المجلس الانفصالي ما بات يعرف بـ”الإدارة الذاتية” على المحافظة.

وعقب تلك التحركات والتهديدات بتصعيد الموقف، قررت اللجنة الأمنية في المهرة، بمشاركة قيادات عسكرية وزعماء قبليين، منع إقامة أي فعاليات لأي طرف خلال هذه الفترة، لكن الانتقالي أقام وقفة احتجاجية مصغرة شارك فيها العشرات أمام مقره في العاصمة “الغيضة”.

بدوره حمل وكيل محافظة المهرة السابق الشيخ على سالم الحريزي السعودية والإمارات مسؤولية التصعيد في المحافظة.. وقال الحريزي في مقابلة مع قناة الجزيرة إن “ما يقوم به التحالف السعودي الإماراتي بمحافظة المهرة يهدف لتحقيق مشاريع استراتيجية تتسابق عليها الدولتان”.. وحذر من أن “المهرة ستكون ساحة للقتال إذا ما استمر التصعيد”.

من ناحية ثانية، كشف مصدر مسؤول في السلطة المحلية بالمهرة أن “السعودية دعمت بشكل مباشر ماديا وعسكريا ميليشيا المجلس الانتقالي الجنوبي في محافظة المهرة، لإسقاطها بقوة السلاح والسيطرة عليها كما سيطرت على أغلب المحافظات الجنوبية الأخرى”.

وأضاف المصدر في تصريح لصحيفة “القدس العربي” أن “محافظة المهرة هي الوحيدة التي كانت محسوبة على السعودية بعد أن استأثرت بها الرياض وتركت للإمارات بقية المحافظات الجنوبية، وضخّت لها الرياض قوات سعودية ضخمة بأسلحة ثقيلة ومدرعات وعسكريين سعوديين، والتي اعتبرها أبناء المهرة احتلالا واضحا من قبل السعودية لعدم وجود أي مبرر لوجود قواتها هناك”.

وأوضح أن “السعودية واجهت معارضة شديدة من قبل مشايخ القبائل وأبناء محافظة المهرة الذين خرجوا باعتصامات دائمة منذ تقاطر القوات السعودية إلى المحافظة، وبعد أن عجزت الرياض عن تحقيق هدفها في السيطرة المباشرة على المحافظة دفعت مؤخرا بميليشيا المجلس الانتقالي الجنوبي، وموّلتهم ماديا ودعمتهم عسكريا بالأسلحة المتوسطة والثقيلة، وأوكلت لهم مهمة السيطرة عليها.

وفي حين تزعم السعودية إن وجودها العسكري في المهرة يهدف إلى “منع تهريب الأسلحة”، يقول سكان المحافظة إن الرياض وأبوظبي تهدفان من تحركاتهما إلى فرض سيطرتهما عليها، وهو ما قد ينذر بتصعيد عسكري مسلح يهدد الأمن والسلام في المحافظة البعيدة عن الصراعات منذ زمن طويل.

بات من البديهي أن السعودية تسعى إلى جعل محافظة المهرة حديقة خلفية لها، تنشئ في أراضيها أنبوبا لنقل النفط الخام من المناطق الشرقية السعودية إلى البحر العربي، ومنه نحو البحار المفتوحة عبر المحيط الهندي حيث لا تملك السعودية منفذا مطلا على بحر العرب في الجنوب، وتحاول إيجاد بديل عن تصدير النفط عبر مضيق هرمز الذي تتواجد فيه إيران بقوة.

نجح أبناء المهرة الأحرار حتى الآن في كبح جماح المحاولات السعودية الإماراتية للسيطرة على المحافظة لكن المخاوف الحقيقة تبقى في تمكن السعودية من تحويل الوضع في المهرة لسلسلةٍ من الصراعات الداخلية العبثية التي لا تنتهي والتي سينتج عنها ما يشبه الفوضى الخلّاقة التي تتيح للرياض وأبوظبي التحرك من خلف الستار للسيطرة على المهرة وتطويعها.

ترى الكثير من التيارات المحسوبة على العدوان والتي تتعارض مصالحها مع سيطرة السعودية والإمارات على محافظة المهرة بأن التحركات الأخيرة التي تشهدها المحافظة تهدف للضغط على حكومة المرتزقة للقبول بصيغة جديدة لاتفاق الرياض المتعثر”.

يقول أحد المستشارين الإعلاميين في حكومة المرتزقة لموقع الخليج أونلاين أن ما يحدث الآن في المهرة “دليل على عدم جدية التحالف في تنفيذ اتفاق الرياض وإعادة الدولة”.. مضيفاً “ما يحدث حالياً هو دعم مليشيات خارج إطار الدولة وانحراف عن أهداف التحالف”.

بدوره قال الباحث نجيب السماوي إن “أبوظبي والرياض دخلتا من وقت مبكر إلى المهرة، بثقلهما السياسي والعسكري، في إطار تبادل الأدوار بينهما وسباقهما نحو بسط النفوذ عليها”.

وأكد في حديثه للخليج أونلاين “أن المخطط الجديد الذي ترغب فيه الإمارات والسعودية بالمهرة، لن يأتي إلا عبر الانتقالي وبأيدٍ يمنية، بعدما شهدت نجاحاً في سقطرى وعدن، حتى لا تكون مسؤولة أمام الرأي المحلي والدولي عن أي انتهاكات أو جرائم قد تحدث”.

وأضاف السماوي إن “السعودية لديها هدف رئيس من المهرة، وهو إنشاء ميناء نفطي على ساحل بحر العرب، من خلال تحويل محافظة خرخير السعودية في نجران إلى مخزن للنفط الخام، من أجل التنفس جنوباً”.

تختلف المهرة عن بقية المحافظات الجنوبية التي تقع تحت سلطات الاحتلال وحكومة المرتزقة بأن لها بعداً اقليمياً يرتبط مباشرةً بسلطنة عمان.

على هذا الصعيد يرى مراقبون بأن الإمارات تهدف لمضايقة عمان وحصارها من بوابتها الغربية ما يعني أن السلطنة ستكون تحت ضغط أكبر مستقبلاً في حال نجحت أبوظبي” في فرض سيطرتها على المهرة.

بحسب ما نقله موقع الخليج أن لاين عن هؤلاء المراقبين فإن التواجد العماني في المهرة يصبّ في مصلحة الأمن القومي للسلطنة لقطع الطريق على السعودية والإمارات لمحاصَرتها في خاصرتها الغربية.. كما لا يبدو أن مسقط ستغامر بخسارة نفوذها في المهرة، لأن ذلك يعني خسائر اقتصادية لها، إذ تدرّ المنافذ مع اليمن أموالاً كبيرة على الخزينة العمانية.

في خضم هذه الكتلة المتشابكة من صراعات المصالح يبدو أن الكلمة الأخيرة ستكون لأبناء المهرة الشرفاء الرافضين للتواجد والاحتلال الأجنبي وهم من سيحددون مصير محافظتهم للنأي بها عن الصراعات التي تسعى الرياض وأبوظبي لجرها اليها.