محمد محسن الجوهري*

يستميت عملاء "إسرائيل" من أجل خلق مأساة إنسانية تفوق إجرامها في غزة لصرف الأنظار عنها وإظهارها بأنها أكثر إنسانية من خصومها العرب، وهذه المرة في السودان، حيث يرتكب مرتزقة الإمارات جرائم مروعة بحق المدنيين في مدينة "الفاشر" غربي البلاد، والمشاهد الموثقة من هناك تكشف جانبًا من حجم الرعب الذي يعيشه الأهالي دونما ذنبٍ ارتكبوه.

والكارثة الأخرى، أن ميليشيات "الدعم السريع" الموالية لآل زايد لم تكتفِ بالقتل والإعدامات الميدانية الموثقة، بل سارعت هذه المرة لاستخدام "التجويع" كسلاح ضد سكان المدينة، وهي المرة الثانية التي يُستخدم فيها هذا النوع من الإبادة بعد ما ارتكبه الصهاينة في قطاع غزة على مدى عامين كاملين.

ويظهر من خلال التجويع أن الإجرام في السودان ما هو إلا استنساخ لإجرام العدو في غزة، وبطريقة مبالغ فيها، والهدف تخفيف العبء على الكيان في الإعلام والمحاكم الدولية سيما بعد تجريم التجويع واستخدامه كسلاح في الحرب من قبل محكمة العدل الدولية.

وما نراه في السودان ليس الأول من نوعه، فعملاء "إسرائيل" كثيرون وأينما حاولوا حلّ الخراب والقتل، ونتذكر في الهدنة الأولى لحرب غزة التي بدأت في 19 يناير وانتهت في منتصف مارس الماضي، كان الدور على عصابات الجولاني في سوريا، حيث أقدمت على ارتكاب مجازر إبادة جماعية بحق العلويين في الساحل السوري، وقتلت هناك الآلاف بدوافع طائفية معلنة، وكله لخدمة هدف واحد، تبييض الكيان بارتكاب المزيد من الجرائم.

ومن العجيب أن الكيان نفسه بادر إلى إدانة جرائم التكفيريين في سوريا، واعتبرها جرائم حرب بحق مدنيين أعزل، متجاهلاً حجم المأساة التي يمارسها في غزة وسط مباركة أعداء الإنسانية كافة من العرب والعجم.

ولو عادت بنا الذاكرة عشرة أعوام إلى الوراء، سنجد أن النظام السعودي مارس الدور ذاته في اليمن ونجح في حينه بخلق أكبر أزمة إنسانية في العالم بسبب الإجرام والحصار والتجويع، وقد ظلت المأساة قائمة حتى تفوق عليها الكيان في قطاع غزة منذ أكتوبر من العام 2023، وكأن هذه سنة يمارسها الصهاينة على الدوام، حيث يوكلون إلى أدواتهم لارتكاب الفظائع بحق الإنسانية لصرف الأنظار عن الضحية الأولى لإجرامهم على أرض فلسطين المحتلة.

فحتى ليُغطّي على إجرامه في لبنان في حقبة الثمانينيات كانت حرب العراق وإيران، وهي الحرب التي سانده الكيان ضد الجمهورية الإسلامية، وعندما توقفت الحرب دون أن تنجح في صرف الأنظار عن قمعه للشعبين الفلسطيني واللبناني، كان غزو العراق للكويت وما تلا ذلك من مآسي وصراعات داخلية بين أبناء الأمة الواحدة.

وكذلك الحال في كل الحروب الأهلية في عالمنا العربي والإسلامي، فكلها مجرد تمويه عن المجرم الرئيسي في فلسطين، ولولا تلك القضية التي هي الأولى عند الأمة الإسلامية، لما كان العرب يدفعون الثمن يوميًا منذ أكثر من سبعة عقود، فمن تخلى عن مسرى النبي وتفرغ للداخل كان تفرغه سببًا في كوارث لا تُعد ولا تُحصى، والأصل أن يعود الناس إلى قضيتهم الأولى، فبِتَحرير فلسطين تنتهي كل مآسي العرب والمسلمين إلى الأبد.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب