هل ستحقق الانتخابات البريطانية العامة غدا مستقبل افضل ببقاء المملكة المتحدة بكيانها الحالي ام انها ستعيد تشكيل المشهد السياسي المحلي الذي اعتاد عليه البريطانيون والعالم هذا ما  ستكشف عنه الانتخابات القادمة  .

السياسية : تقرير :إيمان الصماط

تترقب بريطانيا والمجتمع الاوربي ما ستسفر عنه الانتخابات العامة التي ستُعقد الخميس في الـ 12من  ديسمبر خاصة بعودة قضية “بريكست” بقوة إلى حديث الانتخابات المبكرة وهو انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي .

ويُفترض أن تُعقد هذه الانتخابات مرة كل خمس سنوات لاختيار حكومة تقود البلاد، إلا أن الانتخابات القادمة هي الثالثة منذ عام  2015.

وستكون الانتخابات البريطانية العامة الأهم على الإطلاق منذ الحرب العالمية الثانية لأنها ستتم لأول مرة منذ 123 عاما في فترة عطل أعياد الميلاد .

واجمع كثيرمن المحللين السياسين إنها انتخابات تاريخية مثيرة لن تشبه أخرى لعقود عديدة مقبلة لان مسألة “بريكست”  قد ادخلت الساحة البريطانية في خلق الفوضى والانقسام السياسي ومن المتوقع في حالة نجاح البرلمانيين المعنيين بدعم” بريكست ” ان يتم رسم مستقبل المملكة المتحدة والقارة الأوروبية في مجملها.

ويتوقع المحللون السياسيون ان المملكة المتحدة ستشهد في الأسابيع الباقية من العام الجاري تحولات كبيرة بالفعل، ليس فقط بفعل نتائج انتخابات التي لا أحد يستطيع توقع نتائجها في الوقت الراهن، لكن أيضا بتعاظم فوضى سياسية نادرة الحدوث في تاريخ البلاد .

واضاف المحللون ان الانتخابات التشريعية البريطانية  ستكون الاكثر اهمية وتعقيد لان بريطانيا تعيش ارباك سياسي من كل جانب فالساحة السياسية لم تعد تتحمل برلمانا منقسما على نفسه، لا يمكن أن يمرر قوانين حاسمة واستراتيجية نتيجة للخلافات الفادحة بين أعضائه.

 ابرز الاحزاب داخل البرلمان :

تدور الانتخابات بصفة أساسية بين حزبي المحافظين والعمال المتنافسين الرئيسيين على السلطة في البلاد منذ عقود، حيث يسعى كل منهما لإبراز مزايا تشكيله للحكومة أو عيوب تشكيل خصومه لها.

حزب المحافظين:

هم الذين يحكمون حاليا بأقلية برلمانية،وسيسعون إذا ما انتصروا إلى علاقات وثيقة جدا مع الولايات المتحدة من الجانب الاقتصادي على الأقل إنهم ببساطة يحملون أوروبا مسؤولية فشل الحكومات البريطانية المتعاقبة. وهذا أمر ترفضه كل الأحزاب المنافسة الأخرى، باستثناء حزب “بريكست” الذي يفسر اسمه مواقفه.

حزب العمال :

“وهو الثاني في البلاد من حيث عدد نوابه في مجلس العموم”، له رؤية مختلفة تماما، بل متصادمة مع “رؤية المحافظين” ، خصوصا بوجود زعيم لحزب العمال كجيرمي كوربين فهو معروف بمواقفه السياسية المتطرفة، ومفاهيمه التي تعود لزمن الحرب الباردة، لكنه في الوقت نفسه يتخذ موقفا معتدلا من الاتحاد الأوروبي، ويرى أن من الضروري عرض أي اتفاق مع الاتحاد في المستقبل لاستفتاء عام، مع خيار البقاء فيه.

وهو بالطبع يتصدر قائمة الأعداء العنيفين لأي علاقة خاصة مع الولايات المتحدة، ويعد أن حكومة حزب المحافظين “ستبيع” بريطانيا لواشنطن فور وصولها إلى السلطة بعد هذه الانتخابات. كما أنه يريد إرجاع قوانين اقتصادية بادئة تقوم على تأميم المؤسسات، وهذا أمر خطير في انتخابات عامة كهذه.

وعلى عكس الانتخابات العامة الماضية، التي كانت برامج الأحزاب الاقتصادية والاجتماعية تلعب دورا كبيرا في تحديد الحزب الفائز، الا ان اقتراع 12 ديسمبر ستهيمن عليه مسألة بريكست التي احتلت نصيب الأسد من البرامج والوعود الانتخابية للحزبين الكبيرين إلى جانب قضايا أخرى أبرزها الإنفاق الحكومي ومجالاته.

ازمة بريكست :

لم تشهد بريطانيا في تاريخها الطويل أزمة مماثلة لأزمة البريكست التي أثارها قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي، بموجب استفتاء شعبي أجري في 23 يونيو 2016. إنها الأزمة التي مزقت شمل الشعب البريطاني، وبثت الانقسام في مجلس العموم البريطاني، وأدت إلى استقالة رئيسة الوزراء تريزا مي التي فشلت في إقناع البرلمان بالموافقة على اتفاق البريكست، الذي توصلت إلى إبرامه مع المفاوض الأوروبي بعد سنتين من المباحثات، فلم تجد بدا من طلب تمديد مهلة، وهو ما أثار استياء مؤيدي خروج بريطانيا من الاتحاد.

وستؤثر النتائج على مصير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وضع إيرلندا، مصير اسكتلندا ما إذا كانت ستبقى أم ستنفصل عن بريطانيا، السياسة الخارجية والأمنية لبريطانيا، ومكانتها في النظام الدولي الأوسع.

وبالتالي لا بد من الناحية الديمقراطية منح اسكتلندا فرصة التصويت على الانفصال عن المملكة المتحدة أو البقاء فيها.

ويؤكد السياسيون ان هذه النقطة تؤرق الحكومة المركزية في لندن منذ عقود، على الرغم من أن الاستفتاء الأخير على هذا الانفصال الذي حدث في 2014 جاء لمصلحة البقاء ضمن حدود المملكة ككل ، والأمر ليس أكثر إشراقا على الجانب الإيرلندي. فهذا الأخير فيه من التعقيدات ما لا تستطيع أي حكومة حله بصورة نهائية.

من يحظى بتقرير مصير البلاد :

 

الحزب الذي يفوز بأكبر عدد من النواب في البرلمان هو الذي يشكّل الحكومة الجديدة، لكن إذا لم يتمتّع أي حزب بالأغلبية، فهناك طريقتان لحل المعضلة، فإمّا أن يتحالف حزبان في كتلة موحّدة ويشكّلان حكومة ائتلاف، وإمّا أن تتحالف الحكومة الجديدة،  التي لا تتمتع بالأغلبية مع أحزاب أخرى عند إجراء أيّة عملية تصويت

فالنواب المؤيدون للبقاء في الاتحاد الأوروبي، يريدون نتائج انتخابية لا تمنح لبوريس جونسون رئيس الوزراء الأغلبية اللازمة له لتمرير اتفاق “بريكست” بصيغته الحالية. والنواب “المقاتلون” من أجل الخروج لا يريدون إلا حكومة بأغلبية مريحة تنهي عملية الخروج بأي ثمن. وهذه المواقف المتباينة جدا، وضعت قضايا محورية رئيسة على الهامش،وأولها وضعية الاقتصاد البريطاني الراهن، وحالته بعد الخروج.

 

المشهد الامريكي :

بعنجهية الولايات المتحدة وغطرستها يصر ترامب على إقحام نفسه في الشأن البريطاني، بداية من حثه المملكة على الانسحاب من الاتحاد الأوروبي مقابل الحصول على اتفاق تجاري “عظيم” مع الولايات المتحدة، مرورا بمواجهاته المفتوحة عبر تويتر مع عمدة مدينة لندن صديق خان، ووصولا إلى إبداء رأيه في قادة الأحزاب البريطانية الذين يعتبرهم إما أصدقاء أو خصوما كما سبق وان وصف زعيم حزب العمال كوربين بأنه “ليس صالحا” ليكون رئيسا للوزراء ودعوته للتعاون مع زعيم حزب بريكست، نايجل فاراج.

من جانبه يقول أستاذ العلاقات الدولية في معهد الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن جلبر الأشقر “إن ما يقوم به ترامب من تدخل في الشؤون الداخلية لبريطانيا التي تعد من أهم حلفاء أميركا يعبر عن ثقافة قديمة لدى الرؤساء الأميركيين “الذين يعتبرون أن رئاسة أميركا تعادل رئاسة كل العالم”.

الى ذلك وجهت نشرة “جويش كرونيكل” الناطقة باسم يهود بريطانيا ، نداء نادرا للناخبين من غير اليهود تدعوهم إلى “التحرك باستخدام تصويتهم” ضد “العنصرية” من خلال رفض التصويت لكوربين.

الاقتصاد البريطاني :

الاقتصاد البريطاني يمر بالفعل بواحدة من أسوأ فتراته التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، في حين  تلقت المملكة المتحدة “ضربة” اقتصادية لافتة جدا من وكالة “موديز” العالمية للتصنيف الائتماني حين خفضت المستوى الائتماني لبريطانيا إلى AA2، حيث وضعتها تحت المستوى الذي تتمتع به ألمانيا وهو AAA. الضربة جاءت بعد ساعات قليلة من إعلان ساجد جافد وزير المالية مخطط حزبه (المحافظين) الانتخابي وبرنامجه الاقتصادي للبلاد، إذا ما فاز الحزب بهذه الانتخابات. وكأن “موديز” تقول لجافد: دع عنك مخططاتك التي تتضمن إنفاقا تاريخيا، فالوضع الاقتصادي العام لا يسمح لك بهذا “الكرم”.

 

ويخيّم على هذا الموعد الانتخابي الهام تزيد الخشية من احتمال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، خاصة أنّ لندن أثبتت نفسها كعضو فعّال على اعتبار أنها ثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، وواحدة من أهم القوى العسكرية، فضلا عن كونها عضوا في مجلس الأمن الدولي ودولة نووية عضو في حلف شمال الأطلسي.