(السياسية نت) نجيب هبة :

تجاوزت تأثيرات فيروس كورونا المستجد الجوانب الصحية إلى الجوانب السياسية والإقتصادية والعسكرية.. فهل من الممكن أن ينجح هذا الوباء العالمي فيما فشلت في تحقيقه الجهود السياسية والعسكرية في البلدان التي تستعر فيها نيران الحروب والأزمات..!

ظهرت في عدد من دول العالم التي تعاني من الحروب والمشاكل الداخلية والإقليمية دعوات إلى وقف تلك الحروب أو إلى الإتفاق على هدن من أجل التعاون فيما بينها لمواجهة فيروس كورونا الجديد.

هذا الفيروس الذي وحد دول العالم في الخوف منه وطوعية السعي للحد من انتشاره وعلاج الحالات المصابة به يبدو أنه قد استطاع خلق أرضية مشتركة في عديد من الدول التي تعاني أزمات وحروب للدعوة إلى تعليق  تلك الحروب والتفرغ ومواجهته حتى لاتكون الانقسامات الناتجة عن النزاعات وتقاسم جغرافيا الصراع مدخلا سهلا للفيروس للقضاء على كل اطراف الصراع..

في هذا السياق استجاب المحتجون في الجزائر لقرار رئاسي يحظر التجمعات بسبب فيروس كورونا ولنداءات بعض قادتهم ولم ينظموا يوم الجمعة الفائت مظاهراتهم الأسبوعية ضد ما يصفونه بفساد النخبة الحاكمة وذلك للمرة الأولى منذ أكثر من عام.

وقالت وكالة رويترز أن الرئيس عبدالمجيد تبون أمر قوات الأمن بحظر أي تجمعات عامة ضمن اجراءات الحكومة لاحتواء الوباء الذي أصاب 94 شخصاً في الجزائر حتى الآن.

وفي العراق فقدت ساحات الاعتصام الزخم الذي كانت عليه خلال الأشهر الماضية منذ الإعلان عن تسجيل حالات إصابة بالفيروس.

وأعلنت وزارة الصحة العراقية أن أعداد المصابين بفيروس كورونا وصل إلى 200 حالة، شفي منهم 43 شخصا وتوفي 20 شخص.

ورغم ذلك إلا أن عدد من الناشطين يعتبرون أن انتشار الفيروس لن يكون عائقا بين المعتصمين ومطالبهم.. وأنهم متمسكون بمطالبهم ولن ينهوا الاعتصامات قبل تحقيق المطالب الشعبية التي خرجوا من أجلها.. وفي الوقت نفسه يؤكدون التزامهم بالتعليمات الصحية الخاصة بالوقاية من المرض.

وفرضت السلطات العراقية الثلاثاء الماضي حظرا للتجوال لمدة أسبوع في بغداد وباقي المحافظات لمواجهة ارتفاع اعداد الإصابات بالفيروس.

 وفي لبنان أصدرت الحكومة قراراً يتضمن تكليف الأجهزة العسكرية والأمنية إعداد وتطبيق خطة لتنفيذ قرار عدم خروج المواطنين من منازلهم إلا للضرورة القصوى”.

وقال رئيس الوزراء حسان دياب أن الجهات المعنية ستعلن “خطط تسيير الدوريات الأمنية وإقامة الحواجز على الطرقات لفرض الالتزام بالإجراءات المتبعة”.. داعيا اللبنانيين إلى “حظر تجول ذاتي فالدولة لا تستطيع وحدها مواجهة هذا الزحف الوبائي”.

وقد تراجعت حدة المظاهرات التي انطلقت في اكتوبر الماضي في البلد الذي يعاني من أزمة اقتصادية ومصرفية خانقة.

وكانت الحكومة اللبنانية أعلنت حالة طوارئ طبية في وقت سابق وأمرت بإغلاق البلاد بما في ذلك المطار.. وتم تسجيل 67 إصابة جديدة بفيروس كورونا خلال اليومين الماضيين ما رفع عدد المصابين في لبنان إلى 230 شخصا توفي منهم 4 أشخاص.

 تأثير الخوف من مخاطر “كورونا” على الجميع لا يقتصر على الدول التي تشهد حراكاً في الشارع ومظاهرات ضد الحكومات بل امتد الى دولٍ تعصف بها الحروب ففي ليبيا قال المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق التي تسيطر على العاصمة طرابلس إنه يرحب بالدعوة الأممية إلى وقف الأعمال القتالية مؤكداً “القبول بكل مسعى يحمي المواطنين والمقيمين على أرض ليبيا من جائحة كورونا”. لكنه أكد الاحتفاظ بحقه في الرد على ماوصفها بـ” الإعتداءات اليومية التي يتعرض لها المدنيون والمرافق والمنشآت المدنية”.

من جانبها رحبت قوات شرق ليبيا “الجيش الوطني الليبي” بدعوة وقف إطلاق النار للسماح للبلاد بمواجهة فيروس كورونا. وقال الجيش الوطني في بيان نقلته وكالة رويترز “إن القيادة العامة ملتزمة بوقف القتال طالما التزمت به بقية الأطراف في إطار الإلتزام المتبادل”.

يشار إلى أن الأمم المتحدة ودولا غربية وعربية طالبت الأسبوع الماضي طرفي النزاع في ليبيا بالوقف الفوري للقتال وكذلك وقف النقل المستمر لجميع المعدات العسكرية والأفراد العسكريين إلى ليبيا لمواجهة خطر وباء كورونا.

وفي أفغانستان.. اقترح وزير الدفاع أسد الله خالد على حركة طالبان هدنة من أجل التفرغ لمكافحة الوباء إلا أنه شدد على أن قوات بلاده سترد بشكل استباقي على الهجمات المستمرة التي تنفذها الحركة.

وقال الوزير الأفغاني في بيان نقله موقع الجزيرة نت “نقترح إرساء وقف إطلاق نار لتجنب هذا الوباء حتى نتمكن من معالجة الناس في جميع أنحاء البلاد”.

ورغم أن حركة طالبان لم ترد على طلب سلطات كابل.. إلا أنها أعلنت استعدادها للتعاون مع المنظمات غير الحكومية والأمم المتحدة من أجل التصدي للفيروس.

بالنظر الى خريطة المخاوف من وباء “كورونا” في مناطق الصراعات في العالم وتحديداً الشرق الاوسط.. فإن التساؤل الذي يطرح نفسه هو “هل يمكن القول أن كورونا قد منح استراحة محارب للعديد من أطراف الصراع في تلك الدول.. أم أن توافقها على خطره على كل الاطراف ليس اكثر من  استجابةٍ اجباريةٍ للسير في طريق الجنوح الى السلام الذي بات بعيد المنال مع طول فترة تلك الصراعات..!

إن ما كشف عنه هذا الاستنفار العالمي واستجابة كل الاطراف لضرورة التصدي الجماعي لوباء الـ”كورونا” هو ان استمرار الأزمات السياسية والصراعات في الدول التي تشهد تلك النزاعاتٍ انما هو نوع من العبث المنظم واللامسؤول من كل الاطراف.