السياسية || محمد محسن الجوهري*

منذ تصاعد العمليات العسكرية في البحر الأحمر، باتت القوات المسلحة اليمنية تشكل تهديدًا مباشرًا لحركة التجارة البحرية الإسرائيلية، حيث فرضت حصارًا فعليًا على السفن المتجهة إلى موانئ الاحتلال. وقد انعكست هذه العمليات على الاقتصاد الإسرائيلي بشكل واضح، حيث تأثرت قطاعات التجارة والنقل البحري وارتفعت تكاليف الشحن والتأمين، مما أدى إلى خسائر كبيرة. وفي هذا المقال، نستعرض الأرقام التي تعكس حجم هذه الخسائر والتداعيات الاقتصادية للحصار اليمني.
تعتمد "إسرائيل" بشكل كبير على الاستيراد البحري، ويمثل ميناء ام الرشراش المحتل المسمى "إيلات" أحد المداخل الرئيسية لتجارتها الخارجية. إلا أن الحصار المفروض من قبل القوات المسلحة اليمنية أدى إلى تراجع حركة الشحن إلى الميناء بنسبة تجاوزت 80%، مما تسبب في شبه شلل لنشاطه التجاري. كما اضطرت العديد من شركات الشحن إلى تغيير مساراتها لتجنب البحر الأحمر، الأمر الذي زاد من تكلفة الشحن من آسيا إلى "إسرائيل" بنسبة تتراوح بين 25% و30%. ولم تقتصر الأضرار على ارتفاع تكاليف النقل فحسب، بل شهدت أسعار التأمين على السفن المتجهة إلى "إسرائيل" قفزة هائلة، حيث ارتفعت بمعدل 300%، مما ضاعف الأعباء المالية على المستوردين.
وقد انعكس هذا الوضع على الشركات الإسرائيلية، حيث تكبدت خسائر قدرت بنحو 1.2 مليار دولار خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العمليات. كما شهدت الصادرات الإسرائيلية انخفاضًا بنسبة 12% خلال الربع الأخير من العام الماضي نتيجة تعطل سلاسل الإمداد. وبشكل عام، تراجعت حركة التجارة الإسرائيلية عبر البحر الأحمر بنسبة 50%، مما أثر سلبًا على الميزان التجاري وأدى إلى خسائر اقتصادية تجاوزت 5 مليارات دولار منذ بدء العمليات، وفق تقديرات الخبراء.
ولم تتوقف التداعيات عند قطاع التجارة، بل امتدت إلى الأسواق الإسرائيلية التي شهدت ارتفاعًا في أسعار السلع المستوردة بنسبة تراوحت بين 10% و15%، لا سيما المنتجات القادمة من الصين والهند. كما أثرت الأزمة على سوق الطاقة، حيث واجهت "إسرائيل" صعوبات في تأمين إمدادات الوقود، مما دفعها إلى البحث عن بدائل أكثر كلفة. وعلى المستوى الاستثماري، تزايد القلق في أوساط المستثمرين بسبب هشاشة سلاسل الإمداد، وهو ما انعكس على تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 7%.
إذا استمر الحصار البحري الذي تفرضه القوات المسلحة اليمنية، فمن المتوقع أن تتزايد الخسائر الإسرائيلية بشكل أكبر، حيث ستضطر حكومة الاحتلال إلى تقديم حوافز إضافية لشركات الشحن لتعويض التكاليف الإضافية. كما من المرجح أن يعاني الاقتصاد الإسرائيلي من تباطؤ في النمو قد يصل إلى 1.5% خلال العام الجاري بسبب العوائق التجارية المتزايدة. ومع استمرار تعطيل حركة الشحن، ستتأثر قطاعات أخرى مثل الصناعة والتكنولوجيا التي تعتمد على المواد الخام المستوردة، مما قد يؤدي إلى مزيد من الضغوط الاقتصادية.
لقد أثبتت عمليات القوات المسلحة اليمنية في البحر الأحمر أنها ليست مجرد تحدٍّ أمني، بل تمتد تأثيراتها إلى الاقتصاد الإسرائيلي بشكل عميق. ومع تصاعد التوتر واستمرار الحصار، يزداد الضغط على تل أبيب لإيجاد حلول بديلة، إلا أن الخيارات المتاحة تبدو محدودة ومكلفة. وفي ظل هذه التطورات، يبقى السؤال الأهم: إلى أي مدى تستطيع "إسرائيل" تحمل هذه الخسائر قبل أن تغير استراتيجيتها في التعامل مع هذه الأزمة؟

* المقال يعبر عن رأي الكاتب