السياسية - وكالات :

مقارنة بما اعترى اتفاق 15 يناير، والذي دخل حيز التنفيذ في 19 يناير الماضي، يمكن القول إن اتفاق 9 أكتوبر، والذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر الجاري لوقف إطلاق النار في غزة لن يجري عليه نفس المآلات، وإن كانت سيناريوهات تنفيذه قد تختلف، لكن المرجّح أنها لن تغادر ما اعتاد عليه الكيان الإسرائيلي من مراوغة تُفضي إلى نكث الاتفاق كعهد دأب عليه.

يتضمن اتفاق المرحلة الأولى، والذي تم التوافق والتوقيع عليه في شرم الشيخ، الخميس، ودخل حيز التنفيذ ظهر الجمعة بتوقيت القدس الشريف، إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين الأحياء والجثامين لدى الفصائل، خلال 72 ساعة من دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، وذلك مقابل إفراج الكيان عن 1700 أسير فلسطيني ممن تم أسرهم منذ بدء الحرب في أكتوبر 2023، بالإضافة إلى 250 من الأسرى الفلسطينيين المحكوم عليها بالمؤبد في السجون الإسرائيلية.

كما ينص اتفاق المرحلة الأولى على عودة النازحين من جنوب القطاع إلى مدينة غزة (وسط) وشمال القطاع فور بدء تنفيذ الاتفاق بالفعل، وهو ما تم البدء في تنفيذه منذ ظهيرة أمس الجمعة، كما ينص الاتفاق على أن يتزامن ذلك مع بدء دخول المساعدات بواقع 400 شاحنة يوميًا خلال الخمسة الأيام الأولى من بدء سريان تنفيذ الاتفاق، وتزايدها لاحقًا، "وتقوم وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى بتسلمها وتوزيعها، ويبدأ تنفيذ ما تضمنه اتفاق 15 يناير2025 بهذا الشأن".

فيما يتعلق بالانسحاب "الإسرائيلي" من القطاع، ينص الاتفاق على انسحاب "إسرائيلي" تدريجي يتم عبر ثلاث مراحل: تبدأ بالخط الأصفر الذي يشمل الانسحاب من مدينة غزة، وإعادة التموضع داخل القطاع، ثم الخط الأحمر الذي يتضمن انسحابًا أعمق في مرحلة لاحقة، وصولا إلى الخط الأسود الذي يمثل المرحلة النهائية، حيث تتمركز قوات العدو الإسرائيلية في منطقة عازلة على طول الحدود. وهو ما عبّر عنه نص الاتفاق من خلال قيم نسبية من واقع جغرافيا القطاع. وفي المقابل، تشدد حركة حماس على أهمية أن تنتهي الخطة بانسحاب اسرائيلي كامل من القطاع، ووقف شامل للحرب.

بينما أعلنت حكومة العدو الإسرائيلي، الخميس، أنه وبعد إطلاق سراح الأسرى ستسيطر قواتها وتحتفظ بنحو 53% من غزة، بينما تنص الخطة على أن تنسحب قوات العدو الإسرائيلي، في المسار الثالث، إلى ما نسبته 15 بالمئة من مساحة القطاع.

ثمة أربعة سيناريوهات (محتملة) لمآل تنفيذ اتفاق المرحلة الأولى:

- السيناريو الأول: يتمثل في تنفيذ: وقف إطلاق النار ، تبادل جميع الأسرى الإسرائيليين الأحياء والجثامين مقابل اطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين وفق ما تم الاتفاق عليه، والسماح بدخول المساعدات، بينما يتعثر استكمال تنفيذ ما يتعلق بالانسحاب الإسرائيلي ووصولا للخط الأسود، وهو ما سيستغله العدو لنكث الاتفاق بعد استعادة أسراه مختلقًا ذرائع كعادته لاستئناف القصف على القطاع، بالتوازي مع استئناف الانتشار، وفي المقابل يتوقف تنفيذ الاتفاق، فيما يتعلق بالمساعدات، ويعاد إغلاق المعابر، بينما يمضي العدو الاسرائيلي في محاصرة وقصف جغرافيا القطاع بعد استلام أسراه.

السيناريو الثاني: هو سريان تنفيذ جميع بنود اتفاق المرحلة الأولى، بينما يتعثر التوصل إلى توافق في مفاوضات المرحلة الثانية جراء إصرار الجانب الإسرائيلي والأمريكي على تنفيذ خطة ترامب بحذافيرها، وبخاصة فيما يتعلق بإدارة القطاع ونزع سلاح المقاومة وإعادة الإعمار؛ وهو ما ترفضه الفصائل وفق نص خطة ترامب، وسبق وأكدت رفضها لذلك، وبخاصة في بيان الموافقة المبدئية، وبالتالي سيعود العدو الإسرائيلي لاستئناف القصف، والانتشار في القطاع، واستئناف الحصار بمبرر تعثر مفاوضات إدارة القطاع، ونزع سلاح المقاومة وإعادة الإعمار.

السيناريو الثالث: يتمثل في تعثر انعقاد مفاوضات المرحلة الثانية بعد نجاح تنفيذ بنود المرحلة الأولى لأسباب عديدة منها اشتراطات إسرائيلية، أو ذرائع مختلقة يستمر معها العدو الإسرائيلي، من مناطق التمركز في الخط الثالث من الانسحاب، في القصف المتقطع على مناطق القطاع (كما في جنوب لبنان) واغلاق المعابر، مع استمرار بقاء قواته فيما تٌعرف بالمساحة العازلة كضغط لتنفيذ المرحلة الثانية وفق مضمون خطة ترامب، وفرض طوق أمني على القطاع، وبالتالي مستوى ثان من الحصار.

حركة حماس قالت إنها حصلت على ضمانات دولية لتنفيذ الاتفاق؛ وفي هذا قد يكون سريان تنفيذ جميع بنود اتفاق المرحلة الأولى مع عودة القصف المتقطع واستئناف الفتح الجزئي للمعابر، وانعقاد مفاوضات المرحلة الثانية، والاتفاق على هيئة فلسطينية عربية لإدارة القطاع والتوافق على مسألة إعادة إعمار غزة؛ فيما يؤجل التفاوض بشأن سلاح الفصائل لمرحلة ثالثة؛ وهذا النجاح النسبي قد يمثل سيناريو رابع.

إلى ذلك، قال المتحدث الرسمي باسم حركة حماس، حازم قاسم، مساء اليوم السبت، إن الحركة تعمل على نزع كل ذرائع العدو الصهيوني للتهرب من تنفيذ بنود اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

وأكدَّ قاسم، في حديث للتلفزيون العربي، أن المقاومة الفلسطينية مُصرّة على إتمام تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، مشيراً إلى أن الاتفاق ما زال صامداً حتى الآن وانسحابات جيش العدو الصهيوني تتوالى وفق الاتفاق.

وبعيدًا عن تلك السيناريوهات يرجّح مراقبون أن يستغل العدو الإسرائيلي أي ثغرة في تنفيذ بنود اتفاق المرحلة الأولى للعودة بالأوضاع إلى نقطة الصفر، خاصة بعد استعادة أسراه؛ فعودة الحرب على القطاع تضمن لحكومة نتنياهو الاستمرار حتى موعد الانتخابات؛ لاسيما أن توقفها (الحرب) سيجعله في دائرة ضوء ، ومحاسبته عما حققه خلال عامين من العدوان؛ بينما لو استفاق الموقف الدولي من سباته، وبالذات الأوروبي فسيكون قادرًا على الضغط على الموقف الأمريكي والإسرائيلي، والدفع بالاتفاق إلى النجاح في جميع مراحله.

يشوب مفاوضات ما بعد المرحلة الأولى معوقات عديدة وخطيرة، باعتبارها تتعلق بمصير إدارة القطاع ونزع سلاح المقاومة وإعادة الإعمار؛ وهو ما لم يتم التفاوض بشأنه بعد تجزأه مفاوضات تنفيذ خطة ترامب إلى مراحل؛ في ظل تأكيد الفصائل الفلسطينية على رفض أي وصاية أجنبية على القطاع، وتشديد رفض نزع سلاح المقاومة، إلا بعد استكمال التحرير وإقامة دولة فلسطينية، وثبات موقفها على التزامات إعادة الإعمار، وفق حركة حماس.

وفي بيان مشترك، أكدت حركتا حماس والجهاد والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الجمعة، أن تحديد شكل إدارة قطاع غزة وأسس عمل مؤسساتها شأن فلسطيني داخلي تحدده مكونات الشعب الوطنية بشكل مشترك، مع الاستعداد للاستفادة من مشاركة عربية ودولية في مجالات الإعمار والتعافي ودعم التنمية، بما يعزز حياة كريمة للشعب الفلسطيني، ويحفظ حقوقه في أرضه.

واعتبرت هذه المرحلة، فرصة لتعزيز التكافل الاجتماعي داخل قطاع غزة، من خلال دعم الأسر المتضررة، وتأمين مقومات الحياة اليومية، وتفعيل أطر التعاون بين الفصائل والمجتمع والمؤسسات المحلية والدولية ذات الصلة.

ولتقريب الصورة من الواقع الراهن داخل القطاع، قال جهاز الدفاع المدني الفلسطيني في القطاع، اليوم السبت، إن أكثر من 300 ألف نازح عادوا إلى مدينة غزة منذ وقف إطلاق النار، مؤكداً أنه لا توجد خيام ولا بيوت جاهزة لإيواء المواطنين العائدين من مناطق الجنوب.

لا يمكن التوقف أمام اتفاق وقف إطلاق النار دون الإشارة إلى ما ارتكبه العدو الإسرائيلي من جرائم إبادة جماعية، وتدمير همجي لكل عوامل الاستقرار السكاني على امتداد القطاع، ومثل هذه الجرائم لا يمكن أن تسقط، ويفلت معها العدو من العقاب، مهما توالت اتفاقات وقف إطلاق النار.

وفي هذا، دعا المرصد الأورومتوسطي لحقوق الانسان، ومقره جنيف، السبت، إلى تمكين الصحفيين ووسائل الإعلام الدولية، إلى جانب لجان تقصّي الحقائق والمحققين الدوليين، من الوصول الحُر إلى قطاع غزة لتوثيق "جريمة الإبادة الجماعية التي ارتكبتها "إسرائيل" وضمان مساءلة المسؤولين عنها وإنصاف الضحايا، لافتًا إلى أن "استمرار التعتيم الإعلامي يتيح لـ"إسرائيل" التملص من المحاسبة ويقوّض فرص العدالة".

وشدد على أن سكان غزة "بحاجة إلى ما هو أبعد من وقف لإطلاق النار"، داعيًا إلى إنهاء شامل للحصار وإطلاق خطة إغاثة وإعمار بإشراف دولي، وضمان حرية الفلسطينيين وحقهم في العيش بكرامة وأمن على أرضهم، محذرا من "المخططات الإسرائيلية الرامية إلى فرض طوق أمني أو مناطق عازلة دائمة داخل القطاع"، معتبراً أنها "محاولة لإعادة تشكيل غزة ديموغرافيًا وجغرافيًا".