السياسية: تقرير – إيمان الصماط

بعد أن رفضت روسيا طلب “أوبك” الاستمرار في خفض الإنتاج، بدأت السعودية حرب الأسعار بسوق النفط، بعد نحو أربع سنوات من التنسيق بين “أوبك” للوصول إلى سعر مرض للمنتجين، معلنة طرح إنتاجها النفطي في السوق الدولية عند سعر 33 دولارا للبرميل، بتخفيض نسبته 30%.

وكما يبدو فأن المعركة بين الرياض وموسكو، ولكن الأمر يتعلق بلاعبين كبار في سوق النفط، السعودية تعتبر أداة في ايديهم، وأمريكا هي اللاعب الرئيس في سوق النفط التي تقود الحرب ضد موسكو من خلف الكواليس لكي تبقي الحرب في حدودها الآمنة ولا يخرج فيها أطراف الصراع عن السيطرة.

وفي ظل عدم الوصول إلى اتفاق، أعلنت السعودية وحليفتها الإمارات استعدادهما زيادة إمداداتهما من النفط بنحو 12 إلى 13 مليون برميل يوميا ردا على الموقف الروسي في محاولة للاستحواذ على حصّة كبيرة في السوق.

وكان رئيس شركة أرامكو أمين الناصر قد أعلن انه تلقى توجيه من وزارة الطاقة بالسعودية لرفع مستوى الإنتاج اليومي من 12 إلى 13 مليون برميل يوميا .

وفي حين أنّ زيادة الطاقة الإنتاجية تتطلّب في العادة سنوات واستثمارات بمليارات الدولارات، أوضح الناصر أن الشركة “تعمل بكامل إمكانياتها على سرعة تنفيذ هذا التوجيه”، من دون أن يحدّد جدولا زمنيا لذلك.

وتحتفظ السعودية باحتياطات استراتيجية من عشرات ملايين البراميل من النفط الخام، ومن المتوقع اللجوء إليها لتغطية كمية النفط التي تفوق طاقتها الانتاجية القصوى الشهر المقبل، وهي 300 ألف برميل يوميا.

من جانبها، أكدت الإمارات من خلال مجموعة “ادنوك” الحكومية في بيان انّها “تمتلك إمكانية إمداد الأسواق بأكثر من أربعة ملايين برميل يوميا في أبريل المقبل”، أي بأكثر من مليون برميل من معدل الانتاج اليومي الحالي، كما ذكرت الشركة أنّها “تعمل على تسريع التقدم نحو هدفنا بالوصول إلى سعة إنتاجية تبلغ خمسة ملايين برميل يوميا”.

آثار سلبية على الاقتصاد الخليجي 

الا أن خبراء اقتصاد النفط الخليجي يروا أن التوجه السعودي خطير جداً على أسعار النفط؛ وانه من الممكن أن يهوي بها إلى ما بين 15 و20 دولاراً خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.

ووصف الخبراء ما يحدث بـ”السيناريو الأسود”، مشيرين إلى أن استمرار الوضع الحالي والتداعيات المرتبطة بانتشار فيروس كورونا سيؤدي بنا إلى كارثة سيصل فيها سعر برميل النفط إلى ما دون عشرة دولارات للبرميل، وهو ما يعني معاناة دول الخليج من “العوز”.

موضحين أن دول الخليج يمكنها استغلال الأزمة الحالية “لإنشاء منظمة أوبك خليجية، ليكون قرارها بعيداً عن الدول الأخرى؛ مثل روسيا والمكسيك، وفي هذه الحالة ستتحكم في نحو 53% من احتياطي العالم، ونحو 26% من الإنتاج، وهي نسبة تتيح لها السيطرة بشكل مطلق على الأسعار”.

حرب اقتصادية وفق أجندة أمريكا

هذه الحرب وجهتها اقتصادية، في حين هناك أمور أخرى لم يعلن عنها، على رأسها تصاعد الدور الروسي في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك عدم تأثير العقوبات الاقتصادية – التي فرضتها أمريكا والاتحاد الأوروبي على موسكو منذ عام 2014- بشكل كبير، يمكن معه ترويض الدب الروسي وفق أجندة أمريكا، سواء في محيط روسيا الإقليمي، أو في إطار المشروع التوسعي لموسكو في الشرق الأوسط، وبخاصة أن واشنطن اعتمدت – في ظل رئاسة ترامب- إدارة منطقة الشرق الأوسط عبر وكلائها، وعدم التضحية بأية خسائر بشرية أو مادية.

ومنذ إنشاء منظمة الطاقة الدولية، وامريكا اليد الطولى في تحديد أسعار النفط بالسوق الدولية، فهي التي توجد المناخ الذي يبرر خريطتها للأسعار، وفي ضوء تراجع مؤشرات الاقتصاد العالمي، لأسباب كثيرة من بينها أزمة “كورونا” ويتوقع أن تستمر أسعار النفط بالسوق الدولية في مساحة ما بين 35 إلى أربعين دولارا للبرميل.

إلى ذلك صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للصحفيين خلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض أنه سينخرط في نزاع النفط الدولي في الوقت المناسب، وأن هذه الحرب ستكون مدمرة لروسيا وسيئة للسعودية، بينما قالت وزارة الطاقة الأمريكية إنها ستشتري عشرات الملايين من براميل النفط لدعم المنتجين الأمريكيين.

واضاف  ترامب “نحاول العثور على حل وسط من نوع ما”.. موضحا  أنه “أمر مدمر للغاية بالنسبة لروسيا، فاقتصادهم بأسره معتمد على ذلك، وأسعار النفط أصبحت الأدنى خلال عقود.. قد أقول إنه سيئ جدا للسعودية لكنهم يخوضون معركة على الأسعار، معركة على الإنتاج.. سأتدخل في الوقت المناسب”.

من جانبها أوردت صحيفة  “وول ستريت جورنال” نقلا عن مصادر لم تسمها، أن إدارة ترامب تدرس ممارسة ضغوط دبلوماسية لحمل السعودية على خفض الإنتاج والتلويح بفرض عقوبات على روسيا لإجبارها على تقليص إمداداتها أيضا.

وأضافت الصحيفة ان  ترامب قال أن أسعار البنزين المنخفضة جيدة للمستهلكين الأمريكيين حتى لو كانت تضر بقطاع النفط.

وبما أن امريكا لديها قدرات تخزينية عالية، ستستحوذ على كميات كبيرة، عند الأسعار المتدنية، ومع أقرب صعود في سوق النفط، سيجنون أرباحا كبيرة، وخاصة أن معدل انخفاض الأسعار كبير، وإمكانية تحريك الأسعار للأفضل ، وكذا مناشدات من دول كبرى بدأت في توجيه رسائلها للسعودية، بضرورة التنسيق فيما يخص الأسعار، حتى لا تتضرر اقتصاديات دول أخرى، وهو ما نشرته رويترز مؤخرًا على لسان وزير المالية الفرنسي برونو لو مير.

وهذا ما أكدته وكالة “بلاتس” الدولية للمعلومات النفطية أن انخفاض أسعار النفط دفع بشكل حاد المصافي الأمريكية إلى زيادة مشتريات الخام السعودي.

 الموقف الروسي 

من جامبها، اعترفت روسيا بتأثير الضغوطات السعودية عليها، وفشلها في حرب النفط التي أعلنتها الرياض بداية الشهر الحالي، وخاصة بعد هبوط أسعار الخام إلى مستويات قياسية متدنية.

ونقلت وكالة “سبوتنيك” عن وزير المالية الروسي أنطون سيليانوف، قوله إن إيرادات ميزانية روسيا من مبيعات النفط والغاز ستقل ثلاثة تريليونات روبل (39 مليار دولار) عن المتوقع لهذا العام بسبب انخفاض أسعار الخام.

يأتي ذلك في وقت هوى فيه الروبل الروسي إلى أدنى مستوى في أربع سنوات، حيث فقد أكثر من 10% من قيمته منذ بداية الشهر الجاري.

كما قال وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك إن موسكو قد تعزز الإنتاج على المدى القصير، إلا أنّه فتح في الوقت ذاته الباب أمام إمكانية عقد محادثات جديدة مع السعودية.

وتوقّعت مؤسسة “أوكسفورد إيكونوميكس” الاستشارية في مجال الطاقة أن ينخفض سعر الخام مجددا ويبقى عند مستوى 30 دولار لفترة طويلة.. محذرة من أن الوضع الحالي قد يتسبّب بركود اقتصادي في دول في مجلس التعاون الخليجي، جراء تباطؤ الاقتصاد العالمي وتبعات انتشار فيروس كورونا.

وكانت أسعار النفط قد أغلقت نهاية الأسبوع الماضي على أسوأ أداء أسبوعي منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، إذ خسر خام برنت 25%، والخام الأمريكي 23%، في ظل المخاوف المتصاعدة من انتشار فيروس كورونا وتحول أوروبا إلى بؤرة رئيسة للوباء.

 وفاقم من الضغوط الهبوطية على أسعار النفط عودة دول “أوبك” وروسيا، وبقية المنتجين المستقلين، إلى الإنتاج بوفرة بعد الخروج من اتفاق خفض الإنتاج لتحالف “أوبك+”؛ ما أدى إلى تزايد حالة وفرة المعروض في الأسواق واستمرار تهاوي الأسعار، إلا أن الأسعار تلقت دعما بعد إعلان الولايات المتحدة إجراءات تحفيزية للاقتصاد الأميركي.

الجدير بالذكر أن النفط ليس فقط سلعة تجارية، بل إنه الذهب الأسود ووسيلة الضغط السياسية التي تتحكم بالعلاقات الدولية، وهو أيضا الرافعة المحركة للإقتصاد العالمي، والسلاح الاستراتيجي الخفي الذي هزم هتلر عندما فتحت الولايات المتحدة الأمريكية خطاً مباشراً لتزويد بريطانيا بالوقود اللازم لتشغيل المصانع والآليات الحربية البريطانية في حين عجز هتلر عن إيصاله إلى قواته التي تقطعت بها الأسباب في سيبيريا وأرجاء القارة الأوروبية.