الحياة رحلة من الصراع بين الحق والباطل
السياسية || محمد محسن الجوهري*
لا أمل على الإطلاق أن يعيش الفرد بعيداً عن هموم القضايا الكبرى لدينه وأمته، ومن رحمة الله بعباده أن أنزل لهم منهجاً يرسم لهم فيه تفاصيل الصراع وهوية الأعداء وكيفية التعامل معهم، وجعل الالتزام به هو السبيل الوحيد للنجاة للفرد وللأمة، وبمجرد أن يعرض الناس عن المنهج الإلهي يكونوا هم الضحية كما هو حال المسلمين اليوم.
ولو أن العرب فعلوا مبدأ الموالاة والمعاداة كما ورد في القرآن الكريم، لما اضطروا إلى أن يضعوا رقابهم تحت مقصلة أعدائهم من أهل الكتاب، ولكنهم ظنوا أنهم أذكى من الله وأدرى بتفاصيل الصراع من كتابه الكريم، وفي ذلك شكل من أشكال التكبر على الله والإعراض الذي يستوجب من الله المعيشة الضنكى والشقاء في الدارين، ومن هو في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا.
ولا أمل على الإطلاق أن يعيش الفرد بمعزل عن هموم قضايا دينه وأمته، لأن الإعراض عن هذه القضايا ليس حياداً بل هو انخراط في صف الباطل من حيث لا يشعر المرء. ومن رحمة الله بعباده أن أنزل لهم منهجاً واضحاً، فيه تفصيل الصراع، وتحديد هوية الأعداء، وكيفية التعامل معهم، قال تعالى:﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا﴾ [فاطر:6]، فبيّن سبحانه أن أول معالم الصراع معرفة العدو الحقيقي، وعدم الانخداع بزخارفه أو دعايته، لأن من لا يميز عدوه يقع فريسة سهلة في يده.
إن الالتزام بالمنهج الإلهي هو السبيل الوحيد للنجاة، فرداً كان أو أمة، أما الإعراض عن هدي الله فهو سقوط في مهاوي الهزيمة والذل، كما هو حال كثير من المسلمين اليوم. فقد توعّد الله من أعرض عن ذكره بقوله: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه:124]
وليس الضنك هنا محصوراً في الفقر المادي، بل يمتد إلى القلق والاضطراب النفسي، وانعدام الطمأنينة، وانحسار الكرامة والعزة، ولو أن العرب أحيوا في حياتهم مبدأ الولاء والبراء كما ورد في القرآن، لكان حالهم مختلفاً جذرياً؛ إذ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ [المائدة:51].
لكنهم – إلا من رحم الله – ظنوا أن في مصافحتهم للأعداء وتقديم التنازلات ما يحقق لهم الأمان، فوقعوا في فخ التبعية السياسية والاقتصادية والعسكرية، حتى صاروا مجرد أدوات رخيصة تُستخدم لإضعاف أمتهم، وهذا الانحراف ليس وليد اليوم؛ فقد قص الله علينا حال بني إسرائيل حين أعرضوا عن شريعته وتبعوا أهواءهم، فقال: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً﴾ [المائدة:13]، فكأن التاريخ يعيد نفسه، حيث يسقط المسلمون اليوم في ذات الدائرة: ترك للمنهج الإلهي، وموالاة لأعداء الله، ثم ذلٌّ بعد عزة، وضعفٌ بعد قوة.
وفي الواقع المعاصر شواهد كثيرة؛ فما الذي جرّأ الصهاينة على احتلال فلسطين، ثم التطاول على المسجد الأقصى، إلا لأن الأمة تخلّت عن مبدأ الولاء لله ورسوله، وركنت إلى وعود الغرب الكاذبة؟ وما الذي جعل بعض الأنظمة العربية تفتح أبوابها للتطبيع مع العدو إلا انخداعها بزينة الباطل وظنها أن فيه خلاصاً؟ وهيهات أن يكون في مخالفة أمر الله فلاح، قال تعالى: ﴿وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ [البقرة:120].
إنها الحقيقة التي لا تحتمل المواربة: من استغنى عن هدي الله وأراد أن يُدير الصراع بعقله القاصر، فقد تكبّر على ربه، وعاند سننه، ولن يحصد إلا الخيبة والخسران في الدنيا والآخرة. أما من تمسك بحبل الله ووالى فيه وعادى فيه، فقد أخذ بأقوى الأسباب للنجاة والعزة والتمكين.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب

