كيف تنهي الحرب في اليمن؟
بقلم: أبريل لونغلي ألي*
( مجلة”فورين بوليسي” الامريكية, ترجمة: أنيسة معيض- سبأ)
منذ هجوم سبتمبر على منشآت النفط السعودية، تراجع كلاً من الرياض والحوثيين عن مواصلة الحرب الشاملة. يجب على جميع الأطراف، بما في ذلك الولايات المتحدة اغتنام هذه الفرصة النادرة لحل النزاع.
مع كل مشاكل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الداخل والخارج، يمكن لإدارته أن تستغل النصر.
هناك ثمار متدنية في اليمن، وقد تتلاشى آثار النجاح الضئيل هناك في البلد الفقير الذي مزقته الحرب.
قدم الحوثيون (الذين يفضلون أن يطلقوا عليهم اسم أنصار الله) عرضاً لإيقاف التصعيد، والذي إذا تم استغلاله بسرعة, يمكن أن يساعد في انتزاع الولايات المتحدة من الحرب الدموية التي لا يمكن التخلص منها والتي تسببت في أسوأ كارثة إنسانية في العالم.
سوف يقلل من التهديدات للمملكة العربية السعودية وبنيتها التحتية النفطية في وقت يتصاعد فيه التوتر مع إيران, وسوف يفتح الباب أمام انحسار نطاق التصعيد داخل اليمن وربما في جميع أنحاء المنطقة.
في 20 سبتمبرالماضي، أعلن الحوثيون – الذين يسيطرون على شمال غرب اليمن والذين كانوا في حالة حرب مع مجموعات مختلفة من الجماعات اليمنية المدعومة من السعودية والإمارات منذ عام 2015 – تعليقاً أحادي الجانب للضربات على السعودية.
بالمقابل، طالبوا بوقف الضربات الجوية السعودية ورفع القيود المفروضة على الوصول إلى شمال اليمن.
لقد فعلوا ذلك في أعقاب المزاعم بشأن هجمات 14 سبتمبر ضد منشآت نفط أرامكو السعودية، وهو ادعاء لا يعتقده سوى القليل وهو الهجوم الذي ربط الجماعة أكثر من أي وقت مضى بإيران في أعين خصومها.
وعلى الرغم من ان الحوثيين يطلقون صواريخهم بشكل روتيني ويرسلون طائرات بدون طيار إلى الأراضي السعودية، يقول الخبراء إن نوعية الهجوم وكثفافته يشير إلى إيران, ووفقاً لمسؤولين سعوديين وأمريكيين، كان اتجاه الهجوم من الشمال ، وليس من اليمن إلى الجنوب.
والمثير للدهشة إلى حد ما، أن الاستجابة السعودية للمبادرات التي اطلقها الحوثيون كانت إيجابية في معظمها.
لم يعلقوا الضربات الجوية لكنهم قللوا منها في بعض المناطق, ولقد سهلت دخول عدد من شحنات الوقود إلى الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيين، وإن لم يكن ذلك كافياً لمعالجة أزمة الوقود المستمرة.
أطلق الحوثيون من جانب واحد حوالي 300 سجين، بينهم ثلاثة سعوديين, وتبادل الجانبان إشارات عامة إيجابية على نحو غير عادي تشير إلى الاهتمام بتراجع التصعيد، وقيل إنهما أعادا فتح النقاش لمسارات سابقة.
بالنسبة للرياض، من المرجح أن إنهاء الحرب في اليمن أكتسب أهمية جديدة في أعقاب الهجمات على منشآت النفط السعودية أرامكو، التي أعادت إلى البلد مخاطر الحرب الساخنة مع إيران في حين احدثت فجوة كبيرة في المظلة الأمنية الأمريكية.
وكحد أدنى، فإن حرب اليمن تعتبر نزاع مكلف وخطير تجعل تركيز السعوديين جنوباً في حين يمكن توجيه الاهتمام إلى مكان آخر.
إنها تختبر وتكشف نقاط الضعف العسكرية للمملكة العربية السعودية وتتيح لإيران إمكانية الإنكار بشكل ظاهري من خلال الحوثيين والقيام بشن هجمات, ولا توجد خيارات عسكرية سهلة لقلب التيار ضد الحوثيين بعد أن منعت الأمم المتحدة أي هجوم على مدينة الحديدة الساحلية التي يسيطر عليها الحوثيين في ديسمبر 2018, حيث اعلن الشريك الرئيسي للرياض في التحالف ” ابو ظبي” سحب قواتها، حيث لا ترى الآن أي فائدة تذكر في استمرار الحرب المتعثرة في الشمال.
ينحاز السياسيون البارزون الى السبل التي تؤدي الى الخروج من حرب تسببت في أضرار إنسانية لا حصر لها وتهدد بأن تصبح حافزاً لإشعال حريق إقليمي.
يجب استغلال هذه الفرصة، خاصة من قبل الولايات المتحدة، التي كانت متواطئة في حرب الرياض ويمكن أن تشجع الآن حلفائها السعوديين على التوصل إلى تفاهم مع الحوثيين الذي يتضمن انخفاض كبير في الهجمات عبر الحدود, وإذا نجح ذلك، يمكن أن يكون هذا بمثابة الأساس لاتفاقية وقف إطلاق النار التي توسطت فيها الأمم المتحدة بين الخصوم اليمنيين – بمن فيهم الحوثيون والحكومة اليمنية والانفصاليون الجنوبيون المدعومون من الإمارات وآخرين واستئناف المفاوضات داخل اليمن, لإنهاء الحرب الاهلية, ولكن العرض لن يكون على طاولة المفاوضات إلى أجل غير مسمى.
إن عروض انحسار التصعيد هشة ويمكن عكسها بسهولة, ومن شبه المؤكد أن الفشل في الوصول إلى اتفاق متبادل يحد من الغارات الجوية ويؤمن الحصول على الوقود سيدفع الحوثيين للتراجع عن عرضهم، مع استئناف الهجمات وربما تكثيفها.
ومن جانبهم، من المرجح أن السعوديين يريدون ضمانات بأن الحوثيين لن يقوموا بإيقاف التصعيد عبر الحدود لإعادة التجمع وإعادة التموقع والتقدم على الأرض داخل اليمن ضد مختلف الخصوم اليمنيين وعلى طول الحدود ضد السعوديين, وورد أن المتشددين في الجانب الحوثي عارضوا تعليق الغارات من جانب واحد, إذ ينظر البعض منهم إلى حرب إقليمية، يكونون فيها إلى جانب إيران، أمراً لا مفر منه تقريباً وحتى مفيداً لهم، حيث إنها ستجذب انتباه المملكة العربية السعودية بعيداً عن الخاصرة الجنوبية.
في الوقت الحالي، يبدو أن الأصوات الأكثر واقعية بين قيادة الحوثيين قد فازت، لكنهم يحتاجون الطريق الحيوي .
يبدو أن السعوديين يمنحونهم واحداً، وعلى الولايات المتحدة تشجيع هذا التحول ومضاعفة الجهود الدبلوماسية لإنهاء هذه الحرب والحد من إمكانية ان تكون اليمن نقطة انطلاق للمواجهة الإقليمية.
قد يجادل المتشككون أن هذا مستحيل, إذا زاد التوتر الإقليمي، وكما يقولون، ستستخدم إيران الحوثيين لضرب السعودية, وبالتأكيد، إذا استمرت الحرب في اليمن فستكون هذه هي الحالة.
كان الحوثيون واضحون أنهم سيكونون إلى جانب طهران إذا اندلعت حرب إقليمية وما زالت الحرب في اليمن مشتعلة, لكنهم قالوا أيضاً، في المناقشات مع مجموعة الأزمات الدولية، أنهم يريدون تراجع التصعيد مع الرياض, وأنهم سيبقون محايدين في أي قتال إذا انتهت حرب اليمن.
ليس لدى السعودية والولايات المتحدة الكثير لتخسره وستكسب الكثير من خلال السعي لتحقيق المقترح.
في أفضل السيناريوهات، يمكن أن يؤدي تراجع التصعيد في اليمن إلى تخفيف التوترات على نطاق أوسع بين الحلفاء الأمريكيين وإيران – إذا شوهد الإيرانيون على الأقل على أنهم لا يقوضون أي اتفاقيات توصل إليها الحوثيون.
وإذا تم توقيع اتفاق ناجح، يمكن للإيرانيين التواصل بهدوء مع الرياض والشركاء الآخرين الذين لا يعترضون ويناصرون الحوثيين على التراجع.
البدائل قائمة, فإذا فشلت المبادرة، سيتم تهميش الحوثيين الذين شجعوا على إيقاف التصعيد، ومن المرجح أن تستأنف الحرب بقوة متجددة من كلا الجانبين – بكل ما يترتب على ذلك من عواقب إنسانية وخيمة – وستوطد الحركة الحوثية من ارتباطها بإيران.
وفي ضوء التوترات الإقليمية، يمكن أن تكون اليمن نقطة إشعال فتيل الصراع الإقليمي وهو الامر الذي لا تريده الولايات المتحدة ولا إيران.
ليس من الصعب أن نتخيل، على سبيل المثال, ان يتم شن غارة على الأراضي السعودية مما يسفر عنه خسائر أمريكية.
قال المعارضون للحوثيين، بمن فيهم بعض صانعي السياسة السعوديين والأمريكيين, إن النهج الأفضل هو مواصلة الحرب والخنق الاقتصادي، الأمر الذي من شأنه أن يضعف الحوثيين في الداخل ويحد من التهديد الذي يمثلونه للمملكة, ولكن التجربة تقول غير ذلك. لقد نجحت ما يقرب من خمس سنوات من هذه السياسة في الحد من سيطرة الحوثيين على الأرض في الشمال، وإن كان ذلك يتسبب بتكلفة إنسانية هائلة.
لكن الحوثيين انتصروا في الحرب في جهة الشمال الغربي، حيث يحكمون تلك المناطق التي سيطروا عليها بقدرات متطورة، بما في ذلك العاصمة.
وتحقق التكهن بذاته، واصبح الحوثيون يتمتعون بعلاقات قريبة من إيران (التي كانت لهم علاقة محدودة بها فقط قبل عام 2015) واكتسبوا تكنولوجيا عسكرية جديدة لتهديد الجيران الخليجيين والممرات المائية الدولية, والاستمرار في نفس الاستراتيجية لن يؤدي إلى نتائج مختلفة.
ايقاف التصعيد من قبل السعودية والحوثي هو أبعد ما يكون عن الحل الشافي.
حرب اليمن متعددة الطبقات ومتعددة الأقطاب, صراع القوى الإقليمية في خضم حرب أهلية تنتشر بسرعة ولا يمكن حلها إلا من قبل اليمنيين.
وبمرور الوقت، يقوم البعد الإقليمي بتشكيل الصراع وتحويله، ويصبح في النهاية عائقاً أمام قدرة اليمنيين على التفاوض على تسوية داخلية، بما في ذلك تغذية اقتصاد حرب مربحة.
هناك بداية عملية لإيقاف التصعيد في اليمن, مقارنة بالبدائل، إنه اتفاق جيد, ولكنه قد لا يكون متاحاً لفترة طويلة.
يجب على إدارة ترامب أن تأخذه وتستغله وتشجع حلفائها على فعل الشيء نفسه.
*أبريل لونغلي ألي: نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية.
* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.