طوفان الجنيد*

في غزة، لا تبدأ الطفولة من اللعب، ولا تنتهي بالأحلام.
هناك، يولد الأطفال في جغرافيا مثقلة بالحرب، ويكبرون تحت سماء لا تعرف السكون، حيث تتقاطع أصوات القصف مع هدير العواصف، ويتحوّل البيت إلى ملجأ، والمدرسة إلى ذكرى، والطفولة إلى معركة بقاء.

طفولة تحت النار:
يشكّل الأطفال في قطاع غزة الشريحة الأكثر هشاشة في معادلة الصراع، والأكثر تضررًا من آلة الحرب المستمرة. فالغارات الجوية والقذائف لا تميّز بين مقاتل ورضيع، ولا بين هدف عسكري وسرير طفل.
ومع كل جولة تصعيد، يُضاف مئات الأطفال إلى قوائم الشهداء والجرحى، بينما يحمل الآلاف منهم جراحًا نفسية عميقة قد لا تُرى، لكنها أشد فتكًا من الشظايا.
أصوات الانفجارات، مشاهد الدمار، فقدان الأهل والأصدقاء، والنزوح المتكرر، كلها عوامل تصنع جيلًا يعاني من اضطرابات ما بعد الصدمة، والقلق المزمن، وفقدان الإحساس بالأمان.

حين تتحوّل الطبيعة إلى عدو إضافي:
ولا تقف معاناة أطفال غزة عند حدود العنف المسلح؛ فالكوارث الطبيعية تجد في القطاع بيئةً مثاليةً لتفاقم آثارها.
البنية التحتية المدمَّرة، وشبكات الصرف الصحي المتهالكة، وانعدام أنظمة التصريف الفعّالة، تجعل من الأمطار الغزيرة والفيضانات تهديدًا مباشرًا لحياة الأطفال، خصوصًا في المخيمات المكتظّة.
أكثر من 90٪ من مياه غزة ملوّثة، ما يفتح الباب أمام أمراض معدية وسوء تغذية، يدفع الأطفال ثمنها أولًا، في ظل نظام صحي مُنهك ومحاصر.

أزمات تتداخل… ومعاناة تتضاعف:
في غزة، لا تأتي الأزمات منفردة.
فالحرب تدمّر المستشفيات، فتتعاظم آثار الكوارث الطبيعية.
والحصار يمنع إعادة الإعمار، فتتحول المعاناة إلى حالة دائمة.
أما الصدمة النفسية المتكررة، فتقوّض قدرة الأطفال على التعلّم، وعلى تخيّل مستقبلٍ مختلف.
هكذا تتكوّن حلقة قاسية: حرب تُضعف القدرة على الصمود، وكارثة طبيعية تكشف عمق الانهيار، وطفولة تُستنزف بصمت.

نداء باسم الإنسانية
إن ما يتعرض له أطفال غزة ليس أزمةً عابرة، بل انتهاكًا صارخًا لجوهر الإنسانية.
وهذا يفرض مسؤوليات واضحة على المجتمع الدولي، في مقدمتها:
توفير حماية فورية للأطفال وفقًا للقانون الدولي الإنساني.
رفع الحصار للسماح بإعادة بناء ما دمرته الحروب.
دعم برامج متخصصة في الصحة النفسية للأطفال.
تحسين البنية التحتية والاستعداد للكوارث الطبيعية.
ضمان حق التعليم والرعاية الصحية دون قيد أو شرط.

خاتمة:
أطفال غزة ليسوا أرقامًا في نشرات الأخبار، ولا صورًا عابرة في تقارير المنظمات الدولية. إنهم بشرٌ صغار يدفعون ثمن صراعات لم يختاروها، وكوارث فُرضت عليهم.
إن إنقاذ طفولة غزة ليس موقفًا سياسيًا، بل واجب أخلاقي وإنساني عاجل؛ لأن العالم الذي يفشل في حماية أطفاله، يفشل في حماية مستقبله.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب