السياسية : نجيب هبة

هل يمكن أن يؤدي الانهيار الحاد لأسعار النفط الأمريكي وتأثيره القوي على الاقتصاد إلى إحداث هزّاتٍ قاتلة في الاقتصاد الأمريكي.

توقعات بانهيارات وأزمات اقتصادية تضرب دول العالم وكثير من الحكومات بدأت باتخاذ اجراءات تقشفية تحسبا للمرحلة القادمة التي يبدو أنها ستكون أكثر صعوبة وسلبية على كثير من شعوب العالم.. فما هي التأثيرات السياسية المتوقعة لهذا الانهيار الكبير إن حدث.

في حدث تاريخي غير مسبوق وصلت أسعار خام النفط الأمريكي إلى مستويات قياسية تحت الصفر حيث وصل سعر الخام عند انتهاء تداولات الاثنين إلى سالب 37 دولارا للبرميل..

وفي هذا الوضع غير الطبيعي ستضطر شركات النفط أن تدفع للعملاء مقابل شرائهم منتجاتها حتى تتفادى الخسائر الناتجة عن تكاليف التخزين.

انهيار فاق توقعات أكثر المحللين الاقتصاديين تشاؤماً سببه المباشر امتلاء منشئات التخزين وصعوبة وجود بدائل لعملية تخزين النفط الفائض وعدم قدرة شركات الطاقة على تحمل الخسائر الكبيرة المتمثلة للشركات الأمريكية في تكاليف التخزين والنقل والتأمين.

أما أسبابه غير المباشرة فقد تعددت وكان أولها الانخفاض الهائل على الطلب على مستوى العالم الناتج عن الإغلاق العالمي الكبير بسبب جائحة كورونا.. والثاني حرب النفط التي اشتعلت بين روسيا والسعودية بسبب الخلافات على حجم الانتاج اليومي والتي انتهت بإغراق السوق بالنفط.

ونقلت وكالة رويترز عن جون براون الرئيس التنفيذي السابق لشركة “بي بي” أمس الثلاثاء إن أسعار النفط ستظل منخفضة لبعض الوقت مع تجاوز المعروض الطلب قائلا ان الوضع الحالي في أسواق النفط العالمية يعيد إلى الأذهان التخمة النفطية في الثمانينات من القرن الماضي.

وأضاف أن “الأسعار ستكون منخفضة جدا وأعتقد أنها ستظل منخفضة وشديدة التقلب لوقت طويل”.

ورغم اتفاق دول أوبك+ غير المسبوق في 12 ابريل على خفض الانتاج بمقدار 10 ملايين برميل يوميا والذي سيدخل حيز التنفيذ بداية مايو المقبل.. إلا أن عددا من الخبراء رأوا أنه غير كاف لتغيير الوضع الراهن ولم يؤدي إلى تحسن كبير في الأسعار..

حيث اعتبر أندرو ووكر مراسل “بي بي سي” الاقتصادي أن ذلك الاتفاق الأخير “سيؤدي إلى تراجع المعروض كما أن شركات النفط الكبرى في العالم وفي الولايات المتحدة قررت تخفيض الإنتاج اليومي أيضا”.

وأضاف “رغم ذلك لن يحدث فارق كبير فالعالم يوجد فيه بالفعل الكثير من الخام وهو فائض أكبر مما يمكن استهلاكه كما أن الأمر لا يتوقف فقط على عدم قدرة العالم على استهلاك هذا الكم من الخام ولكن الأزمة الأكبر هي أننا لا نستطيع تخزينه حتى يتم تخفيف القيود الاقتصادية الراهنة”.

ان لهذه الأزمة النفطية العميقة تأثيرات اقتصادية هائلة وبالضرورة ستؤدي إلى ردات فعل وتأثيرات قوية على المستوى السياسي.. فيبدو أن صراع النفط الذي أشعلته السعودية مع روسيا تحول إلى صدام بينها وبين حليفها الأمريكي..

وفي هذا الاتجاه قال الكاتب جايمس دورسي في تقرير لموقع “مودرن دبلوماسي” الأميركي، إنه “حتى الآن كانت السعودية محور غضب الولايات المتحدة على خلفية لا مبالاتها وتهورها، في حين تمكنت الإمارات من الإفلات من الرادار الأميركي، رغم إعلانها أنها ستزيد الإنتاج لدعم حرب الأسعار مع روسيا”.

لكن بعد يوم واحد من اتفاق 12 ابريل ، حذّر 13 نائبا جمهوريا في الكونغرس – يمثلون الولايات المنتجة للنفط – السعودية عبر مكالمة هاتفية استمرت ساعتين مع وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان.

وقال السناتور عن ولاية داكوتا الشمالية كيفن كرامر “بينما نقدر اتخاذ السعوديين الخطوة الأولى نحو حل المشكلة التي أسهموا في افتعالها.. فإنهم أمضوا أكثر من شهر في شن حرب على منتجي النفط الأميركيين، وكل ذلك في الوقت الذي كانت فيه قواتنا تحميهم”.

وأضاف “كانت أفعالهم غير مبررة ولن تُنسى أبدا، وإن الخطوة القادمة التي ستتخذها السعودية ستحدد إذا كانت شراكتنا الإستراتيجية قابلة للإنقاذ”.

ويبدو جليا من خلال تحذير أعضاء الكونغرس للسعودية تدهور علاقات المملكة مع الكونغرس خلال الفترة الماضية..

كما يمكن أن يكون التأثير السياسي على شكل توترات وأزمات إضافية في الشرق الأوسط جراء وباء كورونا وانهيار أسعار النفط العالمية.. حيث أشارت تقارير صحفية إلى احتمال حدوث اضطرابات اقتصادية وسياسية قوية في دول تعتمد بشكل رئيسي على تجارة النفط وتشمل خصوصا الكويت والسعودية والإمارات وإيران والعراق والجزائر وأذربيجان وقطر وعمان والبحرين.. موضحة أن انهيار أسعار النفط هو الأول من بين سلسلة أزمات قد تشهدها المنطقة كنتاج لوباء كورونا.

ونظراً للحدود المغلقة وتراجع اهتمام القوى الغربية، توقع سياسيون ازدياد الصراعات والتوترات الإقليمية والحروب في أماكن مثل سوريا واليمن وليبيا.

وإضافة إلى تأثيرات أزمة كورونا التي جعلت كثير من المحللين يتوقعون إزاحة الولايات المتحدة عن زعامة العالم لحساب الصين القوة القادمة الجديدة.. فإن هذه الأزمة الكبيرة في قطاع النفط الأمريكي والذي يعد عصب الاقتصاد بالنسبة للولايات المتحدة تدق مسمارا جديدا في نعش الأفول الأمريكي عن قيادة العالم..

وفي هذا السياق كشف الخبير الاستراتيجي الأردني طلال أبو غزالة عن توقعاته الاقتصادية والسياسية للسنوات الخمس القادمة، حيث حذر من أننا لم نمر بنصف أزمة كورونا، التي عصفت بالاقتصاد العالمي وخلقت جيوشا من العاطلين عن العمل.

وقال أبو غزالة في حديث لقناة روسيا اليوم “إن العالم في الفترة من 2020 وحتى 2025 سيعيش مرحلة من الضبابية وحالة من عدم اليقين”.. مشددا على أن “العالم أمام مرحلة انتقالية صعبة جدا”. وأضاف، أن البطالة ستكون من أبرز المشاكل التي سيواجهها العالم.

وتوقع طلال أبو غزالة أن يشهد العالم في أكتوبر المقبل حربا بين الولايات المتحدة والصين، أقوى اقتصادين في العالم، وأشار إلى وجود صراع حقيقي للسيطرة على النظام العالمي ومبادئه الكبرى.

وشدد الخبير الاستراتيجي أن على قادة الدول الكبرى الاجتماع من أجل تجنب الوصول إلى حرب كبرى، لكنه لفت إلى أن “الولايات المتحدة ستفتعل هذه الحرب لتخرج من الأزمة الاقتصادية، إذ أنها تواجه عجزا كاملا في ميزانيتها”.

وأضاف أن “الحرب بين بكين وواشنطن ستفرض على البلدين الجلوس والتفاوض، وأن الاتفاقات التي ستصل إليها القوتان ستضع نظاما عالميا جديدا”.. وقال “ابتداء من 2021 سننتقل إلى بناء عالم جديد بقيادة مشتركة بين الصين والولايات المتحدة، أي سينتهي عهد الهيمنة الأمريكية، ويبدأ نظام عالمي يقوده قطبان”.

ورأى أبو غزالة أن أحد أسباب سيطرة كورونا على العالم هو عدم وجود نظام يقود العالم، وعدم وجود موقف موحد بين دول العالم يضع خطة موحدة لمواجهة الفيروس المستجد.. قائلا “لذلك أعتقد أننا سنشاهد نهاية العولمة بعد أزمة كورونا”. وأكد أن “العولمة وصلت إلى نقطة النهاية بعدما كانت تترنح”.

وتبقى التطورات الاقتصادية المتسارعة جدا والتي يصعب التنبؤ بها أو بمآلاتها المستقبلية مؤثرا قويا على الجوانب السياسية وهو ما يمكن أن يؤدي إلى مصير لا يمكن التنبؤ به بالنسبة لكثير من الدول المتقدمة وعلى رأسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.. وهذا ما ستكشفه لنا الأيام القادمة.