د. شعفل علي عمير*

تُعتبَرُ قضيةُ الهُوية والانتماء من المسائل الأَسَاسية التي تتعلَّقُ بالوجود الإنساني؛ إذ تمثل الهُوية الوطنيةُ الرابطَ الجوهري بين الفرد ووطنه.. ومع ذلك، يطرأ تحوّلٌ على مفهومِ الانتماء في ظل النزاعات السياسية والحروب، حَيثُ يقدّم بعض الأفراد على تغيير جنسيتهم، خُصُوصًا عندما يتعلق الأمر بعملاء يعملون لصالحِ كَيانات خارجية تسعى لتحقيق مصالحَ خَاصَّة في بلدانهم.

تتعمَّقُ الإشكالية عندما يهتزُّ ولاءُ العميل لوطنه؛ فيختار الانتماءَ إلى دولة تعد إحدى الدول المعتدية على وطنه أَو المحتلّة لأجزاء منه.

هذا التحول يثير تساؤلاتٍ حول قيمة الولاء الوطني والمعايير التي يستند إليها هؤلاء الأفرادُ في تقييم مواقفهم وقراراتهم.

يمكن اعتبارُ هذه الخطوة بمثابة انفصال عن الانتماء الأصلي وتجرُّدٍ من القيم الوطنية في سبيل مصالحَ شخصية أَو مالية أَو حتى سياسية ضيَّقة.

في السياق اليمني، نجدُ أن بعضَ الأفراد الذين كانوا يشكّلون جزءًا من النسيج الوطني قد اختاروا التخليَ عن جنسيتهم الأصلية لصالح الدولة المحتلّة أَو تلك الدول ذات المصالح المباشرة في اليمن.

هذا التحوُّلُ لا يعكسُ مُجَـرّدَ انتقال قانوني من جنسية إلى أُخرى، بل يعبِّرُ أَيْـضًا عن تغيُّرٍ عميقٍ في الولاء والانتماء.

هؤلاء أصبحوا مرتزِقةً يسعون إلى تحقيق مصالحهم الشخصية، متجاهلين الآثار السلبية لتصرفاتهم على وحدة وطنهم واستقراره.

لم يعُد في بؤرة اهتمامهم سوى تحقيق مطامع انتمائهم الجديد، متناسين بأن جنسيتهم وانتماءهم لا يعدو كونه انتماءً قسريًّا فرضه جهلهم بمعنى الانتماء الصميمي للوطن.

السلوك الذي يبديه بعض هؤلاء العملاء في خدمة القوى الخارجية بدلًا عن الالتزام بمصالح وطنهم، يعكس فهمًا ضيقًا للوضع السياسي والاستراتيجي.

إن خدماتهم توجّـه غالبًا نحو تحقيق أهداف تصب في مصلحة الدولة المستضيفة لجنسياتهم، مع إغفال كامل لمصالح الشعب الذي كان يومًا جزءًا من هُويتهم.

والمفارقة تكمن في أن هؤلاء العملاء، رغم اعتقادهم أنهم يساهمون في تحقيق السلام، يتحولون في كثير من الأحيان إلى أدوات تُغذي نزاعات تُديرُها قوى معادية لوطنهم.

والسؤال هنا للمغفلين الذين لا يزالون تحت قيادة هؤلاء العملاء: ألم تتضحْ لكم الصورة؟ كيف يمكنُ لعميل تخلَّى عن جنسيته وانتمائه أن يخدم شعبه أَو يحمي وطنه؟ يجب عليهم أن يتمتعوا بالوعي بأن التحوُّلات في الولاء والانتماء تؤدي في نهاية المطاف إلى تآكُلِ النسيج الوطني وتعميق الانقسامات الداخلية.

فالأوطان تُبنى بسواعدِ أبنائها المخلصين، الذين يرَون في وحدتِها واستقرارها القيمة العليا، ويضعونها فوقَ جميع الاعتبارات الشخصية أَو المادية.

من المهم أن يكونَ الشعبُ واعيًا ومدركًا لحقيقة الأدوار التي يلعبُها هؤلاء العملاء.

فهم في كثير من الأحيان يستخدمون وسائلَ الإعلام والخِطابَ الديني والسياسي لتضليل العامة واللعب على وتر الانتماء الزائف لتحقيق مآربهم الشخصية ومصالح الدول التي انتموا إليها.

وعليه، يُعتبر تقويةُ الوعي الوطني أمرًا حاسمًا لتجنُّب الانزلاق في فَخِّ التحالفات الشيطانية.

يمكن أن ندركَ أهميّةَ الحفاظ على الهُوية والانتماء كوسيلة لمقاومة الضغوط الخارجية، وأن نعمل على تعزيز الروابط الداخلية التي تدعم استقرار اليمن وتضمن وحدته في وجه كُـلّ التحديات.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب
* المسيرة نت