السياسية – نصر القريطي:

لطالما كان استخدام الاحتياجات الانسانية مدخلاً للضغط على الشعوب لتركيعها في الحروب.. لكن الظرف العالمي الذي تعيشه مختلف الأمم والشعوب والذي يتهدد البشرية جمعاء فرض على الأمم المتحاربة بمختلف توجهاتها الجنوح إلى السلم ولو بشكلٍ صوريٍّ مؤقت نتيجةً للشعور بهذا الخطر الجمعي المحدق بالبشرية كلها..

قوى العدوان على بلادنا ومن خلفها الأمريكان قرروا استغلال الظرف الآني المحيط بـ”جائحة الكورونا” والدعوات الاممية لهدنة انسانية من أجل السعي لتحقيق ايِّ شيءٍ على الأرض في حربهم علينا ولو كان ذلك على حساب انسانيتهم التائهة وضميرهم المفقود الأمر الذي يعكس قبح وجه هذا العدوان وداعميه.

قبل أسابيعٍ أعلن الأمريكان أنهم سيمضون قدماً في توجههم لإيقاف المساعدات الانسانية لبلادنا دون النظر بعين الاعتبار للآثار الكارثية لهذه الخطوة الاجرامية وتوقيتها الذي يهدد الجهود الصحية المتواضعة في بلادنا لمنع دخول اليمن ضمن نادي الدول العاجزة عن الحد من انتشار هذه الجائحة.

المستجدات التي فرضها هذا الوباء ليست كل شيء في اليمن فظروف الحرب والحصار الظالم الذي يضرب البلاد اصلاً وارتباط الكثير من الناس في معيشتهم بالمساعدات الخارجية المتواضعة يزيد الوضع سوءاً وتعقيداً.

اليوم وفي تناقضٍ سافر كشف مسؤول كبير في الخارجية الأمريكية لوكالة “رويترز” عن توجه واشنطن لإرسال مساهمة وصفها بالكبيرة لمساعدة اليمن في التصدي لهذا الوباء العابر للحدود.. لكن واشنطن وضعت أكثر من عقدةٍ وأكثر من علامة استفهامٍ كبيرةٍ عن الدافع وراء هذه الهبّة الإنسانية المستغربة خصوصاً أنه لم يمضي على قرار البيت الأبيض بمراجعة المساعدات لبلادنا أكثر من أسبوعين.

محللون متابعون للشأن اليمني أكدوا أن واشنطن تسعى عبر هذه الخطوة لتصفية حساباتها مع منظمة الصحة العالمية حيث اشترط المسئول الامريكي وفقاً لـ”صحيفة العرب الدولية” تسليم هذه المساعدات عبر منظمات بديلة غير منظمة الصحة العالمية العاملة في اليمن التي يزعم الامريكان أنها متواطئةٌ مع الصين في ما يخص أرقام ضحاياها في الفترة الأولى من اشتعال وباء الكورونا الذي بدأ من مدينة ووهان الصينية.

الزاوية الأكثر ظلاماً في هذه الخطوات الاجرامية التي يقوم بها الامريكان وقوى العدوان السعودي الإماراتي هو اشتراك الأمم المتحدة والمنظمات الدولية التي تديرها واشنطن وعواصم والغرب في ممارسة هذا الضغط على الشعب اليمني بصورةٍ أقل ما يمكن أن توصف به أنها لا انسانيةٍ ولا أخلاقية.

مما لا شك فيه بأن إي توجهات للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي  تتم بوصايةٍ أمريكيةٍ كاملة، لكننا لم نكن نتصور أن يصل الحد بالمجتمع الدولي ومنظمته الدولية إلى الحد الذي يستغلون فيها ظروف هذا الوباء العالمي الذي يتهدد البشرية جمعاء للوصول لأهدافٍ رخيصةٍ كمعاقبة الشعب اليمني على صموده في وجه هذا العدوان والغزو.

بحسب ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية عن بيانٍ أممي فإن الأمم المتحدة تحذر من احتمال “انقطاع قريب” للمساعدات في بلادنا بسبب عدم وجود التمويل.

هذا التحذير الذي صدر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في بيان عبر الـ”تويتر” قال إن عدم وجود التمويل سيؤدي إلى انقطاع قريب للخدمات المنقذة لحياة ملايين الأشخاص في بلادنا بما في ذلك الغذاء وعلاج الأطفال المصابين بسوء التغذية إضافة إلى اللقاحات وأدوات المأوى للفارين من الصراع”.

تطوع الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية نفسها بصورةٍ آليةٍ مع رغبات الأمريكان وأذرعهم من الأسر الحاكمة في الرياض وابوظبي فعلى الرغم من ان التصريحات الأخيرة التي أطلقتها الأمم المتحدة ومجلس أمنها والدول الكبرى تشدد كلها على أنها ستدعم المناطق الأشد فقراً في العالم بملايين الدولارات من أجل رفع قدرتها على التصدي لجائحة الـ”كورونا” التي قد تهدد حياة ملايين البشر إلا أنها تهدد في بلادنا بقطع وتعليق المساعدات القائمة على الرغم من تواضعها وعدم تغطيتها للاحتياجات الرئيسية للمواطن اليمني الذي يعيش عامه السادس على وقع الحرب والحصار.

تناقضٌ يجعل من المنطقي بل الواجب علينا أن نضع تساؤلاتٍ حائرةٍ عن السر وراء توقيت هذا التزامن الأممي اللا إنساني مع رغبات الأمريكان وحلفاءهم في بلادنا.

كيف يعقل أن يكون هناك نقصٌ في التمويل الإنساني للأمم المتحدة في الوقت الذي تعلن فيه ذات المنظمة ومن يديرها ويدعمها بأنها تستعد لتوفير دعمٍ فوريٍ ومباشرٍ للدول الفقيرة التي يتهددها هذا الوباء المحدق..!

أنها مهزلةٌ انسانية تعكس درجة القبح الذي وصل إليه الأمم المتحدة ومن يدعون أنهم الممثلون للمنظمات الانسانية في العالم والذين أوصلوا معهم “الضمير البشري الجمعي” إلى الدرك الأسفل من الانهيار الأخلاقي والقيمي والإنساني.

هذا الموقف اللا أخلاقي الأممي ليس يتيماً فالعدوان وأدواته وداعميه من الأمريكان والصهاينة أذرعهم ممتدةٌ في كل المنظمات العاملة في المجال الأممي والإنساني..

وعلى هذا الصعيد أصرَّ برنامج الغذاء العالمي على المضي قدماً فيما يمكن اعتباره انقلاباً على مبادئه الانسانية والأخلاقية.. وبحسب “وكالة الانباء الألمانية” فأن البرنامج أعلن عبر موقعه على التويتر عن تخفيضٍ محتملٍ للمساعدات الإنسانية في بلادنا وفي هذا التوقيت بالذات.

ممارسات تعكس التوجهات اللا أخلاقية للأمم المتحدة والمنظمات الدولية العاملة في هذا المجال وتعتبر وبلا شك حرفاً لمسار العمل الانساني في بلادنا وابتزازٌ رخيصٌ وغير مقبولٍ اخلاقياً أو قيمياً أو حتى إنسانياً..

في الحقيقة يبدو المجتمع الدولي ومنظماته العاملة في بلادنا وكأنهم فهموا الوضع بصورةٍ عكسية فبدلاً من مد يد العون لهذا الشعب المحاصر الذي فرضت عليه الحرب فرضاً سارعت الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية للتهديد بتجفيف منابع المساعدات القائمة في بلادنا مهددةٍ بإيقافها متذرعة بنقص التمويل وفي هذا التوقيت بالذات.

هي حربٌ بشعةٌ يضطر الإنسان اليمني فيها أن يقف وحيداً في مواجهة كل أنواع الاجرام والقبح القيمي والإنساني منقطع النظير حتى في مثل هذه الظروف التي وحدت البشرية جمعاء على ضرورة أن يقف البشر بكل اختلافاتهم في وجه الفيروس التاجي المستجد الذي يتهددهم جميعاً.