بقلم: أندرياس كريج

(موقع “ميدل أس أي- Middle East Eye” النسخة الفرنسية, ترجمة:أسماء بجاش-سبأ)

لقد أصبح الخوف من انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من المنطقة حقيقياً جدا مره أخرى بالنسبة للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، الأمر الذي جعلهم يفكرون في كيفية التعامل مع المخاطر والتهديدات العديدة التي تحيط بهم.

أثر خبر إعلان مشاركة فرق كرة القدم من السعودية والإماراتية والبحرينية في كاس الخليج في نسخته 24 المزمع إقامتها في قطر في الفترة ما بين 24 نوفمبر إلى 6 ديسمبر دهشة الكثيرين, وذلك بعد أن قطعت الدول الثلاث علاقاتها مع الدوحة في صيف العام 2017 كما عملت على فرض حصارا على الإمارة الصغيرة في محاولة لإحداث تغيير في النظام في قطر.

وعلى الرغم من أن الأزمة وصلت إلى طريق مسدود منذ أكثر من عامين، إلا أن الدول الثلاث التي فرضت الحصار على الدوحة قد دخلت في حرب كلامية مع قطر ومواجهة في مجال المعلومات والذي يبدو الآن انه أصبح أقل حدة عما كان عليه.

ذكرت صحيفة “جلف نيوز” التي تتخذ من إمارة دبي الإماراتية مقرا لها  نقلاً  عن أحد المسؤولين السعوديين الذين لم يتم الكشف عن هويتهم قوله أن دولة قطر تتخذ خطوات لحل الأزمة, بيد أن هذا التصريح على ما يبدو للوهلة الأولى لا يحمل في طياته شيئاً جديداً لأي شخص على علم بالهجوم المضلل والمعلومات المضللة ضد دولة قطر من دول الجوار منذ بدء الحصار في يونيو من العام 2017.

لطالما وصفت معظم وسائل الإعلام التي تمولها الحكومات: السعودية والإماراتية والبحرينية دولة قطر باستمرار باعتبارها  وصمة عار كونها “الراعي الرئيسي للإرهاب في العالم” بيد أنها في الأسابيع القليلة الماضية لم تتحدث عنها.

قد يكون أحد أسباب ذلك أن صناع القرار في المنظومة الخليجية أدركوا أن نهج عسكرة الخطاب لم يسفر عن النتائج المرجوة, وفي مقابل ظهرت  قطر باعتبارها الدولة الأكثر قدرة على الصمود الاقتصادي في الخليج في العام 2019, في حين ظهرت العلاقات القطرية  مع دول الغرب وواشنطن على وجه الخصوص قوية، كما لا تزال قطر تتمتع بسمعة جيدة إلى حد كبير.

ومما لا شك فيه أن هذا الأمر يرتبط بحقيقة أن قطر تمكنت من التغلب على الحصار المفروض عليها، حيت أخذت المبادرة لأول مرة لشرح استراتيجياتها وسياساتها وتوضيح وجهة نظرها من الربيع العربي من خلال الإجابة بصراحة وبشكلٍ علني على الأسئلة النقدية من قبل الصحفيين والشركاء والحلفاء.

وفي الوقت نفسه، فان الدوامة التنكيس التضليلية النابعة من الدول التي تفرض الحصار قد ألحقت المزيد من الضرر بسمعتها ومصداقيتها ولاسيما في الغرب.

خيبة أمل عامة

والأهم من ذلك، يجب النظر إلى التخفيف الظاهر للتوترات في منطقة الخليج في سياق خيبة أمل عامه في الرياض وأبو ظبي فيما يتعلق بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي كانت إدارته هي الجمهور الرئيسي لهذا الحرب الكلامية ضد قطر, بالإضافة إلى وعد الرئيس الذي كان مستعدا آنذاك إلى حلفاء واشنطن بدعم الخليج في 2017 بالمزيد من السياسات الصفرية في المنطقة، مما سمح لشركائه المحليين بتأمين الجانب الخليجي العربي ضد إيران, ومع ذلك، لم يحافظ ترامب على وعده, على الرغم من حقيقة أن طهران قد دفعت بالحدود من خلال سلسلة من الهجمات التصعيديه  خلال فترة الصيف, انتهجت واشنطن في المقابل مبدأ الصامت, ثم الانسحاب المتسرع وغير المنظم من سوريا للولايات المتحدة أكد مرة أخرى أن أمريكا لا تريد الدفاع عن مصالحها في المنطقة باستخدام القوة الصلبة.

لقد أصبح الخوف من انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من المنطقة حقيقيا جدا مره أخرى في الرياض وأبو ظبي، الأمر الذي جعلهم يفكرون في كيفية التعامل مع المخاطر والتهديدات العديدة التي أصبحت تحيط بهم.

فمن جانبها, عملت دولة الإمارات على التحويل من المشاركة المباشرة إلى المشاركة غير المباشرة في حرب اليمن من خلال البدائل التي تعتبر نتاج هذا الاعتبار الجديد مثل القرار السعودي بالانفتاح على فكرة اتفاق تقاسم السلطة مع الحوثيين لإنهاء الحرب في اليمن.

وفي الوقت نفسه، انخرطت الرياض وأبو ظبي مرة أخرى في حوار مع طهران، وهما تفهمان أن واشنطن لن تسمح لدول الخليج بمحاربة إيران حتى آخر أمريكي، ولكنها ستحمل نفسها عبء الحرب.

وفي هذا السياق، ليس من المستغرب أن الرياض بعد أكثر من عامين، تعطي الكويت أخيرا فرصة للتوسط في هذا الصراع الذي عصف بالمنظومة الخليجية, حيث يبدو أن هناك إدراكا وأن كان متأخرا في العاصمة السعودية بأن الفجوة في دول مجلس التعاون الخليجي تأتي بنتائج عكسية وأن الخليج أقوى في حال الإتحاد, خاصة وأن الرياض تكافح لإيجاد مستثمرين حقيقيين بعد قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في تركيا.

ومن المتوقع أن تحقق الدوحة فائضا كبيرا هذا العام على الرغم من الحصار ويمكن أن توفر الدعم المالي والثقة للاقتصاد السعودي المضطرب.

سلام بارد

وحتى الآن، لم تحرز المناقشات غير الرسمية بين الرياض والدوحة تقدما كبيرا, كما تبقي المظالم على الجانبين، وعلى قطر التي أهانها جيرانها في 2017,  أن تزود الرياض بتدابير للحفظ  على ماء الوجه لإنهاء الصراع بينما تحجم بشكل طبيعي عن التنازل عن سيادتها الوطنية والسياسة الخارجية والاستقلال التحريري النسبي لقناة الجزيرة.

وبالنسبة لقطر، كان الحصار بمثابة نعمة مقنعة، مما سمح لها باتخاذ قرارات أكثر استقلالية على الصعيد الوطني ومن حيث السياسة الخارجية, كما يمكن الاضطلاع بهذه الإصلاحات دون الاضطرار إلى نزع فتيل الصراع مع جيرانها، فضلا عن أقامتها علاقات تجاريه جديدة على أساس الربحية وليس على حسن نية الجوار.

وصول السياح إلى ميناء الدوحة مع بدء موسم الرحلات البحرية الجديد في الدوحة، 22 أكتوبر, وكالة الصحافة الفرنسية

ومع ذلك، ترى الدوحة إمكانية تحقيق المصالحة الباردة مع الرياض والتي من المرجح ان تشهد أيضا المصالحة مع البحرين ولكن الفجوة مع أبو ظبي تبدو واسعة جدا بحيث لا يمكن سدها في هذه المرحلة.

يعاني القطريون من الحصار المفروض على البلد, حيث يودون أن يروا رفع حظر السفر لزيارة أقاربهم في البلدان المجاورة, كما يتوقون للتوجه بشكلٍ مباشر إلى أداء فريضة الحج.

وفي حال  منحت الرياض حقوق التحليق للخطوط الجوية القطرية في أجوائها، فسيتم حل مظالم قطر, ولكن الفكرة القائلة بأن الأمير تميم بن حمد وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان سيتصافحان لإبرام اتفاق مصالحة في المستقبل القريب تبدو مسألة طوباوية في هذه المرحلة, ومع ذلك، فان السلام البارد بين الدوحة والرياض سيكون خطوة أولية في الاتجاه الصحيح للجمع بين ما يدور معا.

* أندرياس كريج: أستاذ مساعد في قسم الدراسات الدفاعية في كلية كينجز في العاصمة لندن, ومستشار متخصص في المخاطر الاستراتيجية للحكومات والشركات في منطقة الشرق الأوسط, نشر في الآونة الاخيرة كتاب بعنوان النظام الاجتماعي السياسي والأمن في العالم العربي.

الآراء المعبر عنها في هذا المقال هي آراء المؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لموقع “أميدل أس أي”.

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.