طلال سلمان*

هل انتهى زمن الاحلام التي عشناها انتصاراً وتقدماً علمياً وثقافياً وفي مجالات الصناعة والاقتصاد والزراعة في زمن مضى؟
ها نحن، اليوم، “دخلاء” على عصر التقدم العلمي والابداعات التي تؤكد قدرة الانسان على صنع غده الافضل: نستورد ما لا نصنع ونهمل الزراعة التي توفر لنا احتياجاتنا فنطعم اولادنا من ارضنا ونغرس فيهم الايمان بها باعتبارها مصدر حياتهم وموضع اعتزازهم بهويتهم وصمودهم امام قوى الاستعمار والهيمنة بعنوان اسرائيل..

هل انتهى زمن عشق الارض، باعتبارها مصدر الاعتزاز بهويتها وبتاريخ الاجداد الذين ابتنوها وحرروها من الهيمنة الاجنبية وانتصروا على الاحتلال الاسرائيلي وصدوا قواته المعززة بالدعم الاميركي المفتوح والتخاذل العربي المهين بدل المرة مرتين وثلاث مرات؟!

وما معنى العودة إلى الترويج للحياد؟ وأي حياد؟ وبين من ومن؟

فجأة انطلقت هذه الدعوة المشبوهة بلسان السفيرة الاميركية في بيروت، دورثي شيا، ثم تبناها العديد من السياسيين المستجدين واخذوا يرددونها كالببغاوات، لعلهم يحظون برعاية السفيرة وواشنطن وبلاد النفط والغاز التي تتنصل من هويتها العربية وتتحول، تدريجياً، إلى دول استعمارية.. فتقدم ابوظبي، بالشراكة مع السعودية على احتلال اليمن، وتشارك قطر والامارات في “احتلال” ليبيا التي فقدت دولتها، بالشراكة مع “السلطان اردوغان” الذي ارسل قواته لاجتياح شمالي سوريا وبعض شرقها (بالشراكة مع القوات الاميركية التي تحاول السيطرة على منابع النفط والغاز في دير الزور وجوارها) ..
بل أن “السلطان” اردوغان لم يجد مكانا للصلاة في اسطنبول غير كنيسة آيا صوفيا، وهي معلم تاريخي، وقد حولها إلى مسجد، بعدما دخل اول مرة بحذائه، لان السلطان لا ينحني حتى لبيت الله.

المشرق العربي هشيم، يسرح فيه المستعمرون والطامعون، بالتواطؤ مع بعض حكامه الذي وصلوا إلى السلطة بفضل المستعمر الذي يسيطر، حتى الآن، على الذهب كل انواع الذهب في الارض العربية.
..وها هو الطيران الحربي الاميركي يغير على طائرة ركاب ايرانية في سماء سوريا فيكاد يُسقطها، لولا براعة الطيار الذي امكنه الوصول بها إلى مطار بيروت، وفيها عدد من جرحى هذا العدوان الجوي..

*****
هل وئدت الاحلام السنية، واسقطت من الذاكرة التضحيات الغوالي من اجل الحرية والاستقلال وتحقيق الكرامة في ظل السيادة والعزة الوطنية؟

وكيف نبرر لأبنائنا اننا عجزنا عن منع الاستعمار من العودة ليحكم بلادنا، واننا عجزنا- كذلك – عن بناء المستقبل الافضل الذي وعدناهم به.. وهو حقهم علينا.

وماذا يعني “الحياد” في هذه اللحظة الا التسليم بالهيمنة الاميركية وبحق العدو الاسرائيلي في اجتياح لبنان، ومعه سوريا، جواً وبحراً وبرا، لو شاء، من دون أن يجد من يقاومه فيصده ويحمي حرية ارضه وشعبه؟
*****
بعد مئة عام من “ابتداع” الدولة في لبنان سنة 1920، ثم خروج قوات الانتداب الفرنسي في آخر يوم من العام 1945، ها نحن نستقبل السفيرة الاميركية الجديدة، باهرة الجمال، بالتقدير وهي تتهجم على ابطال المقاومة.

الحياد .. بين من ومن؟
بين سوريا والعدو الاسرائيلي؟
بين شعب فلسطين والاحتلال؟
بين حق الامة في مستقبلها الافضل ومشروع الهيمنة الاميركية – الاسرائيلية على الارض العربية..

الحياد.. ليس الا دعوة علنية لعودة الاستعمار، ورفع الايدي ترحيبا بقوات احتلاله..
وهذا أمر لن يكون، ومؤامرة لن تمر!

* رئيس تحرير صحيفة السفير
* المصدر : موقع رأي اليوم