السياسية : أحمد اليليمي

في ظل التهويل الإعلامي الكبير عن جائحة كورونا ، تفاقمت الأزمة وحلقت المخاوف فوق رؤوس الناس بحيث تحولت العملية إلى مصدر رعب توسعت معها دائرة الشكوك بأن الفيروس قد دخل إلى كل بيت ، وأزدادت حالة الهلع بفعل الأوضاع النفسية للناس ، فعملية التهويل الكبير من قبل الإعلام أضعف إرادة الناس ووصل الأمر إلى حد إضعاف المناعة بالذات لدى كبار السن الذين يعانون من أمراض مزمنة، وهنا تكمن الخطورة البالغة فلقد تشعبت التداعيات ووصلت إلى المستوى الشخصي بحيث زاد معدل الوفيات بفعل الأمراض المختلفة ، وفي الغالب بفعل الخوف المترسب في النفوس نتيجة انعدام قوة المقاومة لدى المصابين بأمراض مزمنة ، أي أن المخاوف اختصرت زمن البقاء في الحياة للكثيرين وترافق هذا الأمر مع ضعف الإمكانيات وعدم قدرة الأجهزة المعنية على فحص كل حالة وفاة وتحديد أسباب الوفاة ، مما جعل الموضوع يأخذ أبعاداً كثيرة سمح بترويج الإشاعات وتوسيع نطاق الشُبهات ودفع إعلام الدفع المسبق إلى الخوض في الموضوع بصورة عدائية واستهداف مغرض للإنسان اليمني حيثما كان موقعة ، لا لشيء إلا بغرض استكمال الاستهداف الممنهج لهذا الشعب الفقير المسكين ، فالقنوات ووسائل التواصل الاجتماعي لم تفرق في تسويق الأخبار وفبركة التقارير الأخبارية بينما يسمى بالمحافظات المحررة وبين الخاضعة للحكم الوطني ، الإعلام السعودي والإماراتي ومن وراءه الإعلام المأجور كلهم يحاولون تصوير الموقف بأنه وصل إلى مرحلة اللاّعودة ولم يبادر أحد منهم إلى إعلان مساندة هذا الشعب أو مد يد العون للجهات المعنية للتتمكن من التغلب على الوباء ، فبينما أنفقت السعودية والإمارات مليارات الدولارات لشراء الأسلحة والمشاحنة بين اليمنيين والقيام بالضربات الجوية الغادرة إلى غير ذلك من الأعمال اللانسانية لم نسمع أن أحدهما قدم ولو دولاراً واحداً لدعم هذا الشعب ومحاولة انتشاله مما يعانيه ، صحيح نسمع عن مركز إغاثة الملك سلمان ومبادرات ومؤتمرات أممية متعاقبة لكنها كلها تتبخر و تذهب أدراج الرياح ولا يرى اليمنيين منها أي شيء سوى التبكيت والإهانة والإذلال ، مع أن دول العدوان على علم أنها استهدفت كل مقومات الحياة وأتت على ما يوزاي 80% من البنية التحتية للمنظومة الصحية إلا أنها غير مستعدة على إعادة تأهيل هذه المنشآت حتى في المناطق التي  تحتلها وتجاهر بتحريرها ، هذا المؤشر هام يحدد الوجهة الحقيقية القذرة للعدوان والممارسات المكملة له ، فكلها تعبر عن روح انتقامية حقيرة متجذرة في صدور المعتدين هدفها  القضاء على أكبر عدد من اليمنيين وعدم الاستعداد لتقديم أي مساعدت تخفف المعاناة ، الصورة مفزعة تدل على انعدام الاخلاق والقيم والمبادئ .

الإشكالية أن الانقياد الساذج والتقليد الأعمى للآخرين جعل هذه الثقافة المخيفة تتمدد في بلادنا وتصبح وسيلة الكثيرين للتآمر وإظهار الخيانة المبطنة للدلالة على هذا الأمر استعرض مشهدين تناهيا إلي بشكل تلقائي :

الأول : في عدن الحبيبة ، على أثر تصريحات أمين عام الأمم المتحدة عن خطورة الوضع في عدن والقول بأن معدل الوفيات تجاوز كل المعدلات السائدة في العالم ، أتصلت بصديق عزيز للتأكد من صحة المعلومة ، فوجئت به وهو يبكي بحرقة وألم ويرد الوضع أخطر مما تتصور يا أخي لقد وصل إلى الأخلاق والقيم والمبادئ العظيمة التي تربينا عليها وحافظنا علينا حتى في زمن التشطير البغيض ، تصور يا أخي قمت بإسعاف قريبة لي إلى المستشفى أكد الأطباء شبهة إصابتها بفيروس كورونا ، قلت للدكتور المسكينة مضطرة لأن تسافر  غداً إلى صنعاء للالتحاق بعملها ،  فكيف ستوفق بين ذلك وبين فترة الحجر الصحي المطلوبة؟ نظر إليّ الدكتور بازدراء وقال : لماذا الحجر لقد أجرينا لها الإسعافات الأولية ، أتركها تتطلع إلى صنعاء تنقل الفيروس للحوثيين ، الكلام أصابني بحالة دوار شديدة كدت أسقط معه إلى الأرض من شدة الذهول ، لم أتوقع أن يصدر مثل هذا الكلام من طبيب يمني ينتمي إلى هذا الوطن ، لكن يبدو أن المال أفسد الجميع وأفقدهم الإحساس بكل شعور نبيل وبقيم الانتماء للدين الحنيف الذي حث المسلمين على الأخوة والتكافل والمحبة .

النتيجة كانت مروعة ومأساوية ، كلام الدكتور أحدث صدمة قوية لدى المريضة المسكينة ، لم تتحمل الموقف الشاذ ، فارقت الحياة وأسلمت الروح لبارئها ، لم يتمكن الزميل من إكمال الكلام ، لكنه ذهب في موجه من البكاء أكد من خلالها الإحساس بالغبن الكبير لما آلت إليه أخلاق اليمنيين خاصة ما يتصل بعلاقتهم ببعضهم .

المشهد الثاني في صنعاء : كان الموكب يسير خلف نعش شخص فارق الحياة بعد صراع طويل مع المرض ، أحسست بمرارة مذهلة وأنا أستمع إلى أحد المشيعين وهو على درجة عالية من الفهم والإدراك عندما شرح للمتحلقين في الشارع أسباب الوفاة ، قال بإزدراء وبطريقة مقززة هذا ضحية جديدة من ضحايا كورونا والحوثيين بيكذبوا ، أذن من طين وأذن من عجين ، قلت يا أخي أتقي الله أنت أعرف الناس بسن المتوفي وأسباب الوفاة !! لماذا تحشر السياسة في هذا الأمر وتروج هذه الإشاعات الكاذبة ، أجاب بسخافة وعلى شفاهة ابتسامة ساذجة ، علينا أن نهيج الناس ضد الحوثيين حتى يستحوا على  أنفسهم ويصرفوا المرتبات ، ذبلت الابتسامة في شفاهة وتحولت إلى شرر من الحقد يتطاير وهو يضيف هذه المعلومة سأنقلها باسلوب أكثر إثارة إلى وسائل التواصل الاجتماعي من أجل تهييج المجتمع الدولي .

أكتفي بهاتين النقطتين وليدرك الجميع حالة البؤس والتآمر التي أصبحت تتوغل في النفوس وكيف أن المنظمات الدولية تستقي معلوماتها من مثل هذه الإشاعات بحيث قالت إحدى المنظمات أن نسبة الوفيات في اليمن تجاوزت 20% من السكان ، بينما يقول الدكتور طه المتوكل وزير الصحة أن نسبة الشفاء بلغت 80% وأن الوزارة تعمل ما بوسعها بحسب الإمكانيات والموارد المتاحة ، وثالثة الأثافي ما جاء في النتائج النهائية لما يُسمى بمؤتمر المانحين في الرياض ، نحن لا يهمنا تدني الرقم بقدر ما يهمنا الحديث عن مصير مثل هذه المبالغ ، وهو موضوع شائك ومتعدد الأوجه ويحتاج مقاربة خاصة ، وإن شاء الله  في موضوع لاحق سنتطرق إلى مؤتمرات المانحين ومصير الأموال التي ترتبت عليها ، وكيف يتم ابتزازها سواءً من المنظمة الدولية أو المسئولين السعوديين ، أو الفتات الذي يذهب إلى جيوب المرتزقة اليمنيين ، وهذا ما سنتحدث عنه لاحقاً .. والله من وراء القصد ..