محمد محسن الجوهري*

منذ عشر سنوات والإمارات تمارس دورها المشبوه لصالح الكيان الصهيوني على الارض اليمنية، وهو الدور الذي أتقنته لولا تواطؤ الخونة من عبدة المال وتجار الدين ممن جندتهم لاحتلال اليمن واستعباد شعبها، وقد رأينا كيف مارس ضباطها هيمنة مهينة في المناطق المحتلة بحق المواطنين بلغت لمستوى انتهاك الأعراض والاغتيالات وتغييب الشباب بالجملة داخل سجونها السرية.

وهذه الانتهاكات بقيت في معظمها طي الكتمان لولا الخلافات بين فصائل الخيانة وظهورها للعلن في فترات متأخرة، ليتبين لاحقاً أن "مشروع التحرير" المزعوم هو العبودية بكل معانيها، ولم يقتصر الأمر على المواطنين وصغار الملاء من الخونة، فقد طالت انتهاكات بن زايد حتى كبار القوم من مرتزقته، وأولهم آل عفاش وقادة الفصائل الجنوبية، فالجميع مطالبون بتسليم رهائن من أفراد أسرهم مقابل أن يبقوا في الخدمة، وقد قاد الأمر أولئك القادة إلى الخنوع التام والانخراط في المشروع الإماراتي حد التصهين.

منذ البدايات، أسست الإمارات وحدات مسلحة محلية كـ«الحزام الأمني» و«النخبة الشبوانية» و«قوات الساحل الغربي»، وأغدقت عليها المال والسلاح، لتبدو وكأنها جيش يمني جديد تحت إشرافها. غير أن تلك التشكيلات لم تكن مستقلة في قراراتها، إذ سرعان ما واجه أفرادها الاعتقال أو الإقصاء كلما أبدوا ترددًا أو رفضًا للأوامر القادمة من الضباط الإماراتيين.

توثّق منظمات دولية عديدة وجود سجون سرية في عدن والمكلا وخور مكسر، احتُجز فيها الآلاف من اليمنيين، من بينهم مقاتلون خدموا ضمن القوات الممولة إماراتيًا دون أي اتهامات معلنة، والكثير منهم اختفى إلى الأبد. وهذه الممارسات حولت غيرهم من المرتزقة إلى رهائن فعليين، وجعلت الخوف من الاعتقال أداة ضبط تفوق الراتب أو الحافز العقائدي.

ومع الوقت، تمددت هذه السياسة من الميدان إلى مراكز القرار. فالمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يُفترض أنه الشريك السياسي الأقرب للإمارات، لم يسلم هو الآخر من هذا النهج. فكلما حاول قادته الانفتاح على أطرافٍ أخرى أو إبداء موقف مغاير لتوجهات أبوظبي، جرى التضييق عليهم بوسائل شتى: منع السفر، الإقامة الجبرية غير المعلنة، أو الإقصاء المؤقت من المشهد الإعلامي والسياسي.
بهذه الطريقة، حُوِّل المجلس إلى كيان يتحرك ضمن مساحة مرسومة مسبقًا، لا يتجاوزها دون إذن. وهو ما جعل الانتقالي يبدو رهينة سياسية داخل مشروعٍ يُفترض أنه يمثله.

أما آل عفاش، فقد جسّدوا الشكل الأكثر إذلالاً والأكثر دلالة للرهينة السياسية. فقد استقبلت الإمارات عائلة عفاش بما فيهم نجله أحمد علي وعددًا من أفراد العائلة، ومنحتهم إقامة فاخرة في أراضيها. ظاهريًا كان ذلك لاعتبارات إنسانية، لكن الواقع كشف عن قيود صارمة حالت دون تحركهم أو ممارسة أي نشاط سياسي مستقل.
تحول أحمد علي إلى ورقة احتياطية في يد الإمارات تستخدمها متى شاءت، سواء لموازنة نفوذ الرياض أو لتجميد أي مبادرة سياسية قد تخرج من جناح آل عفاش.

تتقاطع هذه الوقائع عند فكرة واحدة: التحكم في القرار من خلال السيطرة على الأشخاص وعائلاتهم. فالمقاتل في عدن، والقيادي في المجلس الانتقالي، ووريث صالح في أبوظبي، خضعوا جميعًا للآلية ذاتها — آلية الولاء الإجباري الذي تُفرض طاعته بالخوف أو بالاحتجاز أو بالمغريات المقنّعة.
بهذه الطريقة، رسخت الإمارات نفوذها من خلال شبكة من الرهائن، وأقامت منظومة ولاءات مربوطة بمصير شخصي، يسهل التحكم فيه وقت الحاجة.

وبعد مرور عقدٍ على التدخل، تتكشف ملامح مشروعٍ يقوم على الإخضاع والعبودية بشكلها العتيق. فكل من تعاون مع أبوظبي أدرك في النهاية أنه جزء من منظومة يُسمح له بالتحرك داخلها طالما بقي مطيعًا، وأن الخروج عنها يعني النفي أو الاحتجاز أو التهميش، وربما ما هو أسوأ من ذلك.
إنها سياسة الرهائن التي حولت الحليف المزعوم إلى أداة، والقيادي المرتزق إلى رهينة، والمشروع برمته إلى مسرح تُحرّك خيوطه من خلف ستارٍ في أبوظبي، لخدمة الكيان الصهيوني وليس لخدمة أي أطراف أخرى، فالإمارات نفسها ستدفع ثمن ذلك عمَّا قريب، بإذن الله.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب