السياسية – تقرير: نصر القريطي

في مقالةٍ مشتركةٍ لوزراء خارجية “ألمانيا وبريطانيا والسويد” وضع الوزراء  الثلاثة تصوراً من “أربع نقاط” رئيسية قالوا إن بإمكان المجتمع الدولي أن يساهم من خلاله في إحلال السلام في اليمن.

مجرد وجود هذه الرؤية المشتركة أمرٌ قد يكون باعثاً على التفاؤل فمن كتبوا هذه المقالة ليسوا مجرد محللين سياسيين أو حتى أعضاء غير رئيسيين في حكومات بلادهم بل هم ممثلو السياسة الخارجية لثلاثٍ من أعرق الدول وأهمها في الاتحاد الأوروبي.

بالنظر للوضع القائم في بلادنا بعد خمس سنواتٍ من العدوان البربري الغاشم فإن النظرة لهذه المقالة وكتّابها والدول التي يمثلونها قد تختلف لأن المرء سيدرك أن البون شاسعٌ بين ما يقوله هؤلاء وبين ما تمارسه حكوماتهم على الأرض وفي ميدان المعركة.

من لندن إلى برلين إلى كل العواصم الغربية المؤثرة في الأحداث الدولية وفي الشرق الأوسط على وجه التحديد، يرصد المتابع تناقضاً لا أخلاقياً وتضارباً بين ما يصدر عن مسئولي تلك الدول من تصريحاتٍ ومواقف وبين شراكتهم المباشرة في هذا العدوان.

المقالة المشتركة لوزراء خارجية “بريطانيا والمانيا والسويد” التي أوردتها صحيفة الشرق الأوسط السعودية كمقالٍ افتتاحي تناولت الحل السياسي المفترض لإنهاء الحرب في بلادنا.

وضع هؤلاء أربع نقاطٍ في غاية الأهمية قد تكون في الحقيقة مدخلاً مناسباً ومنطلقاً منطقياً لوضع حدٍّ لهذه الحرب الإجرامية التي تشن على بلادنا منذ أكثر من خمس سنواتٍ لكن الحقيقة أن الأمريكان والغرب يكتفون بالتنظير للحل السياسي ونشر “سراب” السلام في الوقت الذي تشترك وزارات حربهم بصورةٍ مباشرة في دعم مجرمي هذا العدوان ويتولى دبلوماسيوهم تبييض صفحاته والتغطية على جرائمه في المحافل الدولية وأروقة مجلس الأمن.

من بين النقاط الأربع التي وضعها وزراء خارجية بريطانيا والمانيا والسويد يرى هؤلاء أن الخطوة الأولى نحو إيقاف هذه المأساة الانسانية تتمثل في الضغط على “كل الاطراف الفاعلة” في الحرب للامتثال لمقترحات الأمم المتحدة بشأن إيقاف اطلاق النار.

تفرض هذه النقطة تساؤلاً منطقياً وهو “من سيضغط على من..!”.. أليس حلفاءكم في الرياض وأبوظبي هم الطرف الفاعل الأبرز في هذا العدوان.. ألستم أنتم شركاء السعوديين والإماراتيين في كل تفاصيل هذه الحرب القذرة.

إن كان من أحدٍ يجب أن يُضغط عليه فهم مجرمو الحرب السعوديين والإماراتيين وإن كان من أحدٍ يجب أن يضغط عليهم فهم  شركاؤهم في لندن وواشنطن.

النقطة المحورية الثانية التي وضعها الوزراء الأوروبيون الثلاثة في مقالتهم المشتركة لفرض فرص السلام في هذه الحرب العدوانية على بلادنا هي ضرورة ايصال المساعدات الإنسانية لكل المحتاجين اليها والتشديد على التصدي لكل العقبات التي تحول دون ذلك.

في هذا التوقيت وفي هذه النقطة بالذات كان على وزراء الخارجية الأوروبيين التزام الصمت وإدعاء أنهم لا يعرفون أن اليمن محاصرٌ وأنه يواجه وباء الـ”كورونا” ليس منفرداً فحسب بل وهو يقبع تحت الحصار الخانق المقصود منه الحاق أكبر ضررٍ بشعبٍ بأكمله.

على الرغم من أن اليمن يقبع منذ خمسة أعوامٍ تحت الحصار المطبق الجائر، إلا أن بحرية العدوان ومن ضمنها البوارج البريطانية والأوروبية أمعنت في تشديد الحصار على ميناء الحديدة مانعةً دخول أي سفينة إليه بما في ذلك شحنات المساعدات الطبية الطارئة الخاصة بـ”كوفيد تسعة عشر”.

آخر نقطة لفرض السلام في بلادنا في مقالة وزراء خارجية بريطانيا وألمانيا والسويد ذهبت بأن على شركاء اليمن أن يدعموه اقتصادياً بما يسمح له بصرف رواتب موظفي الدولة.

بالعودة إلى مؤتمر المانحين الافتراضي الذي عقد في الرياض قبل فترةٍ وجيزةٍ سندرك أن هؤلاء الأوروبيين إما أنهم يهرفون بما لا يعرفون أو أنهم يسخرون من آلام الشعوب ومعاناتها.

بالأمس أعلنت الأمم المتحدة أنها لم تتسلم سوى 40% من التعهدات الذي خرج بها مؤتمر المانحين.. ألا يعرف الوزير البريطاني ونظيره الألماني ونظيرهما السويدي ذلك.

ما يحتاجه اليمن حقاً للدخول عبر الباب الكبير للسلام هو أن يصدق من يدعون أنهم رعاة السلام مع أنفسهم وأن يحددوا حقيقة مواقفهم هل هم شركاء حربٍ أم رعاة سلام.. عندها فقط سيضع اليمن قدمه على الطريق الطويل للسلام الصعب وغير المستحيل.

من لا يزال يمد السعوديين والإماراتيين بالأسلحة حتى كتابة سطور هذا الخبر لا يمكن أن يكون طرفاً في السلام لأنه يؤجج نيران الصراع ويدعم جرائم الحرب.

من يدرب جنود مجرمي الحرب وطياريهم ويحدد لهم الأهداف المدينة التي يضربونها لا يمكن أن يكون داعية سلامٍ لأنه مجرم حرب.

من يريد أن يكون شريكٍ لآل سعود وعيال زايد لا يمكن أن يكون شريكاً في السلام فذاك هو عدو السلام وداعية الحرب.