مصر تدعم الفوضى والإرهاب في اليمن
السياسية || محمد محسن الجوهري*
الدور المصري في اليمن سلبي جداً ويخدم الإرهاب والإقتتال بين أبناء الشعب الواحد، كما أنها تدعم الجماعات المنادية بتجزئة اليمن، وهذا يظهر من خطابها الإعلامي ومن احتضانها لمؤسسات سياسية وإعلامية وقنوات تدعو للتشطير وفصل الجنوب عن الشمال، كما تؤجج بعض اليمنيين على بعض، وهذا هو الإرهاب بكل صوره، وما كانت مصر لتقبل من دولة أخرى الدور نفسه ولعدته تدخلاً في شؤونها الخاصة.
منذ انطلاق العدوان الصهيو–خليجي على اليمن، اختارت الحكومة المصرية الاصطفاف مع الموقف الخليجي بوصفه أمرًا محسومًا، وقدّمت خدمات إعلامية وسياسية تُسهِم في تعبئة الرأي العام لصالح هذا العدوان، وكأنّ المال الخليجي بات معيار المواقف وصانع بوصلتها. لم تُبدِ القاهرة أي تقدير للتاريخ المشترك، ولا للمأساة الإنسانية التي كان واضحًا منذ البداية أنها ستطال الشعب اليمني على نحو كارثي.
ومع مرور الوقت، تكشّف أن الموقف المصري تجاوز المساندة السياسية، إلى التبنّي المتدرّج للمشروع الانفصالي تحت ذريعة ما يسمى "حماية الأمن القومي المصري". وهي ذريعة تُستخدم كغطاء لتبرير احتضان شخصيات وجهات تعمل جهارًا على تمزيق اليمن، والترويج لخطاب يعمّق الانقسام ويهيّئ بيئة صراعية دائمة، وإضعاف أي جهود من شأنها توحيد الصف اليمني في المستقبل.
ولو ألقينا نظرة دقيقة على المشهد الإعلامي المصري، ومعه الإعلام اليمني العامل من القاهرة، لتبيّن بوضوح أنه يتحرك في الاتجاه نفسه الذي يخدم المصالح الصهيونية ويعادي إرادة الشعب اليمني. فكل وسيلة إعلامية يمنية تعمل من مصر باتت، عمليًا، جزءًا من ماكينة تمويل إماراتية، تتلقى الدعم مقابل تبنّي خطاب يستهدف ثوابت الأمة ومبادئها، وفي مقدمتها نصرة فلسطين، والدفاع عن وحدة اليمن بوصفها جزءًا من مشروع الأمة الإسلاميّة الكبرى.
وإلى جانب ذلك، أصبحت مصر خلال السنوات الأخيرة ملاذًا مفتوحًا للمجرمين والخونة ولكل التي تعبث بالأمن اليمني، حيث يجد كل صاحب دور في تقويض الاستقرار أو الترويج للمشاريع الخارجية الترحيب والحماية، ويُمنح مساحة واسعة للتحرك والعمل من دون أي قيود. ومن القاهرة تُدار شبكات سياسية وإعلامية تعمل على تغذية الفوضى في اليمن وتكريس الانقسام، في الوقت الذي يُعامل فيه المواطن اليمني البسيط الذي يأتي للعلاج بوصفه مصدرًا للجباية وفرصة للابتزاز.
لقد تحوّل اليمني العادي إلى مشروع استثمار للأجهزة الأمنية، يتعرض للنهب والمضايقات بدل أن يحظى بمعاملة تليق بإنسان جاء مضطرًا طلبًا للعلاج أو الملاذ. وبينما تُفتح الأبواب واسعًا للعناصر التي تعمل ضد مصلحة اليمن، تُضيَّق على اليمنيين الشرفاء، في مشهد يعكس ازدواجية مقلقة في السياسة المصرية تجاه اليمن وأبنائه.
وحتى جماعة الإخوان المسلمين المحظورة داخل مصر، نجد أن عناصر حزب الإصلاح اليمني المرتبطين بها يتحركون في القاهرة بحرية تفوق حرية المواطن المصري نفسه، لا لشيء إلا لأنهم جزء من مشروع يخلط الأوراق ويُسهم في تأجيج الفوضى داخل اليمن. ولو كانوا خارج هذا الخطّ لما وجدوا تلك المساحة، ولواجهوا المصير ذاته الذي يواجهه أي طرف تُصنّفه السلطات المصرية خصماً لها.
ولا عجب، فمصر اليوم بيئة مفتوحة لرموز القوى اليمنية التي تعمل خارج إطار المصلحة الوطنية، بينما لا توفّر المساحة نفسها للمصريين ولا لأصوات عربية حرّة تطالب بالاستقلال الحقيقي عن النفوذ الخارجي. أما الوجوه المرتبطة بمراكز النفوذ التقليدية، من آل عفاش إلى آل الأحمر وغيرهم، فتجد في القاهرة منصةً للنشاط وإعادة التموضع، في الوقت الذي تُضيَّق فيه السبل على اليمنيين العاديين وعلى كل صاحب موقف حرّ في المنطقة.
إنّ الدور الذي تمارسه مصر اليوم في اليمن أصبح عاملًا مؤثرًا في تكريس الانقسام وتغذية الفوضى ومنح الغطاء لمن يعملون على تمزيق بلد عربي عريق. وبينما كان يُفترض بالقاهرة أن تكون سندًا لوحدة اليمن واستقراره، تحوّلت إلى منصة تتحرك فوقها مشاريع إقليمية تستهدف اليمن أرضًا وهويةً ومستقبلًا.
وما لم تُراجع مصر سياساتها، وتدرك خطورة الانحياز لمشاريع التجزئة التي لا تخدم أحدًا، فإنها ستفقد آخر ما تبقّى من رصيدها التاريخي كدولة كانت تُعدّ رافعة لقضايا الأمة، لا أداة في يد من يسعون لإضعافها. فاليمن سيبقى، مهما اشتدّت المؤامرات، بلدًا عصيًّا على الكسر، وستسقط كل المشاريع الدخيلة، أمّا الشعوب فذاكرتها لا تُسامح ولا تنسى.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب

