الجزيرة ليست محايدة
السياسية || محمد محسن الجوهري*
تُعد قناة الجزيرة إحدى أبرز وسائل الإعلام العربية، وقد استطاعت أن تفرض نفسها على الساحة الإعلامية الدولية خلال سنوات من تغطية الأحداث السياسية الساخنة في المنطقة العربية والعالم، خاصة ما يحدث في فلسطين، حيث برزت كأبرز الموثقين لجرائم العدو الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، لكن تلك الشرعية المستمدة من موقفها في فلسطين توظفه الجزيرة لخدمة مخططات عدائية، كتلك التي تمارسها بحق الأطراف السياسية المناصرة للقضية الفلسطينية.
ومن التناقضات التي تثبت انحراف الجزيرة هي دعمها للتكفيريين في سورية، رغم أن النظام السابق كان داعماً للمقاومة الفلسطينية والمسؤول الأول عن تهريب السلاح للمجاهدين في الضفة وقطاع غزة، وهو موقف يهدف إلى تحييد المقاوم الفلسطيني، وعزله من جميع حلفائه، وبالفعل، رأينا النظام الجديد في سورية كيف تنكر للقضية الفلسطينية، ورفض التعاون مع المقاومة، كما سمح للكيان باحتلال مناطق جديدة في بلاده وتغاضى عن آلاف الغارات التي وجهتها "إسرائيل" ضد ترسانة الجيش العربي السوري.
من أبرز التناقضات في تغطية الجزيرة للأحداث في السنوات الأخيرة كان موقفها المتغير تجاه العدوان على اليمن. في بداية الحرب، كانت الجزيرة تنقل بشكل غير نقدي الرواية السعودية التي كانت تزعم على أن العمليات العسكرية لا تستهدف المدنيين اليمنيين، وتجاهلت مراراً الحديث عن عشرات المجازر خلال العامين الأولين من العدوان على اليمن، كما كانت تنقل تصريحات المسؤولين السعوديين والإماراتيين دون انتقاد يذكر.
ولكن، مع اندلاع الأزمة الخليجية في يونيو 2017 وفرض الحصار على قطر من قبل السعودية والإمارات، بدأت الجزيرة في تغيير موقفها. إذ تحولت تغطيتها بشكل ملحوظ، حيث بدأت تتحدث عن "جرائم حرب" ارتكبتها القوات السعودية والإماراتية في اليمن، وأصبحت تركز على آثار القصف الجوي السعودي على المدنيين. في تغطياتها بعد الأزمة، أظهرت الجزيرة تقارير حقوق الإنسان الدولية التي أدانت الغارات الجوية، وبدأت تعكس وجهة نظر الجانب اليمني بشكل أكبر، في حين كانت في السابق تقتصر على نقل الرواية السعودية وحسب.
هذا التغيير الجذري في تغطية الجزيرة يعكس بوضوح التباين في موقفها بناءً على تطورات الأزمة السياسية مع السعودية والإمارات. في بداية الحرب، كانت الجزيرة تلتزم بشكل كبير بالموقف الرسمي لدول الخليج، لكنها مع تصاعد الأزمة الخليجية وتدهور علاقاتها مع الرياض وأبوظبي، اتخذت موقفًا مغايرًا.
من القضايا المثيرة للجدل التي أثيرت حول الجزيرة هي تغطيتها للأحداث في سورية ودعمها المباشر لبعض الجماعات المسلحة التكفيرية، بما في ذلك تنظيمي "جبهة النصرة" و"داعش". في بداية الأزمة السورية كانت الجزيرة تعرض بشكل متكرر تقارير داعمة للجماعات المتطرفة لترويج أفكارها من خلال التغطية الإعلامية التي لم تخلُ من التأييد المباشر وغير المباشر.
وكان واضحاً أن الجماعات التكفيرية مثل "جبهة النصرة" (التي كانت تمثل الفرع السوري لتنظيم القاعدة) و"داعش" كانت تستفيد أيضًا من المساحة الإعلامية التي توفرها الجزيرة. حيث تعرض القناة بعض تصريحات قادة هذه الجماعات أو تتبنى تصريحاتهم بدون التدقيق الكافي في طبيعة أهدافهم وسياساتهم التكفيرية. على سبيل المثال، كانت الجزيرة تتناول مقاطع فيديو تتضمن رسائل من قادة "النصرة" و"داعش" بطريقة تُظهرهم على أنهم جزء من الحراك الشعبي ضد الأسد، متجاهلة في بعض الأحيان الجانب المتطرف في أفكار هذه الجماعات.
أيضًا في ليبيا، كانت الجزيرة تقدم تغطية إعلامية تميل إلى دعم فصائل متطرفة، بما في ذلك جماعة "أنصار الشريعة" والفصائل المرتبطة بالإخوان المسلمين، مما أثار الجدل حول حيادها. وقد ربط المراقبون هذه التغطية بتوجهات سياسية قطرية داعمة لحركات الإخوان السياسية في المنطقة، وخاصة في تونس وليبيا. في تغطيتها لتطورات الأحداث في ليبيا بعد سقوط القذافي، كانت الجزيرة تظهر بشكل متكرر وجهات نظر الفصائل المتطرفة وتُعطيها مساحة واسعة للتعبير عن نفسها، بينما كانت تتجاهل أو تهمش الصوت الذي يواجه هذه الفصائل.
بشكل عام، يُمكن ملاحظة أن الجزيرة لم تكن محايدة في معظم تغطياتها للقضايا الإقليمية الهامة. كانت تتأثر بشكل واضح بالتحولات السياسية في المنطقة، خصوصًا في ظل العلاقات المتغيرة بين قطر وبقية الدول العربية. فمواقف الجزيرة تتغير بناءً على العلاقات السياسية والمصالح التي تتبناها دولة قطر، مما يجعلها عرضة لاتهامات بعدم الحياد.
على الرغم من أن الجزيرة تعتبر واحدة من أبرز وسائل الإعلام التي الأخبار والتحليل، فإن مواقفها المتغيرة في قضايا مثل العدوان على اليمن، ودعمها لبعض الجماعات التكفيرية في سورية، وتغطيتها لفصائل متطرفة في ليبيا، تشير إلى أنها ليست محايدة تمامًا في تغطيتها للأحداث.
يمكن القول إن الجزيرة كانت تستخدم إعلامها كأداة لتعزيز مصالح دولة قطر، وخدمة علاقات آل ثاني بواشنطن وتل أبيب، بحيث تبقى مصالح الجميع على حساب القضايا المصيرية للأمة، وعلى حساب أروح الملايين من أبناء الأمة ممن قضوا في الحروب والمواجهات التي ترعاها الدوحة، وأنفقت من أجلها المليارات، خدمةً للمشروع الصهيوني.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب