تقرير : نجيب هبه

بعد عقدين من تدخلها الكارثي في أفغانستان يبدو أن الولايات المتحدة تريد حفظ ماء الوجه والخروج من هذا البلد الذي مزقته الحروب الطويلة تجنبا للمزيد من الخسائر في صفوف قواتها..

لكن مايبدو جليا على الارض أن توقيع واشنطن للاتفاق مع حركة طالبان أقرب إلى الهزيمة لأنها لم تحقق الأهداف التي كانت معلنة لاكثر من عشرين عاماً وأهمها القضاء على حركة طالبان التي وصفت بأنها أم الحركات الإرهابية الداعمة للكثير من الإرهابيين في المنطقة بما في ذلك تنظيمات القاعدة وداعش وغيرها..

في هذا السياق أعلن وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر عن بدء خفض عدد قوات بلاده بأفغانستان في غضون عشرة أيام.

أما بالنسبة لطالبان فإن هذا الاتفاق الذي توج شهورا من المفاوضات مع الامريكيين هو انتصار وبعث جديد للحركة التي لا تخفي نيتها العودة إلى الهجمات المسلحة ضد الحكومة وقد تزامن توقيع الاتفاق مع انفجار أسقط ضحايا في افغانستان دون أن تعلن أي جهة مسؤوليتها عنه.

ووفقاً لمصدر في طالبان فإن الحركة ملتزمة بإجراءات بناء الثقة بين الأطراف الأفغانية رغم انتهاء اتفاق التهدئة وبحسب ذات المصدر فإن الحركة لن تقوم بما يمكن أن يسمى تصعيدا عسكريا كبيرا لكنه قال ان مواقع حكومة كابل لا تزال أهدافا مشروعة خصوصا فيما يتعلق بمقتضيات الأمن والدفاع عن النفس في مناطق سيطرة الحركة.

على الارض اكد المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد لوكالة الصحافة الفرنسية إن “خفض العنف انتهى الآن وان عملياتنا ستتواصل كالمعتاد” كما قال.. وأضاف “حسب الاتفاق (بين طالبان وواشنطن) فإن مجاهدينا لن يهاجموا القوات الأجنبية ولكن عملياتنا ستتواصل ضد قوات إدارة كابل”.

وهنأت اللجنة العسكرية لطالبان -في بيان- عناصرها بتوقيع الاتفاقية مع الأميركيين، ودعت المقاتلين لاستئناف عملياتهم ضد “الإدارة العميلة”..

ومن خلال هذه المعطيات ستعمل طالبان على محاولة استعادة السيطرة على أفغانستان من خلال مهاجمة قوات الحكومة التي لا يستبعد أن تصبح ضعيفة بعد انسحاب القوات الأمريكية..

تعمد واشنطن وكما هي عادتها على الاستخفاف بحلفاءها وتهميشهم فالحكومة الافغانية لم تكن طرفا في مفاوضات واشنطن مع طالبان وبالتالي أصبحت هي الحلقة الأضعف في هذه المعادلة.. وسيكون مصيرها مجهولا كما هو مصير الحلفاء الضعفاء لواشنطن  دائماً..

وعوضاً عن ان ينهي الاتفاق بين واشنطن وطالبان الحرب في هذا البلد الذي قضت عليه الحروب فإن ما يلوح في الافق هو حربٌ اهليةٌ جديدةٌ في افغانستان وهذه المرة وفق القواعد الامريكية ايضاً..!

وبينما قال وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر إن الاتفاق الموقع في الدوحة يعد الطريق الأفضل نحو تحقيق اتفاق سياسي وأوضح أن المبعوث الأميركي إلى أفغانستان زلماي خليل زاد يعمل على التقريب بين الفرقاء الأفغان وتحضير الأجواء تمهيدا للمفاوضات المرتقبة بينهم والتي يتوقع أن تنظلق في 10 مارس..

إلا أن للحكومة الأفغانية وطالبان آراء مختلفة بشأن بدء المحادثات .. حيث قال الرئيس الأفغاني أشرف غني إنه لا يوجد التزام من الحكومة بالإفراج عن خمسة آلاف سجين من طالبان وفق ما جاء في الاتفاق الموقع بين الولايات المتحدة والحركة ، حيث اعتبر غني أن واشنطن ليست لديها سلطة إطلاق سراح سجناء طالبان.

أما رئيس فريق طالبان في المفاوضات مع الولايات المتحدة شير محمد ستانكزاي فقال إن المفاوضات مع الحكومة لن تبدأ إلا بعد إطلاق سراح خمسة آلاف من معتقلي طالبان..

ومن هنا يبدأ فتيل الخلافات واختلاف وجهات النظر وهو مايمكن أن يعد مؤشرا لبداية جديدة للحرب الأهلية في أفغانستان.