حرب الإبادة على غزة تخنق أنفاس الرضيعة "ألمى".. والعلاج مؤجل خلف المعابر
السياسية - وكالات :
على سرير بارد في زاوية ضيقة من مستشفى "أصدقاء المريض" بمدينة غزة، ترقد الرضيعة ألمى حسونة (شهران) متصلة بجهاز الأكسجين، تتنفس بصعوبة بين أنين الأجهزة ووجع أمٍ لا تغادر عينيها الدموع.
في كل زفير صغير من صدرها الهزيل، تصارع "ألمى" الموت وسط عجز منظومة صحية أنهكتها حرب الإبادة الصهيونية المستمرة على غزة، فيما تتمسك أسرتها بأمل وحيد: "النجاة عبر السفر للعلاج بالخارج".
يقول والدها محمد حسونة لصحيفة (فلسطين): "زوجتي لا تفارقها لحظة، تعيش الخوف كل يوم بين أصوات القصف في منطقة الرمال، تتصل بي تبكي من الرعب. تقول لي: ماذا لو قصفوا المستشفى؟ ماذا لو دخل الجنود؟ لكن لا نستطيع مغادرة المكان… لو توقّف الأكسجين عن ألمى لحظة، ستفارق الحياة".
في كل صباح، يخاطر محمد بحياته للوصول إلى المستشفى محمّلًا بما تيسّر من احتياجات ابنته وزوجته، يترقب حركة العدو الإسرائيلي في الشوارع قبل أن يغامر بالمرور بين الركام والدخان.
"لم نعد نعيش حياة طبيعية، كل شيء صار معركة… حتى الوصول إلى طفلتي صار مخاطرة بالموت"، يقول وهو يحاول كتمان صوته المرتجف.
منذ ولادتها في أغسطس الماضي، لم تعرف "ألمى" حضن البيت ولا صوت اللعب. الأطباء يشكون بإصابتها بـ متلازمة داون، لكنها تحتاج لفحص كروموسومات لا يمكن إجراؤه بعد تدمير مختبرات الجامعة الإسلامية.
ولم تقف معاناتها عند ذلك، إذ تعاني الطفلة من ثقبين في القلب ووصلة سريانية تعمل بالعكس، ما يسبب ضغطًا رئويًا حادًا، إضافة إلى انعكاس في أماكن بعض الأعضاء كالكبد، ووجود أكثر من بنكرياس — حالة نادرة تجعل حياتها سلسلة من المعارك الطبية اليومية.
يقول والدها: "كنا ننتظر لحظة فرح بعد حملٍ صعبٍ في ظل المجاعة، لكننا استقبلنا مأساة جديدة. زوجتي أنهكها الخوف والجوع طوال الحمل… ربما لذلك وُلدت ألمى بهذه الحالة".
رغم أن الأطباء أقروا تحويلة علاج عاجلة لـ"ألمى" في الخارج، إلا أن الحصار الصهيوني الخانق حال دون سفرها.
في المستشفيات والبيوت، هناك عشرات آلاف المرضى ينتظرون الإجلاء الطبي، بينما تتسارع الساعات نحو المجهول.
"أخبروني أن عليها أن تخضع لعملية قلب عاجلة خارج غزة، وإلا فإن فرص نجاتها تتناقص كل يوم"، يضيف حسونة بنبرة اختنقت بالدموع.
الطفلة الصغيرة تتغذى عبر أنبوب في أنفها، موصولة بالأكسجين والمضادات الحيوية، فيما والدها الذي فقد عمله في محل تجاري أغلق بعد نزوح أصحابه، يجاهد لتأمين ما تحتاجه.
والد الطفلة لا يطلب سوى شيئا واحدا: أن تسارع المنظمات الصحية الدولية للنظر في حال ابنته وتسريع اجلائها للحصول على العلاج الطبي في الخارج وانقاذ حياتها.
وبينما تتساقط القنابل على غزة وتغيب الكهرباء والأدوية، تبقى "ألمى" شاهدًا حيًّا على وجع الطفولة في زمن الإبادة. جسدٌ صغير يصارع للبقاء، يختصر مأساة شعب بأكمله تُغلق في وجهه أبواب الحياة.
في غرفة ضيقة تتشبث برائحة الأمل، تنتظر "ألمى" أن تُفتح المعابر، وأن يمتد إليها خيط نجاة من ضميرٍ إنساني لم يمت بعد. وحتى يحين ذلك، يظل تنفّسها المتقطع نداءً صامتًا إلى العالم: أنقذوا الطفولة قبل أن تختنق تمامًا.

