"بني سهيلا".. بلدة تنهض من تحت الركام وترفض الرحيل
السياسية - وكالات:
في أقصى الشرق من مدينة خانيونس، تقف بلدة بني سهيلا كأنها آخر خطوط الدفاع عن الوجود الفلسطيني بين الدخان المتصاعد من البيوت المدمّرة، والخيام التي تؤوي عائلات لم تفكر للحظة في مغادرة أرضها، تدور حرب صامتة.. حرب البقاء.
ورغم اتفاق وقف إطلاق النار منذ أشهر، لا تكاد أصوات الاستهدافات تنقطع طائرات، ومدفعية، وعمليات تدمير متواصلة، تلتهم ما تبقى من البلدة التي فُقد أكثر من 90% من عمرانها خلال جريمة الإبادة التي عاشها القطاع لعامين كاملين.
لكن أبناء البلدة، الذين أنهكتهم أشهر النزوح، يرفضون الاستسلام.
عبد الله أبو ريدة، أحد الشهود على ما يجري، يقف فوق ركام منزله ويقول بإصرار لـ (وكالة صفا) الفلسطينية: “زرعنا الأرض وزلنا الركام ونصبنا الخيام… ولن نخرج بعد كل ما جرى”.
يشير إلى السماء: “الاستهدافات مستمرة.. كأن الهدنة لم تصل إلى هنا”.
أما محمد أبو ديب، الذي نصب خيمته قرب مدارس العودة، فيتمسك بالبقاء مهما اشتد الخطر: “لا خطوط صفراء ولا حمراء.. نحن أصحاب هذه الأرض..تعبنا نزوح”.
وفي الليل، تتحول البلدة إلى مساحة مظلمة يملؤها التوتر.
عيسى أبو الجديان يصف تلك الليالي قائلاً: “رعب، سواد، واستهداف مستمر، لكن الناس تعودوا. لم يعد لدينا مكان نذهب إليه”.
عودة أبناء البلدة إليها فور بدء الهدنة، رغم الدمار، أفشلت محاولات العدو الصهيوني تقسيم خانيونس إلى شرق وغرب. فقد عاد الناس قبل أن تُفرض أي حدود، فأسقطوا الخطة بأقدامهم.
المسن أبو رائد شاب، يرى في ما تتعرض له البلدة “انتقامًا” بعد الخسائر الكبيرة التي تكبّدها العد الإسرائيلي داخل أحيائها، خاصة في عملية “كمين الأبرار” بحي الزنة عام 2024.
يقول: “يبدو أنهم غاضبون من أننا عدنا… يقصفوننا كل يوم كي نخرج. لكننا باقون”.
اليوم تبدو "بني سهيلا" كمدينة غابت ملامحها، ولم يبق منها سوى الركام والخيام التي تتشبث بالأرض كأبنائها. ومع ذلك، يعود الناس إليها واحدًا تلو الآخر، كأنهم يعيدون رسم خريطة الحياة بأيديهم وحدهم.
ورغم ما يتعرضون له، يصرّ الأهالي على البقاء، ليس لأن الرحيل صعب، بل لأن الخروج لم يعد خيارًا بعد أشهر طويلة من النزوح والعيش في الشوارع.
وهكذا، تواصل بني سهيلا كتابة فصلًا جديدًا من فصول الصمود الفلسطيني: ناس بلا بيوت.. لكنهم أصحاب أرض، ينهضون من قلب الخراب، ويعيدون للحياة لونها الأول.

