السياسية : تقرير

بعد اكثر من 86 عاما يشهد آيا صوفيا بمدينة اسطنبول اليوم  أول صلاة جمعة وسط عاصفة من الاعتراضات الغربية و دول عربية مناوئة لتركيا نتيجة محاولة الهيمنة على الشرق الأوسط ، والسعي لإعادة إحياء “الإمبراطورية العثمانية” التي امتدت أرجاؤها في الشرق والغرب، من آسيا الصغرى إلى القارة الأوروبية وشمال إفريقيا .

جاء ذلك بعد  إصدار مجلس الشورى التركي، أعلى محكمة إدارية في البلاد، قرارا قضائيا يبطل الوضع الذي كانت آيا صوفيا توصّف بموجبه متحفا،ووافق المجلس على طلبات قدّمتها منظمات عدة بإبطال قرار حكومي يعود للعام 1934 يعطي الموقع وضع متحف، وفق ما أوردت وكالة أنباء الأناضول التركية الرسمية.

وأوضحت المحكمة أن آيا صوفيا مسجّلة مسجدا في سندات الملكية التي تحمل اسم مؤسسة محمد الفاتح، السلطان العثماني الذي “فتح” القسطنطينية في القرن الخامس عشر، وأن هذا التصنيف غير قابل للتعديل .

وقال رئيس تركيا رجب طيب أردوغان ان حق التصرف بـ”آيا صوفيا” أمر متعلق بسيادة تركيا، مشيرا أن بلاده مارست حقها السيادي في تحويله إلى مسجد وسوف تعتبر أي انتقاد لهذه الخطوة تجاوزاً على سيادتها  .

ونشر الحساب الرسمي للرئيس التركي على موقع تويتر صورا له داخل المسجد، كما نشرت الرئاسة صورا أخرى له وهو يتفقد الأشغال الجارية استعدادا لأول صلاة الجمعة .

وفي وقت سابق، أعلنت هيئة الشؤون الدينية في تركيا أن 500 شخص سيصلون في مسجد آيا صوفيا اليوم صلاة الجمعة، ولا يعرف حتى الآن ما إذا كان أردوغان سيصلي بدوره هناك  .

وقالت الهيئة إنه خلال الصلاة ستتم تغطية الأيقونات المسيحية في هذا الصرح المعماري التاريخي الذي ظل على مدى خمسة قرون مسجدا منذ فتح القسطنيطية على يد السلطان محمد الفاتح وحتى تحويله إلى متحف عام 1934 م  .

 

وتباينت الاراء السياسية والدينية بين من رحب بالخطوة التركية وبين من عارض وادان الخطوة ومن تسائل عن اسباب القرار وتوقيته كما  اشعل موجة كبيرة من الجدل على الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي فعلى سبيل المثال :

الشارع التركي :

الأتراك أنفسهم بين مؤيد ومعارض ففي الشارع التركي لقي الحديث عن عودة آيا صوفيا مسجدا دعما مطلقا من الرأي العام، خصوصا الإسلاميين الذين استبشروا خيرا بهذا القرار، حيث احتشد الآلاف عند آيا صوفيا بمجرد صدور قرار فتحه.

وفي هذا السياق، أكد المؤرخ التركي سليم أقدوغان أن فتح أبواب آيا صوفيا للعبادة رغبة مشتركة لدينا جميعا، وهي تنفيذ لوصية السلطان محمد الفاتح، مضيفا “آيا صوفيا المسجد الوحيد الذي يجري دخوله بأجرة، والقانون يقضي بإزالة هذا الأمر المشين”  .

اما العلمانيون في المبدأ يعارضون لأنهم يرون أن إردوغان يستخدم هذا الموضوع لحسابات داخلية وخارجية.

داخلياً، لأنه يأتي أوّلاً بمعنى كسر أحد أهم قرارات رمز العلمانية أتاتورك، وثانياً لأنه يريد أن يكسب المزيد من الأصوات المحافظة تمهيداً لانتخابات رئاسية ونيابية قد يفاجئ بها الجميع.

أمّا خارجياً، فإن تركيا تشهد المرحلة الأكثر حركة وجلبة، منذ مئة عام، في سياساتها الخارجية مع توسيع حضورها ونفوذها في الشرق الأوسط من العراق وسوريا وقطر إلى ليبيا وشرقي المتوسط  .

 

ردود افعال الدول الغربية  :

أعربت الولايات المتحدة واليونان اللتان تتابعان عن كثب مصير التراث البيزنطي في تركيا، عن قلقهما وقال سام براونباك مسؤول الحريات الدينية في وزارة الخارجية الأميركية الأسبوع الماضي “ندعو الحكومة التركية إلى الحفاظ على وضع آيا صوفيا الحالي كمتحف”.

كما نددت الأسبوع الماضي وزيرة الثقافة اليونانية لينا ميندوني بهذه الخطوة. وقالت إن “هذا النصب العالمي  يتم استغلاله لخدمة مصالح سياسية محلية”. وقد تؤثر إعادة تحويل آيا صوفيا إلى مسجد على العلاقات بين أنقرة وأثينا التي كانت متوترة أصلا بسبب الخلافات حول استخراج الغاز في البحر الأبيض المتوسط.

الى ذلك ذكرت وكالة “تاس” الروسية للأنباء، أن الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا، عبّرت عن “أسفها لأن القضاء التركي لم يعر مخاوفها اهتماماً”، وقضى “بعدم قانونية تحويل مسجد آيا صوفيا في اسطنبول لمتحف، وفقاً لمرسوم حكومي يرجع لثلاثينيات القرن العشرين”.

من جانبه قال وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان في بيان إنّ “فرنسا تأسف لقرار مجلس الدولة التركي تعديل وضع متحف آيا صوفيا الى مسجد .

ردود افعال الدول العربية :

تباينت مواقف الدول العربية نظرا لان اردوغان يحظى بشعبية بين بعض العرب بينما يوجه له آخرون معارضة كبيرة وانتقادات قاسية أحدهما :يؤيد قرار الرئيس التركي بتحويل آيا صوفيا إلى مسجد، ويعتبر ذلك حقا تركيا خالصا، كما يؤكد على هوية آيا صوفيا الاسلامية .

في حين يرى الثاني : أن القرار سيجلب العداء من مسيحيي العالم، كما سيعيد تركيا ستة قرون إلى الوراء.

من جهتهم رحب إعلاميون وناشطون عرب بإعادة افتتاح مسجد “آيا صوفيا” للصلاة عقب قرار المحكمة الإدارية العليا التركية ووصف الإعلاميون والناشطون عبر حساباتهم على “تويتر”، هذه الخطوة التي صدق عليها الرئيس التركي رجب أردوغان، بمرسوم رئاسي، بأنها “تاريخية”.

تحويل المسجد الى متحف :

ظل “آيا صوفيا” مركزا إسلاميا يحظى برمزية كبيرة، مُرتبطا في الأذهان بـ” فتح القسطنطينية” .

لكن بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى، قرر رئيس الجمهورية التركية مصطفى كمال منع إقامة الشعائر الدينية في المسجد عام 1931 قبل صدور مرسوم حكومي عام 1934 بتحويله إلى متحف فني بهدف “إهدائه إلى الإنسانية”.

اضافة الى  ان اتاتورك لم يكن علمانيا فحسب، بل كان ملحدا ايضا وكان يرى الدين سببا في تخلف الامة التركية وتعثر نهضتها المطلوبة، وان نهضة جديدة يجب ان تبدأ بالتنافذ مع اوربا الحداثة والعلم والمكننة.

 

تاريخ نشأة المسجد وموقعه  :

 

يقال إن اسم أيا صوفيا يعني باللغة اليونانية “الحكمة المقدسة” ويعتبر مبنى آيا صوفيا صرحاً فنياً ومعمارياً فريداً من نوعه، وأكبر مبنى في العالم وأعجوبة هندسية في عصرها وهو موجود على الضفة الغربية من إسطنبول وفي قلب الإمبراطورية البيزنطية، ولاحقاً منطقة السلطان أحمد بالقرب من جامع السلطان أحمد، وهي تبعد مئات الأمتار فقط عن قصر توب كابي، مركز إقامة السلاطين العثمانيين لخمسة قرون وأكبر قصور إسطنبول.

 

الجدير بالذكر ان آيا صوفيا تعد واحدة من أهم الوجهات السياحية في اسطنبول وقد أدرجت على لائحة التراث العالمي لمنظمة “اليونسكو”و تطالب الان تركيا بعدم إجراء تغيير في وضعها  .