ضرورة قرار أمريكي لإنهاء الحرب على اليمن
بقلم: ويليام ج. بيرنز
(صحيفة” ذا واشنطن بوست” الامريكية, ترجمة: انيسة معيض-سبأ)
إن قدرة الرئيس ترامب بإنهاء تورط أمريكا في “الحروب التي لا تنتهي” أمر مدرك, لكنه تصرف في كثير من الأحيان بطرق تؤجج لهيب الحرب في الشرق الأوسط بدلاً من إطفاءها.
ففي سوريا، تتعرض العملية الملفتة للنظر ضد زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي إلى الاضعاف من خلال تفكك استراتيجي واسع, وذلك عن طريق اتخاذ قرار متهور بسحب القوات من شمال شرق سوريا دون تنسيق مع الحلفاء والشركاء، ناهيك عن قادته ودبلوماسيه, وهكذا فتح ترامب الباب لمزيد من الصراع, حيث دعمنا مصالح دمشق وطهران وموسكو وأنقرة، وكذلك قمنا بتغذية الوضع هناك بمزيد من الشكاوي السنية المحلية والتي يتغذى عليها تنظيم الدولة الإسلامية ليتفاقم الوضع هناك.
ومن خلال الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، قام ترامب برفع الغطاء عن البرنامج النووي الإيراني وأثار ضغوطاً على التوترات الإقليمية المتصاعدة, والنتيجة ؟ نشر 3000 جندي أمريكي إضافي في الخليج للتعامل مع الاستفزازات التي هي إلى حد كبير من صنعه.
ومع ذلك، هناك حرب واحدة لا يزال بإمكان ترامب المساعدة على إنهاؤها, قد تبدو الحرب في اليمن بمنىً عن معظم الأميركيين، لكن عواقبها الإنسانية والإستراتيجية هائلة.
وصفت الأمم المتحدة الوضع في اليمن بأنه أسوأ أزمة إنسانية في العالم, والتي ادت إلى نزوح أكثر من 3 ملايين يمني، ومقتل ما يقرب من ربع مليون شخص، في حين أصبح أكثر من 15 مليون شخص معرضين لخطر المجاعة.
لقد ساهم النزاع في ظهور أسوأ تفشي للكوليرا في التاريخ الحديث والوضع يزداد سوءاً يوماً بعد يوم.
الآثار الاستراتيجية هي بنفس القدر من الخطورة, تظل الحكومة اليمنية المعترف بها من قبل المجتمع الدولي في المنفى، والحوثيون الذين تدعمهم إيران يسيطرون على العاصمة، كما ينمو تنظيمي الدولة الإسلامية (داعش) والقاعدة في الجزء الشرقي من البلد، حيث يواصلون التآمر على الغرب.
الصراع هو أيضا وصمة عار على السياسة الخارجية للولايات المتحدة, لقد قمنا ببيع المملكة العربية السعودية القنابل والصواريخ المسؤولة عن ثلثي الإصابات في صفوف المدنيين فضلاً عن الأسلحة الأمريكية الأخرى التي هي الآن بين أيدي الميليشيات التي تدعمها السعودية وخصومها.
نحن نقوم بتدريب الطيارين السعوديين، وخدمة طائراتهم، وتبادل المعلومات الاستخبارية وتقديم المشورة بشأن الأهداف, لا فضل لنا – ولا لشركائنا السعوديين – من خلال الانغماس والمساعدة والحث على توغل الرياض الكارثي في اليمن.
والخبر السار، بقدر ما يوجد في المنطقة هذه الأيام، هو أن ظروف التقدم الدبلوماسي في اليمن قد نضجت.
لقد أدركت الإمارات العربية المتحدة، الشريك العسكري الأكثر كفاءة للسعودية، أن رد الفعل على مصالحها وسمعتها لا يستحق كل هذا العناء بكل بساطة, لذا في يوليو، بدأت في سحب الغالبية العظمى من قواتها من اليمن.
بدأت السعودية بالمثل في مواجهة الواقع بعد أن أنفقت أكثر من 100 مليار دولار على الحرب في إطار عملية عرض حدود جيشها بشكل كامل وفضح تعرضها لإيران المفترسة, واليوم تواجه الرياض قلقاً متزايداً في الكونغرس الأمريكي.
كل هذا دفع السعوديين للإشارة إلى محور نحو الدبلوماسية, ففي الشهر الماضي، افتتحت الرياض والحوثيون مسار المحادثات مجدداً.
يمكن للولايات المتحدة ويجب عليها استخدام نفوذها لدفع الدبلوماسية, ويمكن أن تفعل ذلك بثلاث طرق.
أولاً: يجب أن نضغط على الرياض لتمديد وقفها الغارات الجوية وقبول وقف إطلاق النار على مستوى البلد لاختبار مدى جدية تعهدات الحوثي الأخيرة بوقف الهجمات على الأهداف السعودية, كما يجب علينا أيضاً أن نضغط على الرياض لفتح مطار صنعاء أمام رحلات الإجلاء الطبي ورفع القيود المفروضة على واردات الوقود التي تعتبر ضرورية للإغاثة الإنسانية.
ثانياً: يجب أن نضع دعمنا الكامل في اتجاه إطار جديد للمحادثات بقيادة الولايات المتحدة, إطار يعترف بالحقائق التي تشير إلى أن الحوثيون لن ينسحبون إلى معقلهم في الشمال, وأن الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً لا يمكن ببساطة نقلها جواً من المنفى في الرياض إلى صنعاء؛ كما يجب أن نركز اهتماماً على ضرورة معالجة المخاوف الأمنية المشروعة لشركائنا في الخليج, وأن طهران يجب أن تشارك مباشرة.
كانت إيران متواطئة بقوة في العنف الدائر في اليمن، لكن لديها مصلحة محتملة في تنشيط الدبلوماسية وقدرة واضحة على تقويضها.
ثالثاً: يتعين على الكونغرس أن يضع شروطاً على مبيعات الأسلحة المستقبلية والدعم العسكري للسعودية بحيث الالتزام المستمر بامتثال وقف إطلاق النار والتقدم الدبلوماسي.
لدينا حصة كبيرة على المدى الطويل في شراكتنا مع السعوديين، ولكن علينا أولاً أن نساعدهم على التوجه إلى الخروج من اليمن “الطريق الذي يبحثون عنه”.
ستبقى اليمن لبعض الوقت دولة فقيرة مجزأة وغير مستقرة, ولكن يمكننا المساعدة في إزالة طبقة واحدة من عدم الاستقرار في منطقة تفيض بعدم الاستقرار، والتقليل من المعاناة الإنسانية التي لا توصف، والتقليل من التورط العسكري الأمريكي، وتمهيد السبيل للدبلوماسية الصعبة التي ستعقبها.
في اليمن، لن يكون هناك موكب انتصار كبير يستعرض به أو نوع من مؤتمرات القمة التي غالباً ما تحفز دبلوماسية ترامب، ولكن إنهاء الحرب هناك هو الشيء الصحيح والذكي الذي يجب القيام به بالنسبة للولايات المتحدة وللمنطقة, لذا يجب أن نغتنم هذه الفرصة.
*وليام بيرنز, رئيس مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ونائب وزير الخارجية السابق ومؤلف كتاب “القناة الخلفية: مذكرات الدبلوماسية الأمريكية وحالة تجديدها”.
* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.