الجهاد.. مشروع حياة ينهض بالأمة من وهنها الى عزتها
عبدالحكيم عامر*
لم تمرّ الأمة الإسلامية في تاريخها الحديث بمرحلة ضعف شامل كالتي تعيشها اليوم، فالمشهد العام يكشف حالة تراجع مخزية على مختلف المستويات، وهنا تبرز الحاجة إلى مراجعة جذرية لحال الأمة ومصيرها، فبينما تمتلك الأمة الإسلامية القرآن الكريم بين يديها الذي لو تحركت على نهجه لغيرت وجه التاريخ، وتمتلك ثروات هائلة، وطاقات بشرية لا حصر لها، وموروثًا حضاريًا عظيمًا، نجدها اليوم في موقع الانكسار والوهن، وقد سُلبت روحها المعنوية، وأُضعفت قِيَمها الأخلاقية، وصارت عاجزة عن مواجهة التحديات الكبرى التي تفرضها قوى الاستكبار والعدوان.
في هذا السياق، يتجلى مفهوم الجهاد كخيار وجودي، وكوسيلة حماية، وكطريق إحياء شامل يعيد للأمة توازنها المفقود، ويُنقذها من هاوية التردي والتراجع، فالجهاد هو مشروعًا متكاملًا لبناء الأمة من جديد: في وعيها، في قيمها، في مؤسساتها، وفي قدراتها الحضارية والعسكرية.
الأزمة الكبرى التي تعيشها الأمة اليوم أنها تعاني من تدنٍ خطير في الروح الإيمانية والروح المعنوية، فقد ضعفت روح العزة والكرامة والإباء، وتراجعت القيم التربوية والأخلاقية، وغاب الشعور بالمسؤولية، هذا التدني لم يقتصر على المجال المادي أو السياسي، بل شمل الجوانب التربوية والفكرية والنفسية، حتى بات الضمير الإنساني في الأمة أقرب إلى الموت، والقضية الفلسطينية تمثل أوضح مثال: احتلال، قتل، حصار وتجويع، إبادة جماعية، كل ذلك يحدث أمام أنظار العالم الإسلامي، ومع ذلك لم يتحول إلى حافز جامع للتحرك الجاد.
هذا الانهيار الداخلي جعل الأمة لقمة سائغة لمشاريع الأعداء، حيث تغلغلت ثقافة الاستسلام والخضوع، وحلّت مفاهيم التدجين والتبعية بدلًا من قيم المقاومة والصمود، وهكذا تحوّلت الأمة، بما تمتلكه من إمكانات هائلة، إلى كيان عاجز يفتقد الرؤية والبصيرة، وهذا نتيجة مفاهيم مغلوطة زرعها العدو في وعي الأمة لتجريدها من روحها الجهادية، وهنا يتجلى دور الجهاد باعتباره وسيلة لإحياء الضمير الميت، وإعادة الروح للأمة.
إن الجهاد في سبيل الله هو مدرسة تربوية وفكرية وأخلاقية قبل أن يكون ساحة قتال، إنه مسيرة بناء شامل للإنسان والأمة، إنه يصنع الإنسان المسلم الحرّ، الواعي، الذي يدرك مسؤوليته تجاه دينه وأمته، فالجهاد يربي النفوس على الصبر والتضحية، ويغرس في القلوب الإيمان والعزة، ويغرس القيم الأخلاقية في مواجهة الانحراف والتبعية، ويحرر الإنسان من أميّة المفاهيم التي زرعها الأعداء.
وعندما يُفصل البعد التربوي عن مفهوم الجهاد، يصبح الجهاد محدود الأثر والنتائج، أما حين يتكامل الجهاد مع التربية القرآنية والإحياء الإيماني، فإنه يتحول إلى مشروع حضاري شامل قادر على إعادة الأمة إلى موقعها الطبيعي بين الأمم.
الأمة الإسلامية لا ينقصها المال ولا الطاقات البشرية ولا الثروات، لكن ما ينقصها هو الرؤية القرآنية والبصيرة، والإرادة المتحررة من قيود الوهن وابضعف، فبينما تستثمر الأمم في التحديات لتبني حضاراتها وتنهض بمستوياتها العلمية والعسكرية، نجد أن أمتنا ترضى بمستويات متدنية، وتخضع لمعادلات العدو من دون حراك فاعل، وما أحوجها اليوم إلى استلهام روح الجهاد لتوظيف إمكاناتها في سبيل النهوض بدلًا من التبعية.
قضية فلسطين مثال صارخ على وضوح الحق والمظلومية، العالم كله يرى الاحتلال والعدوان الصهيوني، لكن المواقف الإسلامية في معظمها باهتة وصامته، هنا يطرح السؤال نفسه: لماذا لا تتحرك الأمة الإسلامية رغم وضوح الحق؟
الجواب أن الأمة تعاني من انعدام البصيرة وفقدان الإرادة، فهي تعرف المظلومية لكنها عاجزة عن اتخاذ الموقف، ومن هنا تبرز ضرورة الجهاد كإطار عملي يربط الوعي بالفعل، ويحوّل القناعة بالحق إلى تحرك مؤثر على أرض الواقع.
إن الأمة الإسلامية اليوم أمام خيار حتمي: إما أن تظل غارقة في الضعف والتبعية، أو أن تعود إلى مشروع الجهاد كطريق خلاص، إن الجهاد مشروع حياة متكامل: يبني الإنسان، ينهض بالأمة، ويحميها.
إن الجهاد هو الإطار الأوسع لبناء الأمة: في وعيها، وأخلاقها، وتربيتها، وتعليمها، وقدراتها العسكرية والاقتصادية، وهو الوسيلة الوحيدة لانتشالها من حالة الوهن المخزي، ما لم تتحرك الأمة في هذا الاتجاه، فستظل غارقة في التبعية والانكسار، لكن إذا أحيت روح الجهاد في بعدها القرآني والتربوي، ستجد نفسها قادرة على النهوض من جديد، لتكون أمة حية، عزيزة، قادرة على مواجهة أعدائها وصناعة مستقبلها.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب
* موقع انصار الله

