بقلم: أحمد عبد الكريم

(موقع  “investigaction-” الفرنسي, ترجمة: أسماء بجاش – سبأ)

يعيش الشعب اليمني تحت وطأة العمليات القتالية, فمنهم من قضى نحبه جراء القنابل, والبعض لا يجرؤ على مغادرة منازلهم، وما تبقى منهم يتم تجنيده من قبل المملكة العربية السعودية كمرتزقة … فمنذ بداية العمليات العسكرية لدول التحالف العربي بقيادة السعودية أواخر مارس من العام 2015, حُرم نصف مليون طفل يمني من الذهاب إلى المدارس, ومع بدء سنة دراسية جديدة في اليمن، يحقق أحمد عبد الكريم في تأثير الأسلحة الأمريكية على أطفال المدارس في البلد الذي مزقه الحرب.

محافظة صعدة شمال اليمن- لم تحصل الطفلة فرح عباس الحليمي الطالبة في الصف الثالث من المرحلة الابتدائية على حقيبة الظهر المدرسية أو الكتب المدرسية التي كانت تتوق للحصول عليها من منظمة اليونيسف هذا العام.

وبدلاً من ذلك، فقد حصلت على قنبلة حديثة أمريكية الصنع تم امطارها من على متن طائرة حربية من طراز F-16 تابعة لسلاح الجو السعودي.

سقطت تلك القنبلة على مدرسة فرح في 24 سبتمبر, حيث ذهب ضحية هذا الهجوم الطفلة فرح واثنتين من شقيقتيها ووالدها الذي كان يعمل في المدرسة, فمثل هذه الحوادث سيكون لها بلا أدنى شك تأثيراً عميقاً لا رجعة فيه على سلامة وفعالية تلاميذ المدارس في جميع أنحاء المنطقة.

وعلى مدار تاريخ اليمن قبل اندلاع الحرب والذي يُشير إليه السكان المحليون بإعجاب كون تلك الفترة تعتبر سنوات اليمن السعيد، لم يتعرض خلالها جيل كامل على الإطلاق لمستوى الكارثة والمعاناة التي فرضها التحالف الذي تقوده السعودية على جيل الطفلة فرح, حيث استخدمت الرياض خلالها أسلحة عالية التقنية قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الغربية الأخرى.

بدأت السنه الدراسية الجديدة في اليمن، وهي العام الدراسي الخامس منذ بدء الحرب، لم يطرأ تغيير يذكر بالنسبة لأطفال المدارس في اليمن بخلاف حقيقة أن أسلحة التحالف قد أصبحت أكثر دقة بل وأكثر فتكا، تاركين مستقبل أكثر من نصف مليون تلميذ في البلد يتخبط في أروقة النسيان.

يروي لنا أحد أفراد عائلة أيمن الكندي, وهو طفلاً لم يتجاوز الربيع السادس من العمر, كيف كان ينتظر بفارغ الصبر الذهاب إلى المدرسة: “أريد الذهاب إلى المدرسة، لا أستطيع الانتظار لفترة أطول” مشيرا إلى كيف كان أيمن المحاط بفخر من قبل جميع أفراد الاسرة، كان ينتظر بشوق أن يأتي يومه الدراسي الأول, ولكن لم يأتي ذلك اليوم الموعود بنظر الطفل!

أراد أيمن أن يصبح طبيباً، ولكن قنبلة أخذته بعيداً عن حلمه, فهذا ما تفعله هذه القنابل الأمريكية لأطفالنا أنه لأمراً مرعب.

ففي أواخر يونيو من هذا العام, استهدفت مقاتلة تابعة لدول التحالف العربي منزل عائلة أيمن، الذي يقع في منطقة ورزان بمحافظة تعز الواقعة في الجهة الجنوبية الغربية من اليمن, قتل على إثرها ستة من أفراد عائلة أيمن، من بينهم ثلاثة أطفال تتراوح أعمارهم ما بين 12 و 9 و 6 عاماً.

ووفقا لمنظمه العفو الدولية, تم تصنيع هذه القنبلة الدقيقة الموجة بالليزر والمستخدم في الهجوم من قبل شركة ريثيون الأمريكية, إذ حلل أخصائيون في مجال التسليح العسكري في العفو الدولية صورا لبقايا القنبلة التي عثر عليها في موقع الهجوم, والتي تم تجميعها من قبل باقي أفراد الأسرة, حيث حددوها بأنها قنبلة تزن 250 كغم مصنعة في الولايات المتحدة من طراز  .”GBU-12 Paveway II”

لم يكن استخدام الأسلحة التي صنعتها الولايات المتحدة الأمريكية في الهجوم على منزل الكندي بالأمر الغريب, حيث أن السواد الأعظم من تلك الأسلحة التي في حوزة الرياض وأبو ظبي والتي من خلالها تمكنتا معاً من تنفيذ ربع مليون غارة جوية  علي اليمن منذ بداية الحرب, هي أمريكية المنشئ.

نظم ذوي العديد من الضحايا الذين فقدوا أحبائهم في الغارات الجوية للتحالف العربي معرضاً لصور وبقايا حطام الأسلحة الأمريكية التي تم انتشالها من تحت الأنقاض, حيث حمل هذا المعرض الذي احتضنته العاصمة صنعاء عنوا ” أدلة علي الجرائم”, فقد كان هذا الحدث بمثابة فرصه لتعزيز الأدلة على جرائم الحرب المحتملة, كما شهد هذا المعرض  زخماً كبيراً من قبل المئات من المدنيين.

صور من التحقيق الذي أجرته منظمة العفو الدولية, يظهر من خلالها منزل الكندي وقنبلة ريثيون التي دمرته.

كانت الغارة الجوية التي استهدفت منزل الكندي واحدة من حوالي 12 هجوما شنتها السعودية باستخدام أسلحه أمريكية الصنع, وذلك بحسب التقرير الصادر مؤخرا عن الأمم المتحدة, حيث كشف فريق من المحققين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عن حالات عديدة من الغارات الجوية السعودية التي انتهكت القانون الدولي الإنساني وللمرة الأولى تم الإشارة بشكل مباشر إلى ضلوع كلا من الولايات المتحدة الأمريكية, وبريطانيا العظمى, وفرنسا وأستراليا كونها الجهات الموردة للأسلحة المستخدمة لهذه الهجمات.

قال تشارلز غارواي، المحامي العسكري السابق وأحد الخبراء الذين يقفون وراء هذا التقرير لشبكة تلفزيون بي بي أس الأمريكية مؤخراً: “نحن نعيش في خضم حالة  حرب مستمرة, تسببت في معاناة هائلة، وبصراحة فإن معظم هذه المعاناة ناتجة عن الأسلحة, فالمأساة في اليمن مروعة للغاية في الوقت الحالي, لذا يتوجب على المرء منا التوصل إلى اتفاق لإنهاء هذه الحرب”.

وعلى الرغم من وفره الأدلة التي تشير إلى أن السعودية والإمارات تستهدفان بشكل منتظم المدارس والمرافق المدنية الأخرى، تواصل الولايات المتحدة الأمريكية تغذية الترسانة العسكرية لدول التحالف العربي.

حاولت إدارة ترامب فرض صفقة أسلحة بقيمة 8.1 مليار دولار لكلاً من السعودية والإمارات والأردن, وعلى الرغم من المعارضة المتزايدة داخل حكومته، إلا أن الرئيس ترامب يبدو أنه مصمم على الحفاظ على تدفق الأسلحة الأمريكية إلى الرياض وحلفائها.

هذا ليس باليوم العادي, أنه يوم “العودة إلى المدرسة”:

محمد عبد الرحيم الهادي, طفل في 11 من العمر, وهو أحد التلاميذ القلائل الذين نجوا من الضربة الجوية السعودية المرعبة والمميتة التي استهدفت حافلة مدرسية على مشارف منطقة ضحيان في محافظة صعدة شمال غرب اليمن في 9 أغسطس من العام 2018, حيث أسفر هذا الهجوم عن مقتل أكثر من 35 طفلاً من زملائه.

كان محمد أحد الناجين وبأعجوبة من هذا الهجوم المميت, واليوم، يعود محمد إلى المدرسة لأول مرة منذ ذلك اليوم المريع, حيث عاد إلى مدرسة لا يوجد بها زملائه ورفقائه كما تفتقر إلى أدنى الخدمات.

تقع مدرسة محمد الجديدة “الفالح” في وادي مترب يقع بالقرب من الحدود الشمالية الشرقية لليمن مع المملكة العربية السعودية.

محمد الهادي، أحد الناجين من الغارة الجوية التي استهدفت حافلة مدرسية في أغسطس من العام 2018, يعود إلى المدرسة لأول مرة منذ الهجوم/ تصوير: علي الشوربجى

تم استهداف الحافلة المدرسية التي كانت تقل محمد وزملائه بقنبلة من طراز “Mark 82” تم تصنيعها بالاشتراك مع مصانع الأسلحة الامريكية “لوكهيد مارتن وجنرال ديناميكس”, حيث تم بيع قنبلة”Mark 82″ إلى جانب العديد من القنابل الأخرى من سلسلة”Mark”  من قبل الولايات المتحدة الأمريكية إلى التحالف الذي تقوده السعودية من خلال سلسلة من العقود المبرمة في الفترة ما بين عامي 2016 و 2017.

بالإضافة إلى الفظائع التي سطرها التحالف العربي, فقد شنت مقاتلاته غارة جوية استخدمت من خلالها نفس النوع من هذه القنابل وذلك أثناء مراسيم تأبين في العاصمة صنعاء في العام 2017, حيث خلف هذا الهجوم وراءه أكثر من 140 قتيلاً و 525 جريح.

ومع دخول الحرب في اليمن عامها الخامس، يصعب وصف النتائج المأساوية لصفقات الأسلحة تلك، ولكن أثارها ملحوظ في كل مكان, حيث دمرت القنابل بصورة جزئية علي الأقل حوالي 3526 مبنى مدرسي منذ اندلاع الصراع, ولم يتم أعاده بناء معظمها, ومن بين هذه المدارس تم تدمير 402 مدرسة بشكل كلي, وبحسب دراسة استقصائية ميدانية جديدة أجرتها وزاره التعليم, لا تزال حوالي 900 مدرسة يمنية تعمل كملاجئ للنازحين, في حين تم إغلاق 700 مدرسة نتيجة للاشتباكات المستمرة.

أشارت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) أن مليوني طفل يمني لم يلتحقوا بالعملية التعليمة.

ومن جانبها, قالت سارة بيسولو نيانتي، ممثلة اليونيسف في اليمن، في بيان صادر مؤخراً: “لم يلتحق نصف مليون طفل يمني بالمدارس منذ بدء الحرب السعودية في أواخر مارس 2015.

كما أعربت ممثلة اليونيسف في اليمن عن مخاوفها بشأن مستقبل الأطفال اليمنيين، حيث قالت:”يواجه أطفال اليمن مخاطر متزايدة من الاستغلال بجميع اشكاله وألوانه, منها على سبيل المثال لا الحصر: الإكراه على المشاركة في العمليات القتالية, وعمالة الأطفال والزواج مبكر, فهؤلاء الأطفال يفتقرون إلى فرص التطور والنمو في بيئة رعاية ومحفزه، حيث ينتهي بهم المطاف إلى الوقوع في براثن الفقر والحرمان”.

أشارت منظمة سام لحقوق الإنسان في جنيف، إلى أن 400 ألف تلميذا في اليمن يعانون من سوء التغذية الحاد، مما يعرضهم لخطر الوفاة المفاجئ, في حين أن 7 مليون طفل في سن المدرسة يعانون من الجوع وأكثر من 2 مليون آأخرين لا يذهبون إلى المدرسة.

وحتى قبل بدء الحرب، لم يكن النظام التعليمي في اليمن الذي يعتبر من أفقر البلدان في العالم العربي في حالة جيده, حيث لطالما عانى هذا القطاع من نقص المعدات والمدرسين ذوي الخبرات, بالإضافة إلى نقص في الكتاب المدرسي, فجميع هذه العوامل والأسباب ألقت بظلالها على العملية التعليمية في اليمن, ومن جانبه, لم تستكنف مقاتلات التحالف والحصار البحري والجوي الذي تفرضه دول التحالف العربي بدعم من الإدارة الأمريكية عن تدمير ما تبقي من القطاع التعليمي في البلد.

لم يتقاضى العديد من المعلمين في اليمن رواتبهم لسنوات والبعض الآخر عاجز عن كسب لقمة العيش، لذلك سعوا إلى العمل كجنود في ساحات القتال, تاركين وراءهم ملايين الأطفال بلا آفاق, ناهيك عن كون الأمية تمثل 70 ٪ من أجمالي عدد السكان.

كما حذرت بيسولو من أن تعليم 3,7 مليون طفل يمني في خطر، لان المُعلمين لم يحصلوا على رواتبهم لأكثر من عامين، مضيفتاً أن واحدة من كل خمس مدارس في اليمن لم يعد من الممكن استخدامه كنتيجة مباشرة للصراع, كما أن العنف والتهجير والهجمات على المدارس تمنع العديد من الأطفال من الذهاب إلى المدرسة”.

وفي محاولة لمنع المعلمين من مغادرة المدارس، عملت وزارة التعليم في صنعاء على  فرض رسوم تقدر  بي 2 دولار في الشهر الواحد على كل تلميذ, ليتم دفعها رواتب للمعلمين، ولكن هذه الرسوم بالرغم من كونها مخفضة, إلا أنها أضافت على ما يبدو عبئاً كبيراً على الأسر التي لديها أكثر من طفل واحد, حيث يعيش الكثير منهم في فقر مدقع نتيجة للحرب والحصار.

قالت أحد الامهات:”لدي ستة أطفال, يتوجب عليهم الذهاب إلى المدرسة، مما يعني أنه يجب على أن أدفع 12 دولار في الشهر الواحد, فانا لا أستطيع تأمين هذا المبلغ، فأنا أمرة ثكلا فقد زوجي في الاشتباكات التي اندلعت بين أنصار الرئيس السابق علي عبد الله صالح وقوات المعارضة في حي الحصبة في العام 2011. واليوم، فان مصدر رزقي الوحيد هو التسول وهذا لا يكفي لإطعام أطفالي الستة، ناهيك عن إرسالهم إلى المدرسة”.

ومما زاد الطين بله، قبل أسابيع قليلة من بداية العام الدراسي الجديد، منعت قوات  التحالف العربي الذي تقوده السعودية 11 ناقلة نفط من دخول اليمن, حيث أدى ذلك إلى نقص حاد في الوقود، مما يعني توقيف الحافلات المدرسية, وبالرغم  من كون بعض أهالي تمكن من دفع الرسوم المدرسية, إلا أن هذا الوضع حال بينهم وبين إرسال أطفالهم إلى المدرسة.

عواقب نفسية وخيمة

أشارت منظمة اليونيسيف أن تأثير الأسلحة التي صنعتها الولايات المتحدة الأمريكية على الأطفال اليمنيين لا يتوقف عند هذا الحد, فالأطفال الذين نجوا من العمليات القتالية غالباً ما ينتهي بهم المطاف بإعاقات بدنية وأعراض نفسية مزمنة، مما يجعل المكان الذي يعيشون فيه أسوأ بيئة في العالم.

بالإضافة إلى الضحايا المباشرين للغارات الجوية التي تمطرها قوات التحالف العربي على اليمن، فإن دوي الانفجارات وهدير المقاتلات الحربية التي يتم تجاهلها إلى حد كبير والغير مسجلة من قبل المجتمع الدولي، تورث للأطفال اليمنيين أضرار نفسية وخيمة.

أطفال يرتعدون خوفاً عند مدخل أحد الكهوف التي تستخدم كملجأ مؤقت في منطقة مران الحدودية/ 30 سبتمبر 2019/ طه الشوربجي

مثل العديد من التلاميذ الآخرين، ففي الغالب ما يشرد ذهن محمد الهادي أثناء تواجده في المنزل أو أثناء وجوده في الفصل الدراسي، فقد أصبح اليوم غير قادر على التركيز كما ينتابوه نوبات قلق شديد.

ففي الوقت الذي يعاني فيه أطفال اليمن من تبعات الصدمات النفسية المليئة بالخوف الدائم جراء الغارة الجوية الوشيكة وخاصة أولئك الذين يعيشون في المناطق الحدودية، يشغل التلاميذ في جميع أنحاء العالم عقولهم بالأمور اليومية التي تصاحب فترة المراهقة.

ومنذ بدء السنة الدراسية الجديدة في 15 سبتمبر، أسقط التحالف العربي الذي تقوده الرياض أكثر من الف قنبلة وصاروخ خلال 400 غاره جوية منفصلة استهدفت المناطق الحدودية في محافظتي صعدة وحجه، كما استهدفت ايضاً محافظات صنعاء، وعمران, والضالع والحديده.

يصاحب المئات من الطلعات الجوية ضجيج مخيف يتسبب في خلق حالة من الذعر والقلق الشديد في قلوب المدنيين، وخاصة تلاميذ المدارس.

قال الدكتور عبد السلام عشيش استشاري أمراض الطب النفسي والعصبي لموقع “Mint Press:” في الماضي قبل اندلاع الحرب، كانت أصوات الطائرات رمزاً لسعادة العائلات التي كانت تنتظر عودة ذويها من الخارج، ولكن الآن بآت صوت الطائرات يعني الدمار والموت والدم, فهذه الطائرات لم تعد تجلب سوى الخوف والذعر, كما تذكرنا بالمآسي والجرائم التي ارتكبت بالأسلحة الأمريكية والبريطانية والفرنسية”.

تروي هناء العولقي، وكيلة مدرسة” الشهيد أحمد عبد الوهاب السماوي” لحظة شن مقاتلات التحالف السعودي غارات جوية تبعد عن مبنى المدرسة عشرات الأمتار:” كانت الساعة 1:45 بعد الظهر، عندما سمعنا ضربة صاروخية, الواحدة تلو الأخرى, تمكنا من تهدئة التلاميذ، لكن عندما تم إسقاط الضربة الثالثة، فقدنا السيطرة على جميع التلاميذ الذين بدأوا بالصراخ, وانتشرت الفوضى في جميع أنحاء المدرسة, حينها زاد صوت القنبلة الرابعة الأمور سوءاً، حيث تم اقتحام المدرسة من قبل أولياء الأمور الذين لم يتمالكوا أنفسهم عند سماعهم صراخ فلذات أكبادهم, كما خيمت حالة من الإغماء على الكثير من المعلمين”.

رد فعل أطفال المدارس على القنابل التي سقطت بالقرب من مدرستهم  في 11 نوفمبر 2017/تصوير :محمد الكبسي

أردفت هناء العولقي حديثها, حيث قال:”ان العديد من تلاميذ المدارس يعانون من تشنجات عصبية في حال سمعوا أصوت الطائرات، بينما يرفض آخرون العودة إلى المدرسة, ومن جانبه أضاف الدكتور عشيش أن أصوات الانفجارات أو هدير الطائرات العالقة في أذهانهم يمكن أن تلقي بهم في خضم صراعاً نفسي خطير يملأه الذعر والقلق.

قال جلال العميسي، وهو ممرض في مستشفى الأمراض العصبية والنفسية في صنعاء لموقع Mint Press”” إن معظم الحالات التي تصل إلى المستشفى هي من مناطق خاضعة لغارات مكثفة من قبل التحالف السعودي، مثل صنعاء والحديدة وصعدة, وأضاف العميسي أن معظم المسعفين يفتقرون إلى التدريب اللازم للمعالجة والتعامل مع القضايا والمشاكل النفسية المعقدة التي يعاني منها هؤلاء الأطفال.

هذه المآسي التي عاشها أطفال اليمن تتجاوز بشكل كبير الأثر المؤقت على تعليمهم, وبدون الرعاية والمعرفة المناسبتين واللازمتين لمعالجة هذه المشاكل النفسية، فان الكثيرين منهم سيعانون من عواقب تدوم مدى الحياة وستعيق قدرتهم على الذهاب إلى المدرسة, وبشكل خاص فهذا صحيح, بالنظر إلى عدم وجود برامج أو مراكز أو مستشفيات لإعادة تأهيل الأطفال المتأثرين بالحرب في اليمن.

مطالبة الأميركيين بفتح أعينهم

يواجه تلاميذ المدارس الذين يعيشون في المناطق الواقعة على طول الحدود اليمنية التي يسهل اختراقها مع المملكة العربية السعودية وفي جميع أنحاء المناطق الجنوبية, واقعاً أكثر كآبة ومرره من الواقع الذي يواجهه أقرانهم.

إذ يتم تجنيد العديد منهم أو حتى إجبارهم على الانضمام إلى العمليات القتالية للدفاع عن الحدود السعودية عبر شبكات الاتجار والتهريب المحلية، التي تزج بالأطفال إلى معسكرات التدريب والتجنيد في محافظتي جيزان ونجران جنوب المملكة، وكذلك في المناطق الجنوبية من اليمن.

أشارت منظمة سام في أحدث تقرير لها, إلى أن السعودية قامت بتجنيد آلاف الأطفال اليمنيين للقتال على طول حدودها الجنوبية مع اليمن على مدار السنوات الأربع الماضية, وغالباً ما يتم مواراة جاثمين هؤلاء الأطفال الثرى الذين لقوا حتفهم نتيجة القتال على الحدود في المملكة دون علم أسرهم, في حين يعاني 300 شخص على الأقل من أعاقات دائمة جراء بتر أطرافهم نتيجة لإصاباتهم في العمليات القتالية.

صبي يبلغ من العمر 17 عاماً يرفع سلاحه في منطقة سد مأرب/ 30 يوليو 2018/ تصوير:ناريمان المفتي

تمكن موقع “Mint Press” من التحدث إلى العشرات من الأطفال الذين لا يزالون في سن المدرسة, حيث تم أسرهم خلال عملية الحوثي الأخيرة والتي شهدت أسر الآلاف من المرتزقة بما فيهم العشرات من أطفال المدارس، وضباط سعوديين.

كان عادل البالغ من العمر 15 ربيعاً من بين الذين تم أسرهم, حيث غادر منزله في مدينة تعز، بعد وعوداً تلقاها بالحصول على راتب منتظم يصل إلى 3000 ريال سعودي أي ما يعادل (800 دولار):” لقد تركنا لوحدنا في وادي أبو جبارة لمواجهة مصيرنا, حيث فر المجندون الأكبر سناً في شاحنات وعربات مدرعة, ومن ثم شهدت المنطقة تحليق جوي سعودي مكثف, بعدها استسلمنا لجماعة الحوثي”.

استهدفت الطائرات الحربية السعودية المرتزقة الذين تم أسرهم في وادي أبو جبارة، مما أسفر عن مقتل أكثر من 300 من مجنديهم.

يواصل عادل الذي ترك كرسي الدراسة على أمل وعوداً براتب شهري حديثه:” تم تجنيدي وآخرين لغسل ملابس الجنود السعوديين، لكنهم ما لبثوا وأعطونا أسلحه واجبرونا على الذهاب إلى ساحات القتال”, وعندما سئل عن ما الذي سيفعله عندما يتم الإفراج عنه، قال “أريد ان أعود إلى أمي ومدرستي, لا أريد ان أقاتل”.

ان تجنيد السعودية للأطفال اليمنيين ليس بالأمر الجديد, وعلى الرغم من أن الرياض وقعت علي البروتوكول الدولي الذي يحظر مشاركة الأطفال في الصراعات المسلحة والذي انطلق في العام 2007 ومرة أخرى في العام 2011, إلا أنها اتهمت بتجنيد أطفال سودانيين من إقليم دارفور للقتال في اليمن بالنيابة عنها حتى العام 2018.

ختم محمد الذي يزور في الكثير من الاحيان ضريح زملائه والواقع على بعد أمتار قليلة من مدرسته الجديدة، إنه سيواصل الذهاب إلى المدرسة كل يوم رغم كل شيء وبغض النظر عن معدل الغارات الجوية اليومية التي تمطرها مقاتلات التحالف عليهم, كما طلب من الأميركيين أن يفتحوا أعينهم ليروا ما تفعله أسلحتهم بأطفال اليمن.

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.