الجزءالاول :

بقلم: اميل بوفييه

باريس, (موقع “- les cles du moyen orient لوكليه دو موين اغيونت” الفرنسي- ترجمة اسماء بجاش-سبأ)

ماذا يحدث في اليمن, أهو صراع بالوكالة بين إيران والمملكة العربية السعودية، أم حرب طائفية, أم حرب أهلية أم من الوارد أنها حرب اقتصادية… مسميات كثيرة يتم استخدامها في محاولة لتوصيف الصراع الدائر في اليمن، فما يحدث فهو عبارة عن تعقيدات يتوارى خلفها العديد من التحليلات التقليدية لدراسات الحرب.

في الواقع، الأزمة اليمنية التي ما زالت مستمرة منذ 9 يوليو 2014 والتي ترسخت منذ ولادة ثورات الربيع العربي في العام 2011, اثبتت أنها قابلة للاختراق الشديد للأخبار الإقليمية ولاسيما في مجال الأمن الدولي، أضف إلى ذلك الأبعاد الجديدة للصراع على مر السنين.

واليوم، في الوقت الذي تزداد فيه موجة تعقيد الموقف بسبب الانشقاقات الجلية للمرة الأولى بين دول التحالف العربي”السعودي والإماراتي” هناك حاجة إلى وضع موضوعي لكي نتمكن من تكوين صورة شامله وفهم هذا الصراع الدائر منذ أواخر مارس من العام 2015:

في الواقع، بعيدا عن كون ما يحدث في اليمن مجرد معارضة بين الحوثيين والقوات الموالية للحكومة اليمنية والمدعومة من قبل دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، إلا أن مسرحية الجهات الفاعلة في اليمن تبدو أكثر تعددية وهذا ما سنسلط الضوء عليه في الجزء الأول من هذه التقرير.

يرجع تعقيد هذا الصراع في المقام الأول إلى تكوينه, كما يفسر أيضاً حالة الجمود الذاتي القريب اليوم من الوضع السياسي – العسكري، مما يساهم في تفاقم الأزمة الإنسانية التي تعصف بالسكان اليمنيين المحاصرين بيد من حديد  في هذا الصراع, وهذا ما سيركز عليه الجزء الثاني من هذا التقرير.

في الجزء الأول، سيتم النظر إلى الجهات الفاعلة في الأزمة اليمنية التي يمكن تصنيفها إلى فئتين الأولى: المتحاربون المحليون والثانية: الجهات الفاعلة الخارجية.

1-   الجهات الفاعلة الداخلية:

تتصارع في الساحة اليمنية أربع جهات محلية فاعلة:

–         الجهة الأولى: الحركة الحوثية:

وهي عبارة عن أقلية تقطن المناطق الشمالية من البلد, حيث تتميز هذه الحركة بشكل أساسي بانتمائها إلى المذهب الشيعي الزيدي، بالرغم من كون اليمن بلد ذي غالبية سنية.

أشارت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين في العام 2008, من جانبها, إلى أن الفصائل المذهبية في اليمن تشمل المذهب السني 53٪ من أجمالي عدد السكان, في حين يمثل المذهب الشيعي الزيدي 45٪, أما بالنسبة 2٪ المتبقية فهي تمثل الطائفة الاثني عشرية والطائفة الإسماعيلية من أجمالي مجموع السكان.

يمثل الزيديون 30 ٪ من السكان, حيث ليس بالضرورة أن يكون الشيعة الزيديون هم نفسهم الحوثيون, كما تسمى الحركة الحوثية أيضاً باسم “أنصار الله” وهو اسم الفرع السياسي للحركة.

–         الجهة الثانية: القوى السياسية والعسكرية الموالية للرئيس عبد ربة منصور هادي:

تم تعيين هادي على راس السلطة في اليمن مؤقتاً في 4 يونيو 2011 كجزء من ثورة الربيع اليمني، في حين تم انتخابه بصورة رسمية رئيساً للجمهورية في 21 فبراير من العام  2012, وذلك قبل أن يلوذ بالفرار من العاصمة صنعاء في 7 مارس من العام 2015, متوجهة إلى مدينة عدن جنوب البلد, والتي اعلانها فيما بعد عاصمة مؤقتة للبلد, بعدها بداء برحلة هروب جديدة في 26 من مارس من نفس العام إلى العاصمة السعودية الرياض بعد أن تمكنت الحركة الحوثية من طرق أبواب مدينة عدن.

ظل جزء من الجيش موالياً للرئيس هادي, حيث يمثل اليوم القوة المعارضة الرئيسية لحركة التمرد الحوثي والمنضوي تحت راية جيش يمني جديد مجهز بقيادة دول التحالف الذي تقوده السعودية.

–         الجهة الثالثة: تتمثل في القوى السياسية المطالبة باستقلال جنوب اليمن والمجمعة تحت لواء “المجلس الانتقالي الجنوبي”:

تشارك القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي بشكل مباشر في حيثيات الصراع, إذ تعود أصول الحركات الانفصالية إلى 22 مايو 1990, تاريخ النشأة الأولى لتوحيد شمال اليمن بجنوبه, ومع ذلك، فإن الشكل الحالي للحركة الذي يجسده المجلس الانتقالي الجنوبي يعود تاريخه إلى 11 مايو من العام 2017, عندما قام اثنان من الشخصيات البارزة  في الحركة الاستقلالية اليمنية – عيدروس الزبيدي و هاني بن بريك-  بتأسيس المجلس الانتقالي.

يتلاقى الانفصاليين الجنوبيين الدعم من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة التي ترى فيهم القوة المعارضة لحزب الاصلاح الفرع اليمني من جماعة الإخوان المسلمين, كما أنه الحزب القانوني والمعارض الرئيسي لحزب الرئيس هادي “المؤتمر الشعبي العام”.

المجلس الانتقالي الجنوبي ليس محاربا بشكل أساسي ضد الرئيس هادي, ولكن الاشتباكات بين الجانبين متكررة بشكل دائم، كما سيتضح لاحقاً.

–         الجهة الرابعة: القوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح:

من الصعب تحديد هذه القوات السياسية والعسكرية, كونها ظلت تدين بالولاء للرئيس السابق صالح, كما دعمت الحوثيين في هدفهم المتمثل بالإطاحة بالرئيس هادي, فقد كان هذا التحالف تكتيكياً فقط وانتهى بشكل مفاجئ مطلع ديسمبر من العام 2017, عندما تم تصفية “صالح” على أيدي الحوثيين, بعد أن قالوا أنه خالف اتفاقه معهم بعد أن أعلن نيته في فتح صفحة جديدة مع المملكة  العربية السعودية.

الجهات الفاعلة الخارجية:

يتصارع ثلاث جهات دولية فاعلة أخرى في حرب اليمن:

–         دول التحالف العربي بقيادة الرياض:

تم إشهار هذا التحالف في 25 مارس  من العام 2015 كجزء من عملية “عاصفة الحزم” التي أطلقتها المملكة العربية السعودية, حيث يهدف هذا التحالف لإعادة الرئيس هادي إلى العاصمة صنعاء وقمع التمرد الحوثي.

يضم هذا التحالف في طياته كلاً من: الإمارات العربية المتحدة, والبحرين, والأردن, وقطر, والمغرب, ومصر, والكويت والسودان.

ساعد هذا التحالف على وقف تقدم الحوثيين واستعادت أجزاء صغيرة من الأراضي اليمنية, بيد أن الحوثيون ظهروا في الوقت الحالي بعيدون عن الهزيمة, إذ يفرضون حرب استنزاف على أعضاء التحالف الذين لم تتمكن وحدتهم العسكرية من المضي قدما أو التقدم على الحوثيين.

–         الولايات المتحدة الأمريكية:

أخذت الإدارة الأمريكية على عاتقها شد عضد دول التحالف العربي وذلك من خلال تزويدهم بالمعدات العسكرية والمعلومات الاستخباراتية, ومع ذلك، فإنها لا تشارك في العمليات الميدانية، باستثناء الحرب ضد تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية أو ما يعرف بتنظيم داعش.

تشارك دول أخرى بشكل غير مباشر في الصراع الدائر في اليمن، مثل المملكة المتحدة وفرنسا، إذ توفير المواد والمعدات الحربية إلى الرياض، في حين وثقت الصحافة والمنظمات غير الحكومية استخدام تلك الاسلحة في المسرح اليمني.

–         تنظيم القاعدة:

يعتبر تنظيم القاعدة من بين أبرز الجهات الفاعلة المتصارعة في هذا الصراع, حيث تم أنشأها بقوة في منطقة شبه الجزيرة العربية منذ العام 2009 تحت مسمى القاعدة في شبه الجزيرة العربية (AQPA) وذلك بعد دمج الفرع السعودي واليمني، حيث استغل التنظيم من الوضع الفوضوي في اليمن لترسيخ نفسه على نحو مستدام.

ومن جانبها, تقدم مجموعة الأزمات الدولية تنظيم القاعدة في اليمن على أنه بات أقوى من أي وقت مضى، كما أصبح قادراً على السيطرة على مناطق شاسعة وحتى ضمن شكل من أشكال الحكم الذاتي.

يشير التحقيق الذي أجرته وكالة اسوشيتد برس، والذي تناقلته العديد من وسائل الإعلام مثل قناة الجزيرة، إلى انه تم التوصل إلى اتفاقات سرية بين قادة دول التحالف والقاعدة من أجل وضع نوع من اتفاق عدم الاعتداء، والذي يعتبر المساهم بشكل أكبر في استدامة الحركة الإرهابية في اليمن.

واليوم، تتركز الجهود العسكرية لتنظيم القاعدة بشكل أساسي على تنظيم داعش الذي يتنافس من أجل احتكار القضية الجهادية في الجزء الجنوبي من منطقة شبة الجزيرة العربية.

وفي الأخير, فأن تنظيم داعش قد أرسى نفسه كلاعب هام آخر في الصراع، على الرغم من أن وجوده الإقليمي يكاد لا يكون شيء, إلا أنه ميز نفسه عن طريق شن هجمات عنيفة جدا.

الصراع الذي فرضه تنظيم القاعدة يعد نبتة متأصلة في منطقة الجزيرة العربية على مر التاريخ، حيث أعاق بشكل رئيسي عملية التطور والتنمية في المنطقة.

ففي اليمن كانت فترة عصرهم الذهبي لخلق سبع ولايات خلال الفترة ما بين 2015 حتى 2019، حيث نشطوا في عشر محافظات يمنية: صعدة، وصنعاء، والجوف، والبيضاء، وتعز، وإب، ولحج، وشبوة وحضرموت.

وفي المقابل, ليس هناك ما يشير اليوم إلى ما إذا كانت هذه الولايات والقوى تابعة لتنظيم داعش في اليمن أم لا.

إن تدخل إيران في الأزمة اليمنية يعد ضعيف للغاية, على الرغم من التهم الموجهة إليها بتقديم الدعم العسكري والمالي للحوثيين.

يتضح هذا الدعم بالرغم من كونه محدداً جداً, على سبيل المثال, في الاجتماع الذي احتضنته العاصمة الإيرانية طهران منتصف أغسطس المنصرم بين المرشد الأعلى الإيراني والعديد من قادة الحوثيين, كما أن قضية تسليم الأسلحة إلى الحوثيين سيكون ايضاً محدوداً للغاية بسبب الحصار المفروض من قبل دول التحالف العربي ضد اليمن.

لخص الصحفيان جوزيف لوبيز وإليزا بيلانجر من صحيفة لوموند الفرنسية  الدور الإيراني في اليمن من خلال مقال نُشر في 23 أكتوبر من العام الماضي,  حيث صرحا بأن ” إيران ليس لها مصلحة إستراتيجية في اليمن, فالبلد راضٍ لجعل منافسه السعودي الكبير يعاني بتكلفة أقل”.

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.